الموت ولا المذلة
أحمد صرصور
كنت منكبا على كتابة مقالا عن الحرية للاسرى بكل جوارحي, متفاعلا مع كلمات الحرية التي اصُفُّ فيها لبنات مقالتي مستحضرا ازمان العبودية لاقارنها بازمان الاسرى الفلسطينيين الذين يًزج بهم في غياهب السجون من خلف قضبان صنعت لهم خصيصا لتلائم اذلالهم حسب مزاج قاتل حرياتهم وسالب املاكهم.
واذا بعصفور جميل المنظر دخل غرفتي ضيفا من الشباك واخذ يحوم في فضائها . تمعنت به القليل وعدت لاستكمل مقالتي.
هاجم البيض اصحاب القوة وفنانو العبودية بلاد افريقيا سابقا فسلبوا خيرات السود الافريقيين البسطاء. لم يكتفوا بقتلهم وسلب ممتلكاتهم بل استعبدوهم ونقلوهم الى بلاد البيض كي يخدموهم.
هنا ليست ازمان العبودية.
هنا فلسطين. ارض الرباط. ارض الاسراء. ارض امة (لا اله الا الله). الارض المباركة. ارض الزعتر, الزيتون, التين والصبر. نعم الصبر. لدينا صبرا الى يوم الصبر. لكم الغلبة الان فتجبروا فينا كما يحلوا لكم. وعندما ستنقلب الامور ويتبدل الحال, سنقول لكم كما علمنا رسولنا الكريم: (اليوم لا تثريب عليكم. اذهبوا فانتم الطلقاء).
هنا ليست افريقيا. وليست بلاد الهنود الحمر. هنا بلاد اقترن اسمها برسولنا الكريم. بلاد لا يمكن ان تتحمل الظلم. وكعادتها دائما فهي مقبرة للغزاة الطالمين.
هنا الام الفلسطينية التي بارك الله فيها واخصها بكثرة الانجاب مثلها كمثل الارنبة. فهي تعلم ان الصياد يقف لابنائها بالمرصاد امام وكرها. وكلما خرج احدهم, داهمه العدو برصاصة. وكلما استشهد احدهم , انجبت هذه الام عشرة من الرجال
نعود الى ضيفي العصفور الذي اتخذ له موقعا واخذ يقرأ ما اكتب. وكأن المقالة نالت اعجابه فاطمأن لي واخذ على نفسه الامان باني لن أأسره او أسجنه فانا كما اعتقد, انني من رواد دعاة الحرية.
نظرت اليه بتمعن فاعجبني ما خصه الله من الوان جميلة طبيعية وكأنها قطعة فسيفساء . قلت في نفسي احدثها: سامسك هذا العصفور واضعه في قفص كبير واقدم له اشهى انواع الحبوب واعذب المياه المعدنية. فمهما يكن سيعيش تحت رعايتي في احسن حال.
نعم. قررت ان استحوذ على هذا الجمال واخصخصه لنفسي فقط, كي امتع ناظري بجماله, كل ما احتاج للنظر لشيء جميل.
وعلى حين غفلة منه , امسكت به بكل سهولة ساعدني في ذلك اطمئنانه لي واستحالة غدري له.
وضعت عصفوري الجميل في قفص كبير وجميل. قدمت له الحبوب بشتى انواع مشهية. فانا الان واثق انه مبسوط مما فعلته من اجله.
مرّ اليوم يليه ايام, وعصفوري لا يلمس الاكل الشهيّ ولا يقترب من الماء العذب. تعجبت لحاله!!!!!!!!!!!!
ايمكن انه مريض؟؟؟؟
جئت باكبر البياطرة لمعالجته فاكدوا لي انه بصحة وعافية لا مثيل لهما.
خرجت به احمل القفص للتنزه, عسى ان يغير جوا فترتاح اعصابه. لكن اتعابي ذهبت سدى.
عصفوري لا يزقزق كما دخل اول مرة عليّ ضيفا. عصفوري حزين جدا.
وفي يوم (اعتقد انه كان اليوم الرابع لاسره) جئته لاطمئن على حاله.
ويا للهول ....
عصفوري ميت . وجدت رأسه عالقا بين قضبان القفص مدلى الجسم . امتدت يدي بسرعة البرق الى داخل القفص كي انقذه. لكن فات الاوان .
ترك عصفوري لي هذه الرسالة.
يا من تدعي الديمقراطية والحرية والامن والامان في مقالاتك لكل البشر. تزج بي في قفصك وتقدم لي الطعام والماء معتقدا انك ترضيني بفعلك هذا كي امتعك بجمالي. واطربك بصوتي الشذي.
ما انت الا اناني مزيف تظهر مظاهر الخير للجميع وتخفي انياب وحشيتك السامة. لساعة من الحرية افضل من كل طعامك وشرابك وديموقراطيتك الجوفاء
الموت ولا المذلة.