الوظيفة الحضارية للأمة
حارت العقول وذهلت واستوفت نفوس الأحرار أسباب الاستيئاس واستنزفت بيوت الأحرار خلف السجون واكتوت قلوب الأمهات الثكالي ألما علي فراق أبنائهن الشباب الحر الذي خرج مطالبا الكرامة والحرية لمكن لدينه ولم يعد ، اسود المشهد أكثر مما تخيل الجميع وظهر أن الفساد فوق طاقة البشر علي إصلاحه وتجاوز حدود قدراتهم ، وانغمست الشعوب في مذلتها راضية مختارة صامتة بلا أدني رغبة واضحة في الانتفاضة أو الموت من أجل حريتها، وصبح الأحرار علي الساحة وحدهم ، وعلي الطريق وحدهم ، وفي المواجهة وحدهم ، ويضحون بأنفسهم وأموالهم وحدهم الصورة قاتمة لأننا نراها في دائرتنا الصغيرة ، لأننا نراها في حدود وقتنا الراهن دون أن نمد أنظارنا وقلوبنا للماضي البعيد و القريب وكلك المستقبل القريب والبعيد الصورة قاتمة لأننا لا نري إلا عهر السيسي وبشار وأمثالهم من حكام العار والحقيقة أنهم مجموعة عملاء سوف يهبون في طيات التاريخ دون أن تذكر أسماءهم أو حتى أفعالهم الصورة قاتمة لأننا لم ندرك بعد حجم تلك الأمة ومدي ما تحمله من كنوز ينتظرها العالم كله كي يستطيع الاستمرار ، وقبل أن يودي بحضارته المادية الهشة لدمار البشرية جميعها الصورة قاتمة لأننا ننسي أنه في الماضي القريب كانت هناك رجال ، خير رجال بعد الأنبياء محاصرين داخل المدينة خلف الخندق بجيوش الجزيرة العربية مجتمعة لتقضي علي تلك الفئة المؤمنة ، ولا يستطيع أحدهم أن يذهب للخلاء وحده ، فيكبر فيهم رسول الله صلي الله عليه وسلم ليبشرهم بفتح فارس والروم والقسطنيطينية المدينة المحصنة ورومية التي لم تفتح لليوم نعم النصر أمر مفروغ منه ، والإسلام لم يأتي إلا ليحكم العالم ، ويهدي العالم ، ويسعد العالم " لقد ابعثنا اللهُ لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة " . هل اطلع أحد علي قول هو أعظم من هذا ، ومهمة أوضح من تلك الكلمات المسطرة في التاريخ في صفحات النصر والتمكين والعدل والرحمة ؟ . هل هناك رسالة أعلي من تلك وأعز علي الله من تلك الرسالة ؟ ، إنها ببساطة : إسعاد البشرية ، تحريرها ، ضمان بقائها ، العدالة في أسمي صورها ، الرحمة المفتقدة في ظل حكم البشر والقوانين الوضعية ، إنها رسالة ربانية لا يحددها إلا إله ، ولا ينفذها إلا إنسان رباني تلك مقولة " ربعي بن عامر " ، جندي من جنود المسلمين في جيش سعد بن أبي وقاص ، كان سيدا في قومه ، ثم جندي في جيش المسلمين ، ذهب ليفاوض " رستم " قائد جيش الفرس بناءا علي طلب منه لتجنب الدخول في حرب مع جيش المسلمين " ، ووجدها سعد بن أبي وقاص فرصة لعرض الإسلام وما يريده المسلمون من حربهم ، ذهب ربعي بن عامر للقاء رستم داخل خيمته الثمينة وذلك بفرس صغير يحمل رمحه وسيفه وجعبة سهامه ، جلس في قبالته علي الأرض ولم يهتز لتلك الوسائد المرصعة بالذهب والفرش الثمينة التي غرس فيها رمحه المتكئ عليه ، لم يهتز لدنيا ولم تغره بزينتها عند أصحابها ، ذلك الفقير في ثيابه ومظهره أتي ليعرض علي الأغنياء المرفهين ، يعرض عليهم السعادة في دعوة غريبة وموقف غريب ، تلك الأمة البدوية الصحراوية أتي هؤلاء العرب لينقذوا امة الحضارة والبناء من براثن العبودية لسعة الحرية ، ومن ضيق الجور والظلم لسعة الآخرة والعدل ، أي قوم هؤلاء ، وأي دين هذا ، لخص " ربعي بن عامر " مهمة المسلم في الحياة ، ومهمة الأمة المسلمة ، تحرك ربعي بذلك التحدي الإلهي للحضارة التي أوشكت علي الإفلاس ، بل هي أفلست بالفعل ، يحمل في قلبه الآية الكريمة في سورة الصف " هو الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كله " . إن الجيش المسلم لم يأتي لحرب ، وإنما أتي ليسمع الناس الإسلام ، وينهي قضية الظلم والاستعباد للخلق ليوجهه لله الواحد الأحد ، يعرض الإسلام في صورته الحقيقية ، وبعد ذلك من شاء فليسلم ومن شاء فليبقي علي دينه يسالم المسلمين ويسالمونه ، وهنا لست أدافع عن الفتوحات الإسلامية فهي لا تحتاج لدفاع ، وإنما لأستخلص منها مهمة المسلم في هذه الدنيا واحتياج العالم إليه ولدعوته نعم ، إن العالم اليوم في أشد الحاجة ليقظة المسلم ومعرفته بما يحمله من مشروع هداية وسعادة للعالم إن هو فقه . إنه من العجيب أن تري أكثر الدول رفاهية هي أكثر أهلها انتحارا ، إن الإنسان كلما شعر بالجوع لجأ لإشباع احتياجاته الجسدية وإذا وصل لحالة الشبع النهائي شعر بظمأ روحه ثم هو لا يجد ما يشبعها فينهي حياته بيده . إن المجتمع الغربي وصل بحضارته المادية لدرجة من التشبع التي وضعته في حالة خصام مع روحه واحتياجاتها التي لا يجد لها مصدرا ، ومن هنا يبدأ دور المسلم ، ولكن للأسف ، عن مكانة المسلم بالنسبة لغيره لا تؤهله لأن يكون مصدر هذا الإشباع الروحي . لقد قلت في موضع آخر في هذا البحث أن المسلم لن يستطيع أن يزاحم الغربي في مستواه المادي ولا في حضارته وعلمه ، لكنه يحمل بين يديه منهاج رباني يصلح به شأن تلك الحضارة المادية لتستقيم مع روح الإنسان وطبيعته في احتياجه لإله يعبده ، إله يعود إليه في شدته وضعفه ، ووحده المسلم هو الذي يملك تلك العقيدة الربانية والتي لم يطرأ عليها طارئ من تبديل أو تزييف ، لكن أين المسلم اليوم بما يحمله من دين منقذ للبشرية إن كلا الجانبين ( الشرقي الذي يمثل الإسلام والغربي الذي يمثل الحضارة المادية ) يمر بأزمة حضارية كما يصفها " مالك بن نبي " في رسالة المسلم في الثلث الخير من القرن العشرين فيقول فيها " أن الأزمة التي تنتاب الحضارة أو الإنسان المتحضر اليوم تفقده حتي إنسانيته ، فيصبح إما وحشا مفترسا ضاريا ينقض علي كل ما يستطيع تحطيمه ، أو يصبح تائها في المتاهات التي تفتحها عليه المخدرات " ويقول " إن حضارة القرن العشرين أفقدت أو أتلفت قداسة الوجود في النفوس والضمائر ، ولقد أتلفت القداسة لأنها عدتها شيئا تافها لا حاجة لنا به ، ولقد انجرت إلي إتلافها بسبب منشأ ثقافتها التي يطلق عليها اليوم " العلمية " والتي أخضعت كل شئ وكل فكرة إلي مقاييس الكم منذ عهد ديكارت ، لقد نجحت أوروبا لإخضاع كل شئ لمقاييس الكم ولكن نجاحها يفسر بالتالي الأزمة التي تمر بها حضارتها ، التي فقدت كل مسوغاتها لأنها أفقدت الوجود قداسته ، كان الوجود عندنا مقدسا في كل تفاصيله ، في حياة الحشرات كان مقدسا ، في حياة الإنسان كان أكثر قداسة ، حتي الأشياء التي تلقي في الشوارع كانت لها تفاصيل توحي بقداستها ، كان المار في الشارع إذا وقعت عينه علي فتات خبز ، انحني والتقطه ، ثم يقبله ثم يضعه في مكان طاهر ، لأنه كان يشعر بقداسة هذا الفتات من الخبز ، أما الأوروبي فلا يهمه هذا ولا يلتفت إليه لأن هذا الفتات من الخبز ، لا قيمة له في نظره الكمي ، إذ لا ثمن له ، لذا يلقي مع الأشياء الأخرى في سلة المهملات ، وتركت أوروبا في سلة مهملاتها كل قداسة الأشياء ، وكل القيم المقدسة ، وفي آخر المطاف دار عليها صولجان علمها وطغيانها العقلي ، كثعبان التوي علي صدرها فضيق عليها الأنفاس ، أوروبا اليوم لا تتنفس التنفس الطليق ، بل تتنفس تحت ضغط عالم الأشياء المتراكمة ، إذ بقدر ما تراكمت الأشياء ، وبقدر ما تراكمت الإمكانيات الحضارية اضمحلت القاعدة الأخلاقية الروحية المعنوية التي تتحمل في كل مجتمع عبئ الأثقال الاجتماعية والأثقال المادية ، إذ لا بد من قاعدة روحية متينة حتي تتحمل هذه الأعباء هذه الأعباء التي ترزح تحتها أوروبة والحضارة أو الحضارة الغربية اليوم وهي في خضم الأشياء التي تنتجها التكنولوجيا " إن الجانبين يعاني وجود أزمة حضارية ، لكن أزمة المسلم اخف وطأة من أزمة الأوروبي ، فأزمته علي تؤثر علي أقل تقدير علي كرامته وبقائه كإنسان ، لم تدخل به في عالم الآلة أو الحيوانية . ولكي يستطيع المسلم أن يعطي ويصلح ما أفسدته الحضارة الغربية فيجب عليه أولا أن يؤهل نفسه ليكون اليد العليا ، أو كما قال مالك بن نبي أن الماء لا يسري من أسفل إلي أعلي ، العالم يحتاج إلي ماء الإيمان ليرتوي ، فأصبح لزاما وواجبا علي المسلم أن يكون الأعلى كي يستطيع تقديم ما لديه للعالم . ويضع " مالك بن نبي " ، أو يسميها قاعدة لميلاد حضارة جديدة ، أو بعث حضارة قديمة تحمل في طياتها عوامل السعادة للبشرية ، إذ يقول " يجب أن ينتهي التاريخ في نقطة ما كي يتجدد من نقطة جديدة " ويؤكد علي هذا المعني ، إذ يجب أن تفلس البشرية من كل تجاربها الوضعية ، وحتى الأديان السماوية المحرفة ، يجب أن يعرف الإنسان بالتجربة أنها لن تقدم له ما يريد ، ويقول مالك " لعل هذا الذي نراه علي ذلك المحور استدراج لشئ ربما تعبر عنه الآية الكريمة " هو الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كله " الصف ، ربما هو القطب الذي يتجه إليه التاريخ . إن كل العوامل والأحداث تصب في مصلحة الإسلام ، وتتوجه لدفع المسلم ليقوم بمهمته في إنقاذ العالم من الفناء الذي صنعه لنفسه بيده ، شرط أن يتحقق المسلم شروط الاستخلاف وحمل الأمانة ليس مطلوبا من المسلم أن يصنع حضارة مادية ، وإن كان لا غني عنها بحكم أن إعمار الأرض أمر رباني ، لكنه سيظل وسيلة لا غاية ، وستظل الغاية الكبري ، إنقاذ الإنسان من عبودية بعضه البعض ، ومن عبودية ما خلق له ، وتبيين سبيل سعادة الدنيا والآخرة . إن كل الأديان التي عرفها الإنسان فقدت مسوغات صلاحيتها لتقديم ما يحتاجه الإنسان ،ولم يبقي غير الإسلام الذي تحمله امة ذهلت عنه ، وكي يستعيد دوره من جديد يجب علي المسلم أولا أن يقتنع ، يقتنع بدوره في إسعاد البشرية ، ودوره في إنقاذها يقول مالك بن نبي " فاقد الشئ لا يعطيه ، فلا يمكن للمسلم إن لم يقتنع بأن له رسالة ، أن يبلغ الآخرين هذه الرسالة ، أو فحوي هذه الرسالة ، أو مفعول تلك الرسالة ،إذن يجب أن يقتنع هو أولا ، وأنا اعني قناعته في الثلث الأخير من القرن العشرين ، ولا أتكلم عن اقتناعه بدينه ، فكل مسلم مقتنع بدينه منذ أن نزلت الآية الأولي في غار حراء ، ومن يحاول أن يأتي للمسلمين بوسائل لاقتناعهم بدينهم فإنما يضيع وقته ، بل ويضيع وقت المسلمين ، فالمهم في الأمر اليوم أن نلاحظ أن الشكوك التي تسربت إلي عقول الآخرين عن المجتمع الإسلامي إنما تتناول رسالة المسلم لا عقيدته " . إن واقع المسلم اليوم بما يعتريه من ضعف وتخلف وقابلية للاستعمار والتبعية يعطي صورة زائفة عن حقيقة الإسلام وما يجب أن يكون عليه المسلم ، إن صورة المسلم يجب أن يظهرها للعالم بحقيقتها التي أراده الله عليها وكلفه بها ، من صدق ، وحسن خلق ، وعزة وإباء ، وعلم وذكاء متجدد ، ومعرفة بالتاريخ وعبره وعظاته ، وعقيدته الحية التي تستقيم مع الذات الإنسانية حيث وحدة المصدر ، الخلق والتنزيل يجب أن يعلمها العالم كي يقبل أن يسمع منك يقول مالك " أين كرامة المسلم ؟ أين عزة المسلم ؟ أين علم المسلم ؟ أين نزاهة المسلم ؟ أين بطولة المسلم ؟ أين استشهاد المسلم ؟ أين شهادة المسلم ولو علي نفسه " المسلم فرط في كل هذا وضيعه فماذا تبقي له من الإسلام " دور المسلم ورسالته في الثلث الأخير من القرن العشرين
خلاصة القول : وضعه الله عز وجل في سورة من ثلاث آيات ، سورة يقول عنها الإمام الشافعي لو أن الناس تدبروا هذه السورة لكفتهم . وفي قول آخر له أيضاً يقول : لو أن الله سبحانه وتعالى لم ينزل من القرآن إلا هذه السورة لكفت الأمة؛ لأنها تبين منهج الحياة
في بدايتها يقسم الله عز وجل بالعصر ، الذي هو الزمن ، فالعصر هو وقت العصر المقصود حرفيا بالمعني المعروف للناس ، أو العصر بمعني الزمن الذي يعيش فيه المسلمون وغيرهم سواء كانوا في حالة ضعف أو حالة قوة ، المهم أنه الزمن الذي يعمل فيه الإنسان ، فالإنسان ما هو إلا أيام تمضي وأرض يعمل فيها بالخير أو بالشر ، فالزمن هو المساحة الفارغة التي يملأها الإنسان بعمله ولقيمته يقسم به الله عز وجل ، يقسم علي أن كل الناس في خسر ، كل الناس خاسرة ، كل الناس في ضياع ، إلا .... وإلا استثناء ، والاستثناء يكون للقليل ، وفي هذا يقول سبحانه " وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين " ، فكل الناس في خسران يعيشون فيه ويحيط بهم ، بل هم فيه غرقي ، فحرف الجر " في " يدل علي أنهم بداخل الخسران ، كل الناس في هذا الخسران غرقي به إلا تلك الفئة القليلة المستثناة ، " الذين آمنوا " ثم ماذا ؟ آمنوا واستراح كل منهم في بيته ؟ ، آمن وفعل ما يحلو له ؟ ، آمن ووضع إيمانه في جانب وحياته الدنيا في جانب آخر ؟ ، آمن واهتم بذاته ونسي ما حوله ومن حوله ؟ ، لا ، إن صفات الناجين لم تكتمل بالإيمان وحده .
" إلا الذين آمنوا ، وعملوا الصالحات " ، جميل جدا ، الإيمان والعمل الصالح ، المهمة حتي الآن بسيطة ومتاحة ولا تعجز الناس ، الإيمان والعمل الصالح ، يعلن التوحيد ، ثم هو يتحرك بين الناس بالصدق والقول الحسن وعمل الخير في أهله وغير أهله
إنسان يشهد له الناس بحسن الخلق ، ثم هو عبد لله ، مسجدي ، صوام قوام ، ثم هو يحسن علاقته بكل من حوله ، يساعد الفقير والمحتاج ، لا يرد سائل ، يخلص في عمل ينفع الناس ، لا يمد يده ولا عينه علي ما لا يخصه
تلك كلها صفات جيدة لمسلم مؤمن لا يختلف عليها أحد ، " آمنوا وعملوا الصالحات " ، لكن هل يضمن بذلك بلوغ رضا ربه ، وانتهت مهمته في الحياة الدنيا عند هذا الحد ؟
تستكمل السورة الكريمة صفات تلك الفرقة المستثناة القليلة العدد من بين كل الخلق الخاسرين بشهادة مولاهم " وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر " .
وتلك هي صفات الأمة التي اختارها الله لمهمة إسعاد البشرية ، إن تنازلت عن صفة أو شرط فقد خرجت من نطاق الفوز ودخلت لدائرة الخسران إن لم يتغمدها الله برحمته وتعيد صياغة نفسها بما يتناسب وتلك المهمة الجليلة .
الإيمان وحده لم يضع من الأمة ، والعمل الصالح لم تخلو منه فترة زمنية مرت بها ، والفرق الوحيد والشرط المتمم لشروط الفوز ، هو التواصي بالحق ، والتواصي بالصبر ، هو الحركة بين الناس بالدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتبليغ دعوة الله للناس ، كل الناس ، وتلك الصفة هي سبب جلب المتاعب علي الدعاة الحقيقيين ، وهي الفيصل بينهم وبين غيرهم ، فالمؤمن في نفسه لا يغضب الطغاة ، والمؤمن العامل بالصالحات لا يغضب الطغاة ، إن ما يغضبهم هو ذلك " التواصي بالحق " . وكتاب الله عز وجل ليس فيها كلمة زائدة ، فالتواصي بالصبر بعد التواصي بالحق ، تمهد للمؤمن ما قد ينتظره من عنت وتعب واضطهاد وتنكيل من الآخر بسبب ذلك " التواصي " فلزم بعد التواصي بالحق ، أن يتواصي المؤمنون بالصبر علي تبعة ما يقدموه للناس ، فتلك الدعوة ليست سهلة ، وهذا الطريق ليس مفروشا لأصحابه بالورود ، ولا ينتظر المؤمن في نهايته تكريما من بشر ، ولو فعل لدخل في عداد المنافقين الذين هم في الدرك الأسفل من النار ، لذلك فالعمل بالحق والعمل بالصبر متلازمان ، لأنه أهل الحق يحتاجون إلي الصبر عليه من محورين ، أولا : الصبر علي العمل به ، ثانيا : الصبر علي تحمل مشقات طريقه وردود أفعال الناس
وهنا تأكيد لخيرية الأمة وسبب خيريتها " كنتم خير أمة أخرجت للناس ، تأمرون بالمعروف وتنهون علي المنكر " ، فالخيرية للأمة ، والفوز للإنسان سببه الإيمان والعمل الصالح والدعوة لذلك الإيمان وتبليغ الرسالة للناس
إنها باختصار رسالة الأمة ومهمتها ومنهجها ، أنها القوة والعزة والكرامة والتمكين وهيمنة الدين الرباني علي " الدين كله " .
وسوم: العدد 654