الوعيد الإلهي بإهلاك الظالمين
الظلم من أحط الصفات البشرية ، وهو مرفوض مبغوض ، حرّمه رب العباد على نفسه ، وأمر عبادة ألاّ يظالموا . والظلم ضد العدل ، والظلم هو الداء الوبيل الذي يؤدي إلى هلاك الأمم ، وتدميرها . تنتصر الأمم العادلة ولو لم تكن مؤمنة ، وتنهزم الأمم الظالمة ولو كانت مسلمة ، ولذا قيل : العدل أساس الملك . بمعنى قيام الدولة وبقائها ومشاركتها في صناعة الحضارة .
القرآن الكريم مليء بالآيات الكريمة التي تتناول الظلم والظالمين ، ومراجعة سريعة لمعجم ألفاظ القرآن الكريم ومادة ( ظ ل م ) تشير إلى ضخامة عدد الآيات الكريمة التي تحدثت عن الظلم والظالمين وأحوالهم ومصائرهم وموقفهم أمام الحق سبحانه وتعالى ، مما يدل على خطورة الظلم وتأثيره في الناس .
السنة النبوية الشريفة تضم أحاديث كثيرة قدسية ونبوية ، تتحدث عن تحريم الظلم ووعيد الظالمين . أكتفي هنا بالإشارة إلى بعض الآيات الكريمة التي تصف مصائرهم ومواقفهم ، ولعلها تُذكر من يحسبون أن الله يغفل عن سلوك الظالمين وممارساتهم المنافية للعدل والأخلاق والحق والرشد والأخوة البشرية بعدل الله ، فالصبر عليهم ليس تهاونا ، ولكنه تأخير ليوم تشخص فيه الأبصار .
يحكي الحق سبحانه عن رسله إلى الكافرين وما لاقوه من تهديد وتخيير بين الكفر أو التهجير من البلاد والوطن عقابا لهم على الإيمان والتمسك بالعقيدة ، ويصور القرآن الكريم الوعيد الإلهي بإهلاك الظالمين وانتصار المظلومين وعاقبة التجبر والعناد:
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ . وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ . وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ . مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ . يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ( إبراهيم :13-17) .
يوفى الصالحون أجورهم أما الظالمون فهم بعيدون عن الله وعن محبته :
" وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ " ( آل عمران :57 ) .
" إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ " ( آل عمران : 140) .
والظالمون مصيرهم إلى جهنم يصطرخون فيها ، ولا يجدون لهم نصيرا :
" وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ " ( فاطر : 37).
وقد حذرنا الحق سبحانه من الركون إلى الظالمين أو موالاتهم أو إعانتهم :
" وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ " ( هود : 113) .
" وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ " ( الأنعام : 68).
والظالمون محرومون من هداية الله لأنهم عرفوا الحق ونكصوا عنه :
" كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ " ( آل عمران : 86) .
" .. فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ " ( الأنعام : 144) .
" .. وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ " ( القصص : 50) .
والظالمون لن يفلحوا مهما بلغوا من قوة وجبروت :
" وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ " ( الأنعام : 21) .
" وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَن جَاء بِالْهُدَى مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ " ( القصص : 37) .
وقد أوعد الله الظالمين وهددهم بالعذاب وسوء المنقلب :
" إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ " ( الشورى : 42) .
" إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ " ( الشعراء : 227) .
" فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ " ( القصص : 40)
كما أوعدهم الله بتدميرهم وخراب بيوتهم :
" ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ " ( الأنعام : 131) .
" فكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ " الحج45
" فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ " ( النمل : 52) .
" وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ " ( العنكبوت : 31) .
وصور القرآن الكريم مصيرهم في النار وهم يستغيثون ولا مغيث :
" .. إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً " ( الكهف : 29 )
كما صورهم وهم في غمرات الموت عند البعث ليعاقبوا بعذاب الهون :
" .. وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ " ( الأنعام : 93 ) .
وأخيرا فاللعنة الإلهية على الظالمين دنيا وآخرة :
" وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أُوْلَـئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ " ( هود : 18) .
" وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ " ( الأعراف : 44 ) .
الله مولانا . اللهم فرج كرب المظلومين . اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم .
وسوم: العدد 650