رفقا ًبي..إلى متى يا أبي ؟
يحثني قلمي لأكتب عن تلك المرأة المحرومة من دخول معترك حياة خاصة بها.. تعيش على هامش الحياة بانتظار حلم قد يكون وقد لا يكون..محرومة من الحب.. من تكوين عائلة.. تحلم بأولاد وبنات..تفرح بهم حين يكبرون أمام ناظريها...
نتحدث عن إمراة وصلت منتصف الأربعينات محرومة من حقها في الزواج، فيما الأب يرفض من يتقدم لها........
وجهها أصبح يفتقد لونه.. جسمها أخذ يضعف ويذوي، والأب لا يكثرت! لا يهمه إن كبرت وشاخت دون زواج! المهم عنده أن تبقى في دائرته..في محيطه..تحت أمره وطاعته...ولا وجود لمبدأ الرأي والحكمة وتواضع الأب.. لابنته.
ونقول له.... " إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً " ، ونقول له أيضا ً " عنوان الإسلام الكبير هو الرحمة " تذكر رسالة الأنبياء " عيسى ومحمد " المتمثلتان في الحب والرحمة.
ما يفعله هذا الأب هو" منطق اللونين ".........
الأول: محل العلم والمعرفة والفكر والثقافة والثاني: منطق جبابرة العقول.
المضحك من أمر جبابرة العقول، هو خطابهم الديني العقلاني الرشيد مع الناس وحثهم على تبني التسامح – الرُشد - الشورى واللين في حياتهم بينما هم يقعون ضحية لما ينهون عنه من استعباد واستلاب لحقوق أقرب الناس اليهم وهم بناتهن...نستغرب كيف يختلق هذا الأب الحجج لمنع زواج ابنته خاصة حين يتقدم اليها خاطب من بلد آخر ناسياً قول الله تعالى" وجعلناكم شعوبا ً وقبائل لتعارفوا إن أقربكم عند الله أتقاكم " في الوقت الذي نراه فيه كاتبا ً شاعرا ً داعيا ً ومفكرا ً لا ينقصه رهافة الحس الإنساني.
هذه المرأة " موضوع مقالنا " لا ينقصها شيء من خلق وجمال.. من علم وثقافة وفكر..من دراية في إدارة المنزل وشؤون الحياة..ما ينقصها هو شيء واحد لا تستطيع أن تفعله ، هو أن تقول لأبوها لا..حتى لا تغضبه طبعا ً ! ونسيت هي أيضا أن ترفع صوتها بأدب وتقول له..لقد كبرتُ يا أبي..أنا في منتصف الأربعينات.هل تعلم بذلك ؟ يحق لي أن اختار، أن اقرر.
لا أدري ربما تكون شخصيتها ضعيفة أو مضطربة من ضجيج أفكار وطول انتظار أو من تكريس الأب لكلمة لا أو حياء وخجل...ربما !
لكني أتعجب من جبابرة الآباء والإخوة أحيانا ً من قهر وتصرف وتعسف في استعمال الحق...لا أستغرب من تصرفات هؤلاء الآباء من سد الأبواب أمام بناتهن.. مصادرة إنسانيتهن والهيمنة على وجودهن ككائن حي يريد أن يقول أنا هنا أنا موجودة.. هي تئن تحت وطأة الأيام والسنون والوحدة والعمر الذي يزحف ليغير جمال شكلها ويضعف جسمها يوما ًبعد يوم.. لكنها مع ذلك صابرة محتسبة..حتى ولو كان على حساب نفسها..هذا منتهى الجمال الأخلاقي....لكنها فاتورة غالية والله.
يؤسفني..أن أقول إن جبابرة الآباء المثقفين..مصيبتهم أكبر من غيرهم، مصيبتهم هي إغفال واجباتهم ومسؤولياتهم تجاه ما تشعر به بناتهن..وهذا ما جعلني أكتب عن هذه المأساة التي ما زالت واقعاً يؤرق حياتنا و يؤرقني أنا ككاتب.. هذا جانب !!
والجانب الثاني..لا ينبغي أن ننسى في نفس المسار ونفس المنهج ما ينطبق على الأخوات المبدعات في اللغة والحرف- في الشعر والرسم- في مجال الفكروالمبادرة وغيرها.. ممن تراهن يخفين وجوههن وأسمائهن خوفاً من العادات والتقاليد..خوفاً من المجتمع- من الأزواج أو الآباء أو الأخوة....الخ. مع إننا في حاجة ماسة لظهور هذه الابداعات للمجتمع وللناس واعلان المواهب والإنجازات الثقافية والفنية والفكرية واللغوية.
هنا..أقف متاملا ً شاردا ً تائها ً فيما قد تؤؤل إليه مثل هذه الأمورفي حياتنا الاجتماعية "الإنسانية والفكرية"، أقصد مقادير الإلهام فيها، وتأمل آثارها.
- وإذا كان من نقد في هذه المسائل.. فهو في تشريح الأفكار وفن درس العاطفة وصناعة إظهار الحق والواجب.
- وإذا كان من نقد..فهو إظهار ما يتعلق بالضعفاء وإعطاء الكلام لسانا ً يتكلم به عن آلام النفس البشرية في خبايا الروح الحزينة.
- وإذا كان من نقد..فهو لإقامة الحجة وإزاحة الشبهة من المفاهيم، وإقرار الحقيقة الطبيعية لحاجة الإنسان في إظهار نفسه للمجتمع.
إقرار حقيقة تبسيط الأمور والمعنى أو يمكن أن اسميه " بالإحسان " أو " محراب الحياة " على غرار محراب المسجد.
أيها الأب..من فضلك.. رفقاً بقلب ابنتك..بكيانها وأنوثتها ووجودها..فهي إنسانة لها عطاءها وحراكها..وتفاعلها مصدر الهام.
أيها الأب والأخ والمجتمع.....
نحتاج إلى أن نحيا في سبيل الله.. بتغيير أفكارنا نحو اصلاح المفاهيم والعادات والتقاليد في المجتمع حتى لا نطمس كيان المرأة.. نريد أن نحيا في سبيل الله بجوهر الانتاج والانفتاح المشروع الذي يجعلنا نبنــي....لا أن نحطم.. نحتاج لتغيير السلوكيات المعززة لمسألة التحفظ الغير مبرر والخوف وعدم الثقة من الآخر.
لعل المنطق الذي اريد أن اشير إليه أو الصلة..هو أن مسألة الحياة بكل جوارحها قد تعالج بمنطلقات أوسع وأرحب..علينا تبني مبدأ الرحمة والتكافل وتشجيع أبناءنا وبناتنا على تحقيق أفكارهم واحترام آرائهم واختياراتهم. ونشجع على المرونة وقبول الاختلافات بين الثقافات والمجتمعات والانفتاح عليها ففي تنوعها غنى وقوة وابداع تضفي الكثير من الصفات الرائعة على كل الأطراف.
وفي النهاية .. أحببت أن اضع هذه القضية أمامكم، واعلم أهميتها ووجودها في حياتنا..وأن تشاركوني آلم وصيحة ومناجاة تلك المرأة التي تقول.... رفقا ً بقلبي يا أبي.. بكياني بعقلي...إلى متى يا أبي.
ولقد تحاصرني الهموم..وقد يجافيني السرور
ولقد تضيق بي الحياة ..كأنها ثقب صغير
فأضل إن ضاقت أردد..إن لي ربا ً كبير
وأسير أضحـك للحيـاة كأننـي فيها أمير
وسوم: العدد 673