الفانوس والفرنساوية
تطرأ في رمضان سلوكيات وعادات وأحوال، تختلف باختلاف البلد والطبقة والعصر ومستوى الحضارة.. ففي زمن الفوانيس الإلكترونية القادمة من الصين، والتي تغني بدل الطفل: رمضان جانا وفرحنا به، أو وحوي يا وحوي، أو: هلا رموضن هلا، سيختلف الحال ولا شك عما كان يدور في الحارة الشعبية التي تكاد ينعدم فيها الإنارة، ويخاف فيها الأولاد المحتفلون، من العفاريت والمردة وأبو رجل مسلوخة!
وفي عصر سيارات الشرطة السريعة، والليل الذي لا ينام فيه الناس، والخيام الرمضانية التي تدلل الأغنياء والفايقين، و(تروِّقهم) وتسلي صيامهم (يا قلب أمهم) بالشيشة والغناء والرقص والنسوان المائعات، لا بد أن يختلف الحال عن أيام الخفير أبو بالطو، والمسحراتي أبو طبلة، والموشحاتي التي يوشح بالليل على المئذنة بصوته المجرد، والصدق الشعبي الذي يحب رمضان ويطمع حلاله في نزول غيوث الله المغيث ورحماته وآلائه..
في زمان الجدة والغنى والوفرة والأصناف التي تأتي من أنحاء العالم ليفطر عليها الصائمون لا بد أن يختلف الحال عن أزمنة القحط والفقر وقلة ذات اليد.. حتى في العيد الذي تنكسر فيه قلوب من الفقر، وتشعشع قلوب من البطر والكبر..
وبمناسبة الفانوس الصيني الإلكتروني فقد كان للفانوس أهمية خاصة، واستعمالات عديدة، فكان الكبار في الأرياف يحملونه، حيث لم تكن الكهرباء معروفة أو منتشرة - لكي ينير دروبهم أثناء السير، ومن لطيف استخداماته أن أهل مصر استعملوه – أيام الحملة الفرنسية على مصر - استعمالين مختلفين:
مرة حين أمر نابليون المصريين أن ينيروا الشوارع، حتى لا يباغتوا الجنود المحتلين في الظلام، فأصدر المشايخ فتوى بتحريم إيقاد الشوارع (واستغل المنافقون المعاصرون هذه الفتوى فيما بعد للطعن في المشايخ، وسموهم الظلاميين) فلما ضغط نابليون على الناس وأجبرهم على وضع الفوانيس مضاءة، استخدموها للتنبيه على حركة الجنود الفرنساوية المحتلين في الشوارع، حتى يستعد لهم (الفداوية) والمجاهدين، فكانوا يبعثون بالفوانيس إشارات متفقاً عليها من أعلى المآذن، مما جعل ساريعسكر بونابرته يعتبرها خطراً، وعملاً إرهابياً مصرياً، ويأمر بتكسيرها!
وهل علينا ضير لو رجعنا القهقرى بضع مئات من السنين، لنرى كيف كان الناس يحتفلون برمضان والعيد؟
قال الراوي رحمه الله وإياك، ورحمه أمه وأمك، وأباه وأباك: جاء في إسلام أونلاين حرسها الله عمن لا أذكر اسمه:
في أول أيام العيد كان الوزير الفاطمي أو المملوكي يسير يوم العيد من منزله، ومعه كبار رجال الدولة في ملابسهم الجديدة إلى باب القصر، ويركب الخليفة بهيئة المواكب العظيمة، وتكون ملابسه في العيد بيضاء موشاة بالفضة والذهب ومظلته كذلك، وكان يخرج من باب العيد على عادته في ركوب المواكب.. إلا أن عساكره في هذا اليوم من الأمراء والأجناد والركبان - والمشاة تكون أكثر - وينتظم الجند له في صفين، من باب القصر إلى المُصلَّى.
ويركب الخليفة إلى المصلى، ويدخل من شرفتها إلى مكان يستريح فيه مدة، ثم يخرج محفوفاً بحاشيته، قاصداً المحراب، والوزير والقاضي وراءه.. فيصلى العيد، ويقرأ في الركعة الأولى ما هو مكتوب في الستر الأيمن، ويقرأ في الثانية ما هو مكتوب في الستر على يساره.
فإذا انتهت الصلاة وسلم، صعد المنبر لخطبة العيد، فإذا انتهى إلى ذروة المنبر جلس على الطراحة الحريرية بحيث يراه الناس، ويقف أسفل المنبر الوزير والقاضي والحاشية، ثم يشير الخليفة إلى الوزير بالصعود فيصعد، حتى ينتهي إلى سابع درجة، مقدماً إلى الخليفة نص الخطبة التي أعدها ديوان الإنشاء، وسبق عرضها على الخليفة.
وبعد مقدمات وإشارات يستر الخليفة باللوائين المركزين في جانبي المصلى، وينادى على الناس بالإنصات، فيخطب الخليفة من النص الذي قدم له، فإذا فرغ من الخطبة أخلى المنبر، فيهبط ويدخل المكان الذي خرج منه يلبث قليلاً، ثم يعود بموكبه، ويحضر مع أفراد الشعب أسمطة الولائم من أنواع الأطعمة والحلوى.
وكان السلطان يوزع العيدية كذلك، باعتبارها من أهم مظاهر الاحتفال بالنسبة للأطفال في العيد، فكان السلطان المملوكي يصرف راتباً بمناسبة العيد للأتباع من الجنود والأمراء ومن يعملون معه؛ وكان اسمها: الجامكية. وتتفاوت قيمة العيدية تبعاً للراتب، فكانت تقدم للبعض على شكل طبق مملوء بالدنانير الذهبية، وآخرون تقدم لهم دنانير من الفضة، إلى جانب الدنانير كانت تقدم المأكولات الفاخرة!
وسوم: العدد 674