ضدان لا يلتقيان
لا شيء اكثر ضرراً من غموض الافكار والتباسها, والذي ينتهي اليه المتدبّر في أحوال العرب والمسلمين السياسية (والاجتماعية والثقافية كذلك) أن ثمة ضبابية في فهم طبيعة العلاقة بين الاسلام والاستعمار, هذه العلاقة التي لم أر تعبيراً أدق في تحديدها وبيان أبعادها مما قاله العلامة الجزائري الشيخ محمد البشير الابراهيمي (1889 – 1965م) حيث يقول رحمه الله: «إن الاستعمار والاسلام ضدان لا يلتقيان في مبدأ ولا غاية..».
«فالاسلام دين الحرية والتحرير, والاستعمار دين العبودية والاستعباد».
«والاسلام شرعُ الرحمة والرفق ودين العدل والاحسان والاستعمار قوامه الشدة والقسوة والطغيان. والاسلام يدعو الى السلام والاستقرار, والاستعمار يدعو الى الحرب والتقتيل والتدمير والاضطراب».
«والاسلام يثبت الأديان السماوية ويحميها, ويقدّر ما فيها من خير, ويحترم انبياءها وكتبها, بل يجعل الايمان بتلك الكتب واولئك الرسل قاعدة من قواعده وأصلاً من أصوله.. والاستعمار يكفر بكل ذلك ويعمل على هدمه, خصوصاً الاسلام وقرآنه ونبيّه صلى الله عليه وسلم ومعتنقيه».
ثم يزيد العلامة الابراهيمي توصيفه للعلاقة (أو للمفارقة التامة) بين الاسلام والاستعمار قائلا: «والاستعمار الغربي – وكل استعمار في الوجود غربي – يزيد على مقاصده الجوهرية (وهي الاستئثار والاستعلاء والاستغلال) مقصداً آخر اصيلاً, هو محو الاسلام من الكرة الارضية خوفاً من قوته الكامنة وخشية منه أن يعيد سيرته الاولى» في تحرير البشرية من الظلم والظالمين, وبسط يد العدالة والرحمة فيها.
ولا يقف الشيخ الابراهيمي في بيان مقاصد الاستعمار الغربي حتى يبيّن لنا كيف اتفقت الدول الاستعمارية بالاجماع «على خلق دولة اسرائيل في صميم الوطن العربي, وانتزاع قطعة مقدّسة من وطن الاسلام واعطائها لليهود الذين يدينون بتكذيب المسيح عليه السلام, وصلبه (فيما يزعمون) والطعن في أمّه الطاهرة البتول..».
هي إذن مفارقة تامة وتناقض بعيد الجذور لا تتماسك ازاءه المعاذير والتعلاّت. ومهما يكن من تناسٍ لها او تغافل عنها منا نحن العرب والمسلمين فإن دول الاستعمار لا تغفل عنها دقيقة من ليل أو نهار, بل هي أساس حضورها الدموي, الذي يحتد تنافسها فيه, في بلادنا..
ليعقل ذلك من له عقل. وليرهُ من له عينان, فإن القوم دائبون فيما يبيّتون, ورحم الله العلاّمة محمد بشير الابراهيمي, وبوأه منزلته التي يستحق في المؤمنين العاملين المستبصرين..
وسوم: العدد 651