إرهابهم وارهابنا
الارهاب جريمة مدانة في كلّ الشّرائع والقوانين والأنظمة، ويجب استئصاله دفاعا عن البشريّة وحق الانسان في الحياة، بغضّ النظر عن جنس أو لون أو دين من يمارسون الارهاب أو ضحاياهم. وليس هناك ارهاب مشروع وآخر غير مشروع، مع ضرورة التّفريق بين المقاومة المشروعة والارهاب.
وعلينا الاعتراف أنّ هناك عربا ومسلمين يمارسون الارهاب، فيقتلون ويدمّرون ويعيثون في الأرض فسادا كغالبيّة القوى "المتأسلمة" مثل الدّواعش وغيرهم التي تمارس الارهاب القذر في سوريّا، العراق، ليبيا، اليمن، لبنان، الصّومال، مصر وغيرها من الدّول، ومثل أولئك الذين قاموا بتفجيرات واطلاق نار في باريس وكاليفورنيا مؤخّرا، ويقف خلف هذه التنظيمات حكومات ودول عربيّة وأجنبيّة، فيموّلونها ويدرّبونها ويسلّحونها على رؤوس الأشهاد؛ لتحقيق مصالح سياسيّة واقتصاديّة وحتّى عسكريّة، وبنظرة عقلانيّة إلى داعمي الارهاب سنجد أنّ أنظمة عربيّة تدعم الارهابيّين في دول عربيّة أخرى تنفيذا لأوامر من سادتهم في البيت الأبيض وبعض العواصم الامبرياليّة. لكنّ اللافت أنّ الدّول الامبرياليّة والتي تزعم أنّها ديموقراطيّة تدافع عن حقوق الانسان، تمارس هي الأخرى ارهاب الدّولة الذي هو بالتّأكيد أبشع من ارهاب الأفراد والجماعات، وكأنّها تشرعن ارهابها وتبيح لنفسها ما تحرّمه على غيرها. فعلى سبيل المثال احتلال أمريكا للعراق وتدميره وقتل مليون مدني عراقي وتشريد ملايين العراقيّين، بناء على أكاذيب اختلقتها المخابرات الأمريكيّة "سي. آي. ايه" وهي تعترف الآن بخطئها هذا، إلا أنها لم تعترف أنّها مارست الارهاب، وحتى لم تعتذر للشّعب العراقي، وهذا ما فعلته أيضا في افغانستان وليبيا هي وحلفاؤها الامبرياليّين، ومع أنّ الرئيس الأمريكيّ السابق جورج دبليو بوش كان يصرّح بأنّه يتلقّى أوامره من الرّب يوميّا، إلا أنّ أحدا لم يصف جرائمه بأنّها"ارهاب مسيحيّ" كما يصفون الاسلام والمسلمين عندما يقوم أحد الارهابيّين العرب أو المسلمين بجريمة ما، وبالتّأكيد فإنّ الدّيانة المسيحيّة بريئة من هكذا جرائم، بما فيها جرائم النّازيّة التي كان شعارها الصّليب المعقوف. لكنّهم لا يبرّئون الاسلام والمسلمين من جرائم ارهابيّة ينفّذها أحد المسلمين. وإذا ما عدنا إلى التّاريخ قليلا، فإنّ المؤرّخين العرب والمسلمين وصفوا الغزو الأوروبّيّ للمشرق العربيّ في القرن الحادي عشر الميلادي "بحروب الفرنجة" مع أنّ الغزاة رفعوا الصّليب لاستقطاب بسطاء شعوبهم كي يشاركوا في تلك الحروب التي سمّوها "الحروب الصّليبيّة".
ونحن نسوق هذه العجالة للرّد على الملياردير الأمريكيّ دونالد ترامب مرشّح الحزب الجمهوري للرّئاسة الأمريكيّة، والتي دعا فيها إلى عدم السّماح للمسلمين بدخول أمريكا بعد عمليّتي الارهاب الأخيرتين في باريس وكاليفورنيا، علما أنّه يوجد في أمريكا أكثر من سبعة ملايين مسلم.
فهل تساءل السّيد ترامب وغيره من السّاسة الأمريكيّين وحلفاؤهم عن أسباب هذا الارهاب؟ وهل احتلال حليفتهم اسرائيل لأراضي دولة فلسطين ارهاب دولة أم ماذا؟ وهل تشريع قتل الفلسطينيّين بمن فيهم الأطفال والنّساء والأسرى، والعقوبات الجماعيّة واحتجاز جثامين الشّهداء، ومصادرة الأراضي واستيطانها، وهدم البيوت، وانتهاك حقوق الانسان الفلسطينيّ ارهاب دولة أم ماذا؟ وهل من يدافعون عن هذه الجرائم في المحافل الدّوليّة يمارسون ارهاب الدّولة أم ماذا؟ وهل تدريب وتسليح وتمويل الارهابيّين في دول أخرى كسوريّا وليبيا ومصر والعراق ولبنان ارهاب دولة أم ماذا؟ وهل نشر ما تسمى "الفوضى الخلاقة" لتدمير دول وقتل شعوبها، والعمل على إعادة تقسيمها إلى دويلات طائفيّة متناحرة ارهاب دولة أم ماذا؟ وهل الكيل بمكيالين في التّعامل مع القانون الدّولي وحقوق الانسان ارهاب دولة أم ماذا؟ ومن أعطى بعض الدّول الكبرى الحقّ بالتدخّل في شؤون الدول الضعيفة وتدميرها واحتلالها، وقتل شعوبها المستضعفة.
وهذا يقودنا إلى التّساؤل حول دماء وحياة البشر، فهل هناك دماء محلّل سفكها، وحياة محلل اختطافها أم دماء البشر وحياتهم تتساوى؟
وأنا أطرح هذا التّساؤلات ليس دفاعا عن العرب والمسلمين، فمن يمارس الارهاب يجب استئصاله وانهاؤه بغضّ النّظر عن جنسه أو لونه أو دينه. لكن على الأمريكيّين وغيرهم أن يعرفوا أنّ شعوبنا ودولنا ضحايا لارهاب الدّولة الذي يمارسونه. ولو أنّ أمريكا معنيّة حقا بانهاء الارهاب في المنطقة لعملت على انهاء الاحتلال الاسرائيلي للأراضي العربيّة، لتمكين الشّعب الفلسطيني من حقه في تقرير مصيره، واقامة دولته المستقلّة بعاصمتها القدس الشّريف بناء على قرارات الشّرعيّة الدّولية. وعلى الدّول الدّاعمة للارهاب أن تعي أنّ الارهاب سيعود إليها يوما ما، وما تجربة "القاعدة" ببعيدة.
وسوم: العدد 646