الحسين وأباطيل حان محوها
قالوا إن رأس الحسين جاءت مع السيدة زينب إلي القاهرة ، ودفنت في مسجده المعروف الآن بحي الحسين ، وتم صنع مجموعة هائلة من الأحاديث الضعيفة والموضوعة ، وكأن سيدنا الإمام علي وأولاده هم المسئولون عن الرسالة الإسلامية ، وأن سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم لم يكن له دور إلا في تلقي الوحي فقط ، وضاعت الحقائق ، وترك العمال مصانعهم ، والفلاحون مزارعهم وذهب الجميع لقضاء أسبوع في ذكرى مولد الحسين علي مدي ألف عام من وقت
لكن ما يحيرني هو موقف اصحاب الفضيلة من مشايخنا العلماء؟
1- صاحب الفضيلة الإمام الأكبر د. عبدالحليم محمود:
عُرف بالتقوى والورع منذ صغره ، و ألتحق بالأزهر ، و أتم الدراسة فيه ، ثم ذهب إلى فرنسا للحصول علي الدكتوراه ، وعاد من هناك ، وتنقل في المناصب حتى وصل إلى منصب شيخ الأزهر ، استدعاه الرئيس أنور السادات ذات يوم وقال له : يا دكتور عبد الحليم كل الدول الأوروبية والأمريكية التي تقدم لنا المساعدات يشترطون ألا يُمنح الأزهر منها شيء ، وأنا سوف أعطيك قرارا بأن كل من يقوم ببناء معهد يكون من حقه أن يُعيِّن أولاده و أقاربه فيه ، وبالفعل صدر القرار ، وكان الشيخ يحب الأزهر حبا عميقا فظل يتنقل في كل المدن والنجوع والقرى في مصر ، ويفتتح المعاهد ، حتى تُوفِّي ، وقد افتتح (700) سبعمائة معهداً ، وقد بدأ هذا العمل ، وكان لا يوجد في الأزهر وقتها إلا عشر معاهد على مستوى جمهورية مصر .
كان يرحمه الله تقيا نقيا ، حتى كان معظم الناس يلتمسون منه البركات ، وكان عالما ــ فيما عَلِمَ ــ لا يشق له غبار ، وقد أُوثر عنه حبه لآل البيت بالمعنى الواسع ، وحبه للحسين خاصة ، فكان يختلس الأوقات ليلا ، ويقبل عتبات الحسين ، وكلما دخل إلي المسجد في لقاء أو احتفال قبَّل عتبة المقام الداخلية ، كان رجلا عظيما يرحمه الله رحمة واسعة .
2ــ الشيخ الشعراوي:
سيرته معروفة وتذاع في مسلسل خاص في التلفزيون المصري ، ظل يقرأ ويراجع في العلوم ، حتى خرج علينا بخواطر ساحرة مبهرة معظمها جديد ومفيد وكان سخيا كريما تقيا نقيا ، وكانت له طريقة صوفية ، وله مريدون ، كانت تأتيه الأموال من الإذاعة والتلفزيون ، ومن تسجيلات الخارج ، وكان يوزِّعها كلها علي طلاب العلم والفقراء البائسين ، وأنا أشهد أنني جلست مع أولاده بعد الوفاة وتأكدت أنه لم يترك مالا إلا من علمه وعرقه في السعودية ، أما المال الذي جاء من التفسير فقد سخره جميعه ابتغاء وجه الله ، كان الشيخ الشعراوي محباً للحسين و استأجر شقة في حي الحسين ، أو كان يملكها لا أدري ، وكان من عاداته التي عرفناها وقالها لأحبابه ، أنه كان ينزل كل ليلة عند الفجر يقبِّل عتبة الحسين المواجهة لدورة المياه ، ويقوم بنفسه بغسل الدورة وكان يرحمه الله يميت نفسه في هذا العمل حتى لا يصاب بالكبْر والعجْب بسبب سعة علمه وحب الناس الشديد له .
3 ـــ د. جوده أبو اليزيد المهدي:
كان أستاذا في جامعة الأزهر ، عالما جليلا من علماء التفسير ، درَّس لي في الجامعة ، فكان موسوعة متنقِّلة ، كان جميل المظهر طاهر القلب ، أشهد له أنه لم يتسبب في أذى لأحد ، كان يحب الأولياء ، فكان يقبِّل عتبة السيد البدوي في مدينة طنطا كل ليلة ، واختلفت معه في هذه المسألة كثيرا ، ولم يمتنع عن تقبيل العتبة أمام الناس ، إلا بعد أن تدخل الإمام العظيم شيخ الأزهر الشيخ جاد الحق ، وطلب منه عدم تقبيل الأعتاب مرة ثانية كانت. له شقة ورثها عن أبيه في حي الحسين ، وكان يقيم فيها ليلة في الأسبوع ، لكي يحظى بتقبيل عتبة الحسين ، كان رجلا عظيما يرحمه الله رحمة واسعة .
بعد ضلوع هؤلاء العلماء العظام في تقبيل أعتاب الحسين حبا وشرفا وقربا ، بدأت الدولة في جعل الاحتفال بمعظم المناسبات تقام في مسجد الحسين ، وأقامت مؤتمرات في رمضان حول الحسين ، وبدأ العامة يقدِّسون زيارة الإمام الحسين .
وبدأت الحكاوي تكثر عن بركات وكرامات الحسين ، حتى بدأ بعض الشباب يذهبون إلى المقام وكل من يريد أو تريد الزواج بفلان أو فلانة يطلب ذلك من الحسين ، وبدأ بعض الفلاحين يتركون مزارعهم ترعى فيها الحشرات والديدان ، ويذهبون إلي الحسين يطلبون منه المساعدة في تطهير الحقول من الحشرات ، وبدأ بعض الطلاب يتركون المذاكرة ويذهبون للحسين يطلبون النجاح بدرجات عالية ، وبدأ بعض الفنانين يذهبون إلي الحسين ويطلبون منه النجاح لأعمالهم الفنية ، حتى لو كان في هذه الأعمال تدمير وتخريب للإسلام ولأهله .
هذا هو حصاد التعليم التلقيني واختفاء البحث العلمي الحقيقي ، فالعلم يقول : إن مدينة القاهرة بنيت بعد مقتل الحسين بـ (225 ) مئتي وخمسة وعشرين عاما ، فلا وجود للحسين في القاهرة لا جسدا ، ولا رأسا ، وإنما كل ما تقدم أسس علي الوهم المزكَّي من أعداء الإسلام .
يقول ربنا سبحانه وتعالى عن الأولياء وطلب قضاء الحاجات منهم :
[إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ۚ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ] سورة فاطر الآية 14
أي أن الأولياء سيكفرون بكل من نسي ربه وطلب منهم العون والغوث
يقول الشاعر :
مابين ضال المنحنى وظلاله ضل المتيم واهتدى بضلاله
فكلنا مُتيَّمُون تمسكنا بالوهم واهتدينا به ، وتركنا الحق الصحيح الباقي .. القرآن الكريم.
وسوم: 640