هل السلفيون ضد المشروع الإسلامي؟!

سعت بعض الجهات من داخل مصر وخارجها, بقوة, ليكون الحراك السلفي بعد ثورة يناير المباركة عملا مفخخاً لإجهاض مشروع الإخوان والتيار الإسلامي برمته. وللأسف الشديد كان السلفيون أشبه بـ"ألغام" زرعتها أجهزة الاستخبارات لوقف المد الإسلامي بعد ثورات الربيع العربي، وتشويه المشروع الإسلامي ونسفه جملة وتفصيلا.

في الحقيقة يشكل السلفيون طيفا واسعاً من الرؤى والأفكار والمدارس، فهناك: السلفية الجهادية، والسلفية العلمية، والسلفية الرسمية المساندة للسلطة الحاكمة؛ أيا كانت, والمتحالفة معها باعتبارها أحد أدواتها للهيمنة والسيطرة على الجماهير باسم الدين وطاعة أولي الأمر!

ومعروف عن السلفيين رفضهم لفكرة الأحزاب السياسية وعزوفهم عن السياسة والمشاركة فيها إن لم تطلب منهم السلطة الحاكمة غير ذلك، كالتأكيد على طاعة ولي الأمر باعتبارها واجبًا شرعيًا، وتحريم الخروج عليه مهما كان ظالماً أو فاسقاً ما دام المسلمون تحت حكمه قادرين على الصلاة وإقامة شعائر الإسلام ... إلى غير ذلك من ملامح الفكر السلفي التي لم تعد خافية على أحد.

وأوضح صورة لهذا الفكر المهترئ  سلفيو مصر وتحديدا سلفيو ياسر برهامي الذين أيدوا الانقلاب على الرئيس الدكتور محمد مرسي؛ ولي الأمر الشرعي الذي لا يجوز الخروج عليه بحسب أصول الفكر السلفي ذاته، لكنهم خرجوا طمعاً في أن يكون لهم نصيب في كعكة دولة العسكر الانقلابية، وما كان ذلك ليحدث إلا لأن بعضهم - من الأصل-  صنيعة لأجهزة الأمن، أو لأن البنية الفكرية والنفسية لهم مشوهة بقدرٍ جعلهم يكرهون الإسلاميين الآخرين أشد من كراهية اليهود والنصارى وأعداء الأمة المتكالبين عليها.

بعد خيبة حزب النور السلفي وهزيمته المدوية في المرحلة الأولى من انتخابات برلمان الانقلاب ينبغي للسلفيين خصوصا- والإسلاميين عموما - أن يدركوا أن أشواق الجماهير إلى الإسلام وعواطف الشعب الجياشة لتجريب الفكرة الإسلامية وتمكينها في أرض الواقع لمعرفة جدواها العملية في إنقاذ البلاد والعباد لم تعد كافية وحدها لضمان انتخابهم وإيصالهم إلى السلطة.

وهناك أسئلة خطيرة ينبغي على سلفيي مصر الإجابة عنها بمنتهى الوضوح، وتحديد مواقفهم منها بصراحة تامة قبل أن يطلبوا دعم الجماهير ومساندتها في أية استحقاقات قادمة؛ وذلك إن كانوا جادين في تحركهم السياسي وراغبين في المنافسة فعلا، وتقديم نموذج سياسي حضاري عملي يقتدي به الآخرون،  وأهم هذه الأسئلة:

لماذا وقف معظم سلفيي مصر هذا الموقف غير الأخلاقي من شرعية الرئيس الدكتور محمد مرسي؟ لماذا دعموا الانقلاب ورضوا باغتصاب النساء وقتل واعتقال عشرات الآلاف من الأبرياء؟ لماذا يصمت مشايخ السلفية عن ذلك الفجور والظلم ولم ينكروه ولو بكلمات بسيطة؟

ومن أهم التساؤلات: ماذا بعد أن تأكد الجميع من زيف شعارات حزب النور وغيره فيما يتعلق بالولاء والبراء وغير ذلك من الشعارات الدينية التي خاطبوا بها الناس عقودا من الزمن؟.

 إن الأمور في مصر لم تعد كما كانت قبل 25  يناير، وليس بمقبول سياسيا أن يظل السلفيون في هذه الحال من الفصام والازدواجية، والتذبذب والتردد في اتخاذ المواقف وتحديد الخيارات، ولن يستسيغ العقل المسلم بعد ذلك التناقضَ الحادَ والتضاربَ الصارخَ الذي لمسناه لدى أطياف السلفيين المختلفة فيما يتعلق بالمسائل السياسية والمواقف الأخلاقية والإنسانية التي لا خلاف عليها.

 فلم يعد مقبولا أن نسمع جماعة سلفية ما تُحرِّم المشاركة في الانتخابات ترشيحا وانتخابا، وتحشد لذلك الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، ثم فجأة وعلى حين غرة توافق على المشاركة فيها لإفشال مشروع إسلامي آخر, ثم تقف مع الباطل ضد الحق وتساند الانقلاب العسكري ضد الشرعية والبيعة الشعبية لولي الأمر المنتخب.

ولم يعد مقبولا رفض المشاركة في المظاهرات السلمية وتحريمها تحريما باتا باعتبارها خروجا على الحاكم وتأييد ذلك بالبراهين والأدلة، وبين عشية وضحاها يتم إباحتها والدعوة للمشاركة فيها نكاية في ولي أمر شرعي آخر لا يرضون عنه.

ولم يعد مستساغا أن يدعو أحدهم إلى توحيد الصف الإسلامي، والقضاء على أسباب الفرقة والخلاف، ثم لا يفتأ يعادي أطرافا إسلامية أخرى، ولا يرعوي أن يتخاصم ويتصارع ويفْجُرَ في خصومته ويعمل على تمزيق الأمة وذهاب ريحها.

ولعل الإخوان وغيرهم من الإسلاميين والقوى الوطنية الأخرى يعون درس سلفيي برهامي جيدا قبل فوات الأوان, وأغلب الظن أن هذا القطاع من السلفيين سيظل لعبة في أيدي أجهزة الأمن والاستخبارات لأنه صنيعتها لضرب التيارات الإسلامية الأخرى ولاسيما الإخوان.

وسوم: 640