العراق بين ولاءين
خاص بمؤسسة أبعاد البحثية
لا يمكن استبعاد التأثيرات الفارسية على الواقع العراقي منذ قيام الدولة الصفوية والى يومنا هذا لان جلّ المشاكل التي كانت تحدث في العراق كان سببها الاجندة الصفوية، وكانت ذات طابع طائفي ديني، حتى ان المؤرخين الاوربيين يرون ان تاريخ العراق قد اندثر على يد الغزو المغولي ومن تبعه، حتى جاء الصراع الصفوي- العثماني الذي جعله يرتفع عاليا مرة اخرى، لكن هذه المرة على حساب الاستقرار الديني، ويعزو المؤرخ المحامي عباس العزاوي ان سبب عدم استقرار بغداد هو لمجاورتها لبلاد فارس[1]، وان فترات الهدوء التي تمتع بها العراق كانت ابان الاحتلال الافغاني للدولة الصفوية وايقاف التدخلات الفارسية في بداية القرن الثامن عشر الميلادي[2]، في الوقت الذي يرى د. علي الوردي ان فترات حكم الفرس للعراق تتسم بالقتل والمجازر والذبح[3]، وان مجازر الغزوات الصفوية على العراق بصورة عامة وعلى العرب السنة على وجه الخصوص تركت اثرا بالغا لدى الكثير من المؤرخين الذين عاصروا او سمعوا ما حدث، ولا يكاد يخلو كتاب من كتب التاريخ العراقي الحديث الا وابدى دهشته من وحشية المجازر التي لا يمكن تغاضيها جريا على العادة اليوم في التغاضي عن مجازر ميلشيات الحشد الفارسي، ابتداء من مجازر الشاه اسماعيل الصفوي الذي شبهه الشيخ صبغة الله الحيدري بمجازر هولاكو من قتل للناس ونبش لقبور الاولياء وحرق لعظامهم[4], ثم مجازر عباس الصفوي الذي كان ينوي فيها القضاء على كل اهل السنة في بغداد وتحويلها الى مدينة فارسية شيعية كما كان يعلن وليست عربية شيعية[5]، ثم اتبعها بمجزرة اخرى جرت على عرب الحلة[6]، ثم توجه صوب الموصل وبمساعدة آل الاعرجي وهم من سادة الشيعة وتمكن من دخول المدينة واحتلالها واقام فيها المجازر ونصب عليها واليا يدعى ( قاسم خان) الذي سارع آل الاعرجي الى التقرب منه وتزويجه بإحدى بنات اعيانهم، الامر الذي دفع بآل العمري وهم علماء اهل السنة في الموصل الى تولي زمام المبادرة وقيادة المجتمع السني الذي تمكن من تحرير مدينته ولم يدم فيها الاحتلال الصفوي اكثر من ثلاث سنوات[7]، وضحت فيها نوايا آل الاعرجي الذين افل ذكرهم في تلك المحافظة الى اليوم، ثم جاء اسلوب نادر شاه في احتلال العراق والذي ميزه عن غيره هو استباحته وغدره باهل كركوك[8]، وهدم اضرحة اهل السنة وقتل سكان قرى الزبير في البصرة فقط لانهم عرب سنة[9]، وعمد الى تهجير العشائر العربية السنية قسرا من سهول نينوى وبغداد وكركوك وغيرها واستبدلهم بالقزلباشية والفرس البهائية وتجار وعمال وغيرهم[10]، عرفوا فيما بعد بالقاب شتى منها الكاكائية والشبك والكرد الفيليين وغيرهم، ثم تبعتها مجازر حكان فارس من الاسرة الزندية في البصرة[11] وغيرها كثير حتى كان يهرع سكان بغداد من العرب السنة الى الهروب نحو الفلوجة والحلة على اثر سماعهم فقط بوصول الجيوش الفارسية الى بغداد[12]، وغالبا ما كانت تحدث مثل هكذا مجازر بمباركة رجال ومجتهدي النجف وقم[13]، وان المحور الاساس الذي كان يرتكز عليه الجهد الفارسي، انه كلما ارادت بلاد فارس احتلال العراق ايام الصفويين كان اعتمادها ينصب على السادة الشيعة لتسويغ الامر لهم بحجة الدفاع عن المراقد المقدسة ووصف الاحتلال بانه عشق الفرس وحبهم للعراق لا كرههم للعرب[14]. والذي نتج عنه هذه الدعايات الدينية تسليم بني كعب المحمرة للاحتلال الفارسي[15]، ودور العناصر الشيعية في تسليم البصرة لكريم خان الزند من بداية القرن التاسع عشر[16]، وفي الوقت الذي تمكنت فيه قبائل المنتفك بقيادة آل السعدون من طرد الفرس من البصرة ايام الاحتلال الزندي الفارسي كانت قبائل واسط الشيعية تمهد الطريق للفرس لاحتلال بغداد[17]، وتقديم المساعدة لهم من مؤونة وسلاح ورجال مستغلين اجتياح مرض الطاعون لمدينة بغداد[18].
هذا غيض من فيض، فلا يأتي متزلف اليوم ليبرر مجازر الحشد الطائفي على ابناء الفلوجة والكرمة وقبلها صلاح الدين وديالى وحزام بغداد ليضعها في خانة مقاتلة الارهاب، والكل يعلم انه لا ارهاب الا ارهاب الحكومة الفارسية القائمة في بغداد، وما الحرب على الارهاب اليوم الا هي ذاتها التي أعلنها اهل الكوفة ضد الامام الحسين واتهامه بمطالبته بالسلطة، في الوقت الذي كانوا هم اهل الكوفة أنفسهم من جاء بالإمام الحسين الى ارض كرب وبلاء.
[1] بين احتلالين وج5ص162
[2] العزاوي، بين احتلالين، ج6ص33
[3] الوردي وطبيعة المجتمع العراقي، ص130
[4] الحيدري، عنوان المجد، ص110-111؛ لونكريك، اربعة قرون، ص32
[5] لونكريك، اربعة قرون، ص77-79؛ الوردي، لمحات، ج1ص43
[6] العزاوي، بين احتلالين، ج4ص180, 202
[7] سيار الجميل، زعماء وافندية، ص47, 106
[8] الكركوكلي ودوحة الوزراء، ص50
[9] ياسين، العنف الدموي، ص205
[10] لونكريك، اربعة قرون، ص194
[11] الكركوكلي، دوحة الوزراء، ص155
[12] لونكريك، اربعة قرون، ص295
[13] لونكريك واربعة قرون، ص189
[14] سليم مطر، الذات الجريحة، ص200
[15] العزاوي، بين احتلالين، ج7ص79
[16] الوردي، لمحات، ج1ص161-162
[17] الكركوكلي، دوحة الوزراء، ص63, 167
[18] الكركوكلي، دوحة الوزراء، ص299
وسوم: العدد 670