السودان درة الإحسان للاجئين السوريين
كل _ ولا أتردد في التعميم _ من عرف السودانيين في بلادهم أو خارجها أحبهم وحمد خصالهم : كرم ونخوة وطيبة نفس وحسن جوار وكفاءة وإخلاص في العمل . وعلاقة السودانيين المقيمين والعاملين خارج بلادهم مع بعضهم بعضا فريدة بما فيها من تحاب وتراحم وتآلف . في رمضان يبحث السودانيون المتزوجون عن السودانيين العزاب ليفطروا في بيوتهم ولو لم تربطهم بهم أي صلة سابقة ، المهم أن يكون الأعزب سودانيا . والسوداني الذي لا سيارة له يستخدم عند الحاجة سيارة سوداني آخر . وإذا قدم سوداني جديد على منطقة يعمل فيها سودانيون قبله تنافسوا في دعوته إلى بيوتهم لإطعامه وإكرامه ومساعدته في الاستقرار . صفات يجمع كل من عرف السودانيين على أنها لا وجود لها لدى أبناء الجنسيات الأخرى من العاملين خارج بلادهم .وأحيانا الموجود هو النقيض المهول من الرذائل والأحقاد والمكائد الشاهدة على حقارة النفس ورداءة التربية وخساسة الأصل . وفي أي دائرة عمل في الخارج يصعب أن تسمع أو تقرأ أن سودانيا اتهم أو أدين بمأخذ في سلوكه الوظيفي أو الأخلاقي . ومواقف السودان القومية عربيا دائما متصفة بالصدق والإخلاص والشرف ، وإن أولجت عليها بين حين وآخر ضغوط السياسة ومساوئها شوائب لا تليق بخصائص الشخصية السودانية الشريفة النبيلة ، لكنها تظل في الذروة صدقا وإخلاصا وشرفا الأمر الذي جعل السودان دائما تحت مراقبة إسرائيلية لصيقة ، وعرضه لهجمات من سلاح الجو الإسرائيلي لاتهامه بأنه محطة من محطات تزويد غزة بالسلاح ، وقال مسئول إسرائيلي مرة : " إن إقامة مدرسة في السودان أمر يقلق إسرائيل " . حفزني لكتابة هذا المقال _ وهو ليس أول مقال أكتبه في حب السودان والثناء عليه _ تقرير سمعته في إذاعة مونتي كارلو لمراسلها في السودان يتحدث فيه عن أحوال السوريين الذين شردتهم الحرب الكونية الدموية على بلادهم أشتاتا في أصقاع العالم . نفهم من التقرير الوجيز أن حوالي 1000 لاجىء سوري يدخلون السودا ن شهريا دون تأشيرة مسبقة ، وأنهم يعاملون من الحكومة والمواطنين السودانيين أنبل وأحسن معاملة ، وأنهم أحرار في مراس ما يستطيعونه من أعمال وفق مهاراتهم وخبراتهم الذاتية ، وأنهم أقاموا كثيرا من المطاعم على عادة الشوام خاصة السوريين واللبنانيين في مغاربهم ، وهو ما فعله هنا في غزة بعض الإخوة السوريين القلائل الذين دخلوها ، وأسماء مطاعمهم ومخابزهم تفصح عن هويتهم . ويقول مواطن سوري لمراسل مونتي كارلو إن معاملة السودان شعبا وحكومة لهم خففت بلاء تشريدهم الوحشي ، بل تكاد تنسيهم أنهم خارج بلادهم لولا أن حب الأوطان والحنين إليها غريزة عميقة في النفس البشرية ، وجرح تشردهم مازال جديدا داميا ، وغبار تراب الوطن عالقا لايزال بأجسادهم وثيابهم ، وعبير لوزه وياسمينه ما فتىء في قلوبهم وأنوفهم . طيبة معاملة السودان للاجئين السوريين _ على مشقة أحواله الخاصة _ حديث يطول لصلته بمحددات كثيرة ، وهو يحرك قضايا عميقة تخص صفات العرب ونوازعهم وأخلاقهم ، ولم نجد عربيا فذ اللؤم والنذالة ، ونجد عربيا فذ الكرم والطيبة والنخوة والأصالة ؟، ولم يتواجد هذان النوعان من الصفات على مستوى المجتمعات والدول العربية _ مع شيء من التحفيظ في التعميم في هذا المستوى _ ؟ ، ولم تتآمر دول عربية على سوريا والسوريين تآمرا إجراميا خلا من ذرة عروبة أو إسلام أو إنسانية ؟ ، ولم يتعاطف السودان بصدق وأصالة مع سوريا والسوريين ؟ يبدو أن السبب نوعية المعدن ، والناس معادن مثلما ينبئنا المصطفى _ عليه الصلاة والسلام _ . ومعدن السودانيين كريم نفيس ، ومعدن بعض العرب لئيم خسيس . وقسوة الظروف تزيد المعادن النفيسة نفاسة ، والخسيسة تزداد خساسة في الظروف القاسية والظروف الحسنة على السواء ، ولعل خساستها تزداد أكثر في الحسنة . الله _ جل حكمة وقدرا _ جعل لكل أمر مستقرا ، ومهما تمادت محنة سوريا العظيمة الحبيبة زمنا وبلاء ففرجها قريب ، وعندها يتذكر السوريون من أحسن إليهم في محنتهم الكبرى ، ومن أساء ، وسيكون السودان درة القلة الذين أحسنوا في صدق وعفوية ودون من أو ثرثرة إعلامية أو استثمار سياسي أو دبلوماسي أو اقتصادي .
وسوم: العدد649