من خصال الكائن "السيساوى"
بدون شماتة أو استهزاء، لو أردنا أن نعدد خصال "الكائن السيساوي" لانبهرنا وربما انبهر العالم معنا ، بقدرته الكبيرة على ابتكار تفسيرات غير معتادة للمواقف ، وتسميات غير تقليدية للأشياء، فضلا عن أن اجماع رهط من الناس "السيساوية" على ذلك النهج ، يجعلنا في حيرة من أمرنا ، هل العيب فينا، أم في المنطق، أم في كلينا معا؟
والحقيقة أن "الكائن السيساوي" يمتاز بمواصفات خاصة في شخصيته، لو أردنا أن نحصيها في كلمات معدودات لقلنا أنها هى ذاتها صفات المواطن "الفاسد" أو "المخطوف ذهنيا" وهى الصفة التى سبق أن اطلقوها من باب "الردح" على معارضيهم ، أو "المغيب" سواء ذلك المغيب قسريا عن ادراك مشاهدة الحقيقة ، أو المغيب طوعيا لعيب في شخصيته، أو ذلك "الغيبوي" الذى يرفض المنطق والقدرة ولا يؤمن إلا بالاتكالية، والمعجزات "السرية" التى يصنعها من يتفضل بالجلوس على كرسي الحكم في مصر.
ويعانى الكائن السيساوى في جملة ما يعانيه ، فسادا مزمنا في التقدير وخللا في ترتيب أولويات القيم ، فهو لا يستوعب من القيم إلا أشباه قيمة الاستقرار ، ولأنه نجح في أن يستوعبها نجده يدافع عنها بشراسة ويعلى من قيمتها بشكل مبالغ فيه حتى إلتهمت كل القيم الاخري بما فيها أهم تلك القيم ، قيمة الحياة ذاتها.
هو يقف دائما مع الاستقرار حتى لو كان استقرارا سلبيا بسجن الرافضين أو نفيهم أو قتلهم، ويقف على حافة الطرف الأخر المستوعب لقيم العدل والحرية والاستقلال والاحسان.
الكائن المغيب
وكما أن توعية الناس تكلف الكثير من الأموال والجهد والوقت ، فإن تجهيلهم وتسطيحهم كلفته أكثر من ذلك ، وبذات المعنى فإن صناعة الإنسان المثقف - ولا أقول المتعلم - تكلف أقل بكثير من صناعة الإنسان الجاهل- ولا أقول الأمى- ومع ذلك يزداد الطلب على صناعة الغيبوبة رغم كلفتها.
وأعتقد أنه كما يكون تعليم الناس وتثقيفهم في الأمم الغربية ضرورة من ضرورات الأمن القومى، يصبح تجهيلهم وتسطيح وعيهم ضرورة من ضرورات الأمن القومى للنظم الفاشية العربية وأولها بالقطع مصر.
بل أن ما ينفق سنويا على ميزانيات التعليم في مصر- على ما به من حشو وتغريب وضرب في صميم التراث الثقافي الوطنى - يصل بالكاد الى عشرة مليارات جنيه - نحو مليار دولار- في حين أن ميزانية الإعلام الحكومى تزيد عن العشرين مليار جنيه ، وتلتهم ميزانيات وزارات الأمن "الداخلية والدفاع" نصف اجمالى الميزانية تقريبا.
والكائن "المغيب" هو كائن لا يعرف من العلم حتى القشور، ومن الوطنية إلا "أمين الشرطة" و"العَلَم" وما تنشره "صحف الصباح" ونشرات "التلفزيون الرسمى"، ومن الممكن أن ترتكب عبر حشده وباسمه أبشع الجرائم كما حدث في "التفويض".
الكائن الفاسد
الأن لم يعد مثيرا للاستنكار لدى كثير من المصريين بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على نظام 3 يوليو القول بأن كثيرين ممن يؤيدون الانقلاب في مصر استفادوا بشكل أو بأخر من الفساد وثقافته وممارساته ،وترسخت قناعة بذلك لدى حتى بسطاء الناس ، بأن مؤيديه إما فاسدون سابقون يخشون ضياع مكاسبهم القديمة ، أو فاسدون حاليون- في الغالب من قليلى الوعى والخبرة - أعجبهم أن يوصموا بأنهم لهم ثقل سياسي تم استدعائه على عجل من حالة الضألة والتيه التى كانت تتلقفهم ، فراحوا يسعون إلى التكسب، من ثم التبرير لهذا النظام مهما كانت خطاياه.
وهناك فاسدون مستقبليون تم "تعشيمهم" إما بشكل شخصي من خلال العطايا والوظائف أو بشكل عام من خلال دعايات المستقبل الزاهر والحياة الرغدة التى أغرق نظام السيسي فيها هذا البلد منذ أن جاء دون أى دليل موضوعى ملموس على ذلك.
والمشكلة أن ثقافة الفساد عند هؤلاء الناس ، ليست كما هى في المجتمعات السليمة ، ثقافة منبوذة قانونا، ومرفوضة اجتماعيا ، تجلب لصاحبها العار بين أقرانه ، بل هى في مجتمعنا المريض نوع من أنواع "الفهلوة" أو الذكاء الاجتماعى ، والصلاح والفلاح في الحياة ، فهى تختصر أصعب الطرق وتوفر الكثير من الوقت.
وهذا النوع من الناس يدافع عن الفساد كما يدافع عن ذاته نفسها ، ويبرع في اختلاق الذرائع لمسايرته والاستفادة منه، ويحاول جاهدا اقناع نفسه بتلك الذرائع المختلقة التى نجح في أقناع الناس بها ، دون جدوى.
المهم ان هذا النوع مشغول بالفساد المالى والأخلاقي فقط ، لكنه لا يحبذ اقتران فساده بالدم ولا يشجع على ذلك، ومع ذلك لا يتخذ موقفا قويا حيال رفضه له.
لكن أخطر أنواع هؤلاء الفسدة هؤلاء الذين يبررون قمع حرية الآخر وإقصائه والتنكيل به بل وذبحه وإبادته ، ويعتبرون ذلك عملا من أعمال الوطنية والدفاع عن الدولة التى يحصرونها هى الأخري في ذواتهم وعائلاتهم ، ويؤمنون تماما بأن كل شئ مباح طالما يدافع عن تميزهم ومكاسبهم الخاصة ، ويهربون من ضمائرهم بتبرير الرواية الرسمية لكل عمليات القتل والإبادة التى تنفذ سلطتهم ضد الطرف الأخر حتى يصدقونها من كثرة تكرارهم لها.
الكائن التافه
كثير من الناس ممن حرموا من التوعية السليمة ، يبنون مواقفهم طبقا لمبدأ المكايدة أو من أجل اثبات امتلاكهم لرأى مستقل أو وعى هم في الحقيقة يفتقدونه ، فما أن يدخلوا في نقاش حتى يبنون مواقفهم ليس على أساس القضية التى يدور بشأنها النقاش ولكن على أساس رأيهم في شخصية صاحب الرأى الأخر ، والأغرب أن رأيهم ذلك بنى أيضا على أسباب غير موضوعية ، قد يكون لأنه يتحدث بحدة ما مثلا ، أو بلغة راقية اعتبروه يستعلى بها عليهم ، أو أن مطالبته لهم بالاطلاع على مصادر معرفة مستقلة اعتبروها أيضا اتهام لهم بالجهل ، أو لعداء أسري بين العائلتين ، أو حتى خلاف على ميراث أو زواج أو طلاق ، أو بناء على صورة ذهنية قديمة.
ومن نماذج التفاهة أيضا أن يسعى أحدهم لمحاولة بناء رأى يحدد به شخصيته ، فلما يعجز عن تكوينه نظرا لقلة خبرته فيقوم بتبنى منطقيات جاهزة يروج لها اعلام السيسي ويصم كل من يتبناها بأنه مواطن "واع"، ويدافع عنها باستماتة بالغة لأنه في الوقع يدافع عن شخصيته.
وسوم: العدد 674