الحقيقة التي يجب أن تعرف أولا قبل الذهاب إلى جنيف"3"

أ.د. عبد العزيز الحاج المصطفى

عندما ذهب وفد المفاوضات من الرياض إلى جنيف "3"، لم يكن أحد من السوريين يصدق أن تقدما ما سيحدث في تلك المفاوضات.

 وعندما عاد وفد المفاوضات من جنيف3 إلى الرياض، لم يكن أحد ما من السوريين يستغرب ذلك.

 و عندما بدأت التصريحات تصدر عن هذه الجهة أو تلك بعد تعليق المفاوضات بقرار الوسيط الأممي، لم يكن أحد من السوريين يشغل نفسه بمتابعة تلك التصريحات.

 و سبب عزوف السوريين عن متابعة قضيتهم في أروقة المحافل الدولية، يعود لقناعة ضمنية في داخل كل منهم، أن لا نتيجة من ذلك. فثمت طبخة قديمة حديثة تعد للسوريين على نار هادئة، و طباخها الموهوب هو الداعي إليها من قبل. و ( حاميها حراميها) كما يقولون.

 و كلنا يعلم كيف أن السفير الأمريكي في دمشق و هو الحرامي الأكبر كان و قاد الثورة في أيامها الأولى، و كيف خدع الجماهير السورية بزعمه الاصطفاف معها، وبدعمه إياها، و كيف صدقت تلك الجماهير ما قاله، و كيف نثرت عليه الورود و الرياحين. بل و حملته على أكتافها، يوم ذهب إلى حماة، و قد كان يدعي نصرة الثورة السورية و هو ليس أقل من تنين أسود يريد ركوب موجتها، و الالتفاف عليها، و إيصالها إلى طريق اللاعودة مع نظامها التي خرجت عليه. و ذلك ليتثنى له تنفيذ مخططه الذي يعمل من أجله. و هذا هو الذي حدث فعلا.

 و كانت الطبخة التي أعدها تهدف إلى تدمير البنية التحتية في سورية، و تخريب كل مافيها، و تدمير بنائها ، و إغراقها بالإرهاب و الإرهاب المضاد، و تحويلها إلى بلد تصعب الحياة فيه. و فتح المنافذ الخارجية أمام شعبها،ليشرد في الأرض، و ليبغي وطنا بديلا. فكان له ما أراد و بدقة و كأنه كان يحلّ مسألة رياضية معروفة النتائج و المقدمات.

 و قد ساعده على إنضاج طبخته سذاجة العاملين في الحقل السياسي السوري، الذين كان عليهم أولا أن يسلطوا الأضواء على سياساته، و أن يحولوا دونه و دون تحقيقها بالوسائل المتاحة و ما أكثرها في أيامها الأولى.

 و قد كان الذي يجب أن يتوافر بداهة عند أولئك، أن يعرفوا أنفسهم أولا، و أن يعرفوا الناس ثانيا، و ألا يتقدموا إلى الأمام و هم مغمضي العيون، و ألا يصموا آذانهم حتى عن الكلمة المخلصة من شركاء لهم في الوطنية و المسؤولية.

 لكن كما يقال:( فاقد الشيء لايعطيه) وقد يكون من الخطير و الخطير جدا، أن يتتلمذ الإنسان على ثقافة عدوه، و أن يعلق بمفرداتها، وأن يعد نفسه حارسا أمنيا لها، وتلك هي ثالثة الأثافي. فمن وجهة نظر منطقية، الشرق شرق و الغرب غرب و بينهما أوار حرب مستعرة، منذ ماقبل الاستعمار و إلى اليوم و هي حرب صليبية طويلة المدى حسب تصريح بوش الابن بعد ضرب أبراج التجارة العالمية في نيويورك.

 و هي جزء من مخطط عام أعدته دوائر مختصة في أكثر من دولة عدوّة، ورعاه و عمل على تنفيذه لوبي صهيوني، هو أخطر مافي الحياة على العرب و المسلمين.

 و الجزء المختص منه بسورية هو الذي أوصلها إلى ما وصلت إليه اليوم، أما أجزاؤه الأخرى فتشمل دول المنطقة كلها، و منها: باكستان و تركية و مصر و السعودية و العراق، وإيران، و إن كانت إيران لخصوصيتها المذهبية تأتي متأخرة، وقد اختيرت لتفجير العالم الإسلامي من الداخل، وهذا هو الذي حصل أو يحصل الآن.

 إذا مسألة جنيف"1" و جنيف"2" و جنيف"3" ، وكل ماسيتبع ذلك من مؤتمرات في جنيف و غيرها ليست سوى من باب( ذر الرماد في العيون) ولشغل السوريين أو سواهم ممن هم داخلون في خانة مخططاتهم، بمسائل لاتقدم و لاتؤخر في حل المسألة الأم.

 ورؤيتنا هذه_ و هي نابعة من رؤية تاريخية_ تضع الحصان أمام العربة، و ليس العكس كما كان حاصلا.

 فعلى الذين ينتمون لهذه الأمة، و يختزنون في داخلهم ثقافتها و فكرها، عليهم أن ينقوا صفوفهم أولا من المثقفين المغتربين الذين لايجيدون القراءة بدون نظارة أجنبية و عليهم أن يبعدوا عن صفوفهم ثانيا ركاب الموجات، و المتسلقين و الطالبين للزعامة و الراكضين وراء مصالحهم الشخصية، و العاملين لحسابات أجنبية صرف. كما عليهم ثالثا أن يفتحوا الباب أمام من يشاطرونهم الرأي و الموقف من إخوانهم، ليكونوا معهم و ليعضدوا مسيرتهم، و ليحملوا معهم بعضا من مهامهم التي لاقدرة لهم على حملها، و التي تتطلب العصبة أولي القوة من الرجال المخلصين.

 إن أمام السوريين اليوم الفرصة السانحة لمراجعة حساباتهم ولإعادة ترتيب أوراقهم. و هذا يعني:

1-     أن يكون لهم موقف مع أنفسهم، و أن يراجعوا دفاترهم القديمة و الحديثة، وأن يفيدوا من التجربة و قد مرّت، و ألا يقبعوا في خانة اليأس أو أن يستسلموا له.

2-     أن يكون لهم موقف مع أصدقائهم ، ممن يتباكون عليهم أو يبكون من أجلهم، و أن يحسنوا غربلتهم، و أن يميزوا بين صحهم وباطلهم، فالمؤمن لايلدغ من جحر مرتين، و ما أكثر الجحور التي لدغ منها السوريون منذ 2011 و حتى اليوم.

3-     أن يعرفوا عدوّهم، و أن يحددوا أبعاد معركتهم معه و ألا يقصروا نظرهم على المرئي و المسموع حسب، وأن يعدوا العدة اللازمة لمعاركهم القادمة معه. وأن يعلموا حقيقة و كما قال جورج الابن: إنها حرب طويلة المدى. و معنى ذلك أنها ستكون سجالا و سينجم عنها أرباح و خسائر، و أن النتيجة و المآل بيد الله سبحانه.

4-      و الأخطر و الأهم، أن يعتمدوا على قواهم الذاتية و أن يعرفوا كيف ينمون تلك القدرات، وكيف يستثمرونها و كيف يواجهون المستجدات، و كيف يتعاملون معها بعيدا عن روح الإحباط التي تساور المرء بين الحين و الآخر.

 ومن هنا، ومن على هذه الطاولة المتواضعة، و من هذه الحجرة التي قد لا تتسع لغير صاحبها نرسل الصيحة بملء الفم. نقول:

إن الجريمة كبيرة و مستمرة، و إن أعداء سورية و هم كثيرون لايبالون أن يموت السوريون أو أن تخّرب أو طانهم، و إن المعركة اليوم تتطلب منا نحن السوريين أن نرتقي إلى مستوى المسؤولية، و أن نعضد المجاهدين و نشد أزرهم و أن نكون معهم. و الحذر الحذر من أن يساورنا اليأس أو أن يجد إلى نفوسنا سبيلا ، فالحادث جلل و المسألة أكبر. و قد دخلت في خانة (نكون أولا نكون)، و لا نجاة ولامنجاة من ذلك: إلا بالصدق و الصبر، وبالمواقف المشرفة التي سيقفها الأبناء من هذه الأمة و بالجهود الجليلة و العظيمة، التي ستبذل من أجل نصرتهم و الوقوف إلى جانبهم و هي نصرة باتت اليوم من باب فرض العين الذي يجب على كل مواطن رجلا كان أو امرأة، ضعيفاغ أو قويا، فالكل له دوره في هذه المعركة المقدسة، و الكل عليه واجبه الذي يناط به و سيعلم الذين خذلوا إخوانهم أو تخلوا عنهم و لم يستجيبوا لدعوة الداعي إذا ما دعاهم أية نتيجة سيحصدون بعد خذلانهم و تخليهم عن واجبهم المقدس. في بلدهم الحبيب، وقد تداعى إليه أعداؤه من جهاته الأربع." و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب سينقلبون"

أ.د. عبد العزيز الحاج المصطفى

مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية

وسوم: العدد 654