كي لا ننسى أرض جدّنا كنعان فلسطين
تلبية للدعوة التي وجهت من قبل مديرة مدرسة راهبات مار يوسف الثانوية بمدينة رام الله، السيدة شيرين مغنم، وبالتنسيق مع الأستاذ إلياس رنتيسي، لبت البيدر المجتمعية للثقافة والفنون ومديرها الكاتب والإعلامي زياد جيوسي الدعوة، من أجل عقد ندوة عن التراث والأمكنة التاريخية في فلسطين، وذلك في قاعة المدرسة لطالبات الصفين العاشر والحادي عشر الأساسيي.
افتتح الكاتب الندوة بحديثه عن أهمية وضرورة حماية تاريخ وتراث فلسطين من السرقة والتزوير الذي يتعرض له، عبر خطة مدروسة وممنهجة من قبل الحركة الصهيونية العالمية والمتمثلة بحكومة الاحتلال، الذي يمارس كل أشكال العنف والإبادة ضد أبناء الشعب الفلسطيني على مرأى وصمت العديد من دول العالم، ونوه إلى ما تقوم به الصهيونية بشكل مستمر من سرقة القطع الأثرية ووضعها في المتحف التابع لهم في (تل أبيب)، إضافة إلى بسط سيطرتها على العديد من الأماكن التراثية والتاريخية في فلسطين. وكانت قرية كفر اللبد والأمكنة التاريخية التراثية فيها هي محور الندوة وتلاها حديث عن بلدة اسكاكا.
تميزت الندوة بظهور الحماس على الطالبات، وقد أظهرن أيضاً حبهن وشغفهن للمعرفة عن تاريخ وآثار وتراث فلسطين، وخلال الندوة نجح المحاضر بجعل الندوة يسودها جو من المتعة والتشويق وذلك من خلال عرضه للمادة بشكل متناغم ما بين الكلمة والصورة، فتحدث عن تاريخ البلدة الضارب في القدم، وعن أصل اسمها الذي يعني باللغة الآرامية القرية المرتفعة كثيفة الشجر، وتحدث عن بئر (الخزق) الذي أخذ هذا الاسم بعد أن قصف في عهد إبراهيم باشا، وحدث به (خزق) وهدم، وكما تعرض مقام الشيخ صالح للقصف في عهد الاحتلال البريطاني في عمليات مطاردة الثوار، فالقائد عبد الرحيم أحمد تواجد فيه وقاد عمليات المقاومة من خلاله، وتحدث عن البيوت القديمة وقسم منها يعود للفترة المملوكية وآخر للفترة العثمانية، وعن قلعة البرقاوي التي جرى ترميمها بعد زيارته، وعن خربة سمارة والكنيسة الرومانية، والتي كانت في الأصل المبنى الإداري للحاكم الروماني للمنطقة، ثم تحولت إلى كنيسة رومانية بكل تفاصيلها، ولذا تسمى التلة أيضاً (خلة الكنيسة)، حيث المدرجات في قاعة الكنيسة، ومحرابها في الشرق، وساحاتها كانت مرصعة بأجمل أنواع الفسيفساء الملون، والتي قام بسرقتها الاحتلال بأكملها مدعياً أنها آثار إسرائيلية.
ثم دار نقاش حول البلدة، وأثارت بعض الطالبات بعض الأسئلة حول بعض الأماكن التراثية والتاريخية في فلسطين، وحصلن على الإجابة بشكل علمي وسليم وموثوق من قبل الجيوسي، الذي أكد لهنَّ بدوره على زيف وبطلان وزيف الرواية الصهيونية، القائمة على سرقة تراث فلسطين ونسبته إليها بهدف خدمة برتوكولات صهيون التي قامت على احتلال ارض فلسطين وإعطاءها لصهاينة العالم واعتبارها ارض الميعاد الموعودة من الله. وأكد لهن أن تاريخ فلسطين عامر ومزدهر فقد وجدت بها أثار الإنسان الأول وفيها كجزء من بلاد الشام كانت الحضارة النطوفية، ومرت عليها الكثير من الحضارات بدءاً من الحضارة الكنعانية، كما عرفت احتلالات كثيرة، فهي كانت وما زالت مطمعاً. وفي نهاية الندوة قامت المدرسة لورين صنصور من مدرسة الراهبات بمداخلة حول الآثار والتراث في منطقة بلاد الشام وهو صلب دراستها وتخصصها، لتؤكد على صحة ودقة المعلومات التي تحدث حولها الجيوسي في الندوة.
ومن هنا جاءت فكرة الكاتب جيوسي أن مقاومة المحتل لها طرق وأشكال عدة، وكل فلسطيني عليه أن يقاوم بالطريقة التي يستطيع من خلالها المحافظة على فلسطينيته وعلى فلسطين والصمود في الوطن حتى تحريره، والمحافظة على ذاكرة المكان والتاريخ والتراث هي إحدى هذه الطرق والوسائل.
يشار إلى أن الكاتب والإعلامي زياد جيوسي يعمل على توثيق ذاكرة المكان بالصورة والكلمة من خلال جولات ميدانية وحسب ما رواه له المعمرون من أبناء الشعب الفلسطيني، وذلك منذ عودته لأرض الوطن في العام 1997 بعد التهجير القسري الذي مورس وما زال يمارس على العديد من أبناء شعبنا. وبما أن فلسطين هي حق شرعي لكل الفلسطينيين بغض النظر عن مكان تواجدهم، فمن حقهم أن يعرفوا ما يوجد في فلسطين، من كنوز وإرث تراثي وتاريخي تركه لهم الأجداد منذ ما يزيد على عشرة آلاف وخمسمائة عام.
كذلك هو يؤمن بأن الجيل الناشئ سيكون له الغد، وسيكون حامل مشعل الحرية، فلا بدَّ من تعريفه بوطنه والمحافظة على رفد ذاكرته وإحيائها ليحيا بها ومعها الوطن، وتكون بمثابة شمعة تضيء لهم بداية النفق ليستمروا حتى تشع شمس الحرية على كامل التراب الفلسطيني، ويعيش الفلسطيني بوطنه بكرامة وحرية كباقي شعوب العالم. وبما أنّ الجيل الناشئ يعاني من عملية تجهيل، سواء بقصد أو بغير قصد، وعدم شمول تاريخ وحضارة فلسطين ضمن المنهاج الدراسي الفلسطيني، قررت البيدر بالتعاون مع الكاتب جيوسي على عقد ندوات ثقافية حول المكان والتراث واستهداف الفئات الشابة من طلبة المدارس والجامعات بشكل رئيس، ليصبحوا على اطلاع على إرثهم وتاريخهم وحضارتهم، وليعرفوا أصل وجذور القضية الفلسطينية، لأنه إن صلح حالهم صلح حال الوطن، وإن تشتت ذاكرتهم تشتت الوطن!
وسوم: 641