المخطط الشرق أوسطي الجديد ( المؤامرة المستمرة)
( الشرق الأوسط) منطقة جغرافية تشمل ( جنوبي غرب آسيا) و ( شمالي أفريقيا) و قد تمتد لتشمل ( تركية و إيران و باكستان) و هي تشمل بصورة عامة الدول المطلة على منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط ذات الصفة العربية و الإسلامية.
و تعود فكرة ظهور المصطلح الشرق أوسطي إلى تيودور هرتزل الذي أشار في مؤتمر بازل في سويسرا سنة 1897 م إلى ضرورة قيام ( كومنولث شرق أوسطي) يكون للدولة اليهودية في فلسطين شأن قيادي فيه.
وقد تلقف الفكرة من بعده شخصيات بريطانية عدة من أمثال ألفرد ماهان ضابط البحرية البريطانية في الذي أشار إلى المصطلح الشرق أوسطي في دراسة له نشرتسنة 1902، ثم أعقب ذلك ظهور بعض الدراسات الأكاديمية في الجامعات البريطانية التي أشارت إلى مصطلح( الشرق الأوسط الجديد) ذلك في سنة 1907م، و قد يكون أشهرها في ذلك الوقت وثيقة هنري كامبل رئيس وزراء بريطانيا. ثم كرت درساتهم بعد ذلك و لم تتوقف.
و اعتبارا من مطلع القرن العشرين التقى ( الفرنسيون و الانكليز) عند مفهوم( الشرق الأوسط الجديد) و باتت سياساتهم تتخذ لها من تلك الفكرة مرجعية لها، و يعد و عد وزير الخارجية البريطاني اللورد آرثر جيمس بلفور للورد روتشيلد الزعيم الصهيوني البارز بإقامة و طن قومي لليهود في فلسطين الخطوة الأولى من أجل تحقيق ذلك المشروع و قد كثرت المشاريع و الخطط بعد ذلك و أكثرها وضع موضع التطبيق، و قد تمحورت حول فكرتين:
الفكرة الأولى: القائمة على تفتيت المنطقة الشرق أوسطية، و تحويلها إلى دول متناحرة ذات صفة(اثنية)؛ عرقية مذهبية، و اتفاقيتا(سايكس بيكو سنة 1916) و سان ريمو سنة 1920) اللتان نصتا على تجزئة منطقة الشرق الأوسط و اقتسامها فيما بينهم ، و كذا تقسيم سورية سنة 1920 إلى دويلات طائفية من قبل الجنرال غورو لاتخرج عن هذا المخطط.
الفكرة الثانية: القائمة على دعم الدولة اليهودية و توفير كافة الوسائل التي تجعل منها الدولة الأقوى في منطقة الشرق الأوسط، و ذلك تحقيقا للحلم الصهيوني الذي راود مخيلة تيودور هرتزل سنة 1897م.
والمعروف أن هدف الصهاينة الأول و الأخير هو القضاء على الإسلام و على الحضارة الأسلامية، و طمس معالمها، و جعلها تفقد القدرة على الانبعاث و التجدد. يقول منا حيم بيفن و هو أحد القادة الإسرائيليين البارزين مخاطبا الإسرائيليين: " أنتم الإسرائيليون يجب ألا تشعروا بالشفقة على عدوّكم، لاعطف و لارثاء حتى ننتهي من إبادة مايسمى ب ( الحضارة الإسلامية) التي سنبني على أنقاضها حضارتنا!!!"
أما شمعون بيريز صاحب كتاب ( الشرق الأوسط الجديد) فيرى: أن السلام مع العرب يأتي من حيث كون المفوم مطابقاً لحالة استسلام العرب ، و لذلك فهو في كتابه يطالب العرب: بنسيان تاريخهم، و بقبر ذاكراتهم و مصادر و عيهم. فهم حسب و جهة نظره خليط غير متجانس، و لايربطه رابط. و مقابل ذلك فهو يبشر اليهود بأرض الميعاد، و يعدها حقيقة ثابتة غير قابلة للجدل و في الوقت ذاته يظهر تخوفه الكبير من الأصولية الإسلامية يؤكد على الردع النووي الإسرائيلي. و على الاقتصاد، و على التعاون الإقليمي الذي يجب أن تكون إسرائيل ذات سيادة فيه، و ذلك بسبب تقدمها التكنولوجي. و لذلك فهو يلهث من أجل سوق شرق أوسطية، الأمر الذي يبدومرادفاً لماسبق و أن دعا إليه هرتزل من قبل و المتمثل ب( كومنولث شرق أوسطي) تكون السيادة فيه للدولة اليهودية. و الذي عبر عنه بعد زعماء إسرائيل بأساليب مختلفة و منهم حاييم و إيزمان و دافييد ابن غوريون، و جمعيهم كانوا يمدون أبصارهم تجاه الشرق الأوسط الجديد، الذي يراد له أن يكون صهيونياً صرفاً و هو المنهج الذي استمروا عليه حتى بعد قيام دولة إسرائيل و تحديداً في النصف الثاني من القرن العشرين، و مطلع القرن الحادي و العشرين.
لقد أخذ الحديث عن الشرق الأوسط الجديد يتردد على ألسنة السياسيين الأمريكيين مع بداية السبعينيات، و منهم برنارد لويس الذي طرح رؤية جديدة للشرق الأوسط و تبناها من بعده المحافظون الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية، و منهم على سبيل المثال مستشار الأمن القومي الأمريكي بريجنسكي الذي دعا إلى ضرورة خضوع منطقة الشرق الأوسط إلى قسمة جديدة على أساس مذهبي و عرقي، و ذلك على وفق رؤية جديدة لعالم عربي مقسم إلى دويلات إثنية و دينية بحيث تعود المنطقفة إلى ماقبل الفتح الإسلامي مقسمة إلى دويلات: فرعونية في مصر، و آشورية في بابل، و آرامية في سورية و فينيقية في لبنان. و يقابل ذلك دولة يهودية في فلسطين، مدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، و بناء عليه تصبح الدولة الصهيونية قائدة و مؤثرة في المنطقة، و بسببها تتساقط الدول العربية كما تتساقط قطع الدومينو. و هو الذي توقعه برنارد لويس من قبل. و أكده من بعده و ليام كريستول من المحافظين الجدد.
و هذا التصور للشرق الأوسط نابع من تصورهم، حول الشرق الأوسط الجديد في هذه المنطقة، و لذلك كانوا يرون ضرورة أن تكون شعوب المنطقة خاضعة لحكامها الذين ينصاعون انصياعا تاما للولايات المتحدة الأمريكية. و يعد رالف بيتزر و هو ضابط أمريكي متقاعد يحمل رتبة مقدم أوّل من وضع مخططاً لإعادة تقسيم الشرق الأوسط الجديد، و ذلك في مقال له نشر بمجلة القوات المسلحة الأمريكية في عدد يونيو حزيران2006م و هذا المقال تعود أهميته إلى عمقه و إمكانية تحققه، فضلا عن أنه يبين ماالذي يدور في خلد دعاة الشرق الأوسط الجديد من أفكار و هو في المقال يقدم خريطة للشرق الأوسط الجديد، فيتحدث عن تقسيم العراق إلى ثلاثة أجزاء.دولة كردية في الشمال، و دول شيعية في الجنوب، و دولة سنية في الوسط كما يقترح تفكيك السعودية وقيام دولة دينية مقدسة في مكة و المدينة، و أن تكون أشبه بفاتيكان إسلامي.
وقد قام (جاي نجور) من يديعوت أحرونوت في 27/7/2006م بتقديم خطته لإعادة صياغة الشرق الأوسط الجديد. و هو من خلال مقالة بدأها بضرورة عدم العودة للشرق الأوسط القديم يقترح أن يقسم العراق إلى ثلاثة دول: شيعية و سنية و كردية فسكان العراق يشتاقون إلى الاستقرار و قد تعبوا من الحرب الأهلية، و الأكثرية السنية في سورية تطمح إلى إنهاء الدولة العلوية، الأمر الذي يبدو أنه سيسرع من تقسيم منطقة الشرق الأوسط الجديد و ذلك منذ قيام حرب الخليج، حيث بدأت ملامحه تتضح أكثر بمساعدة قوى دولية و إقليمية لها مصالح مباشرة في المنطقة و التي استطاعت أن تجعل من ثورات الربيع العربي.حركات داخلية ذات صبغة طائفية و عرقية و ذلك في كل من اليمن و ليبيا و سوريا و العراق، الأمر الذي جعل بعضهم يرى أن عناصر خطة تقسيم العالم العربي طبقا لخارطة الشرق الأوسط الجديد قد اكتملت، و أن مرحلة التنفيذ على أرض الواقع مسألة وقت. يؤكد ذلك تصريح رئيس الاستخبارات الفرنسية في مؤتمر نظمته جامعة جورج واشنطن في العاصمة الأمريكية جاء فيه:" إن الشرق الأوسط الذي نعرفه انتهى إلى غير رجعة و إن منطقة الشرق الأوسط ستكون مختلفة عن تلك التي رسمت في أعقاب الحرب العالمية الأولى".
وهذا التصريح يعود بنا إلى السياسة الاستعمارية في أعقاب الحرب الأولى و إلى مشاريع التقسيم التي استهدفت المنطقة الشرق أوسطية بعامة. و من خلال نظرة واقعية على ثورات الربيع العربي و ماحلّ بها و قد تحولت إلى ثورات داخلية ذات صفة طائفية تبدو السياسة الشرق أوسطية الجديدة و هي خيط من مؤامرة طويلة المدى يتعرض لها المسلمون بعامة واضحة جدا. و هذا التحليل الموضوعي يقودنا إلى نتائج ثلاث:
النتيجة الأولى: تؤكد أن المخطط الشرق الأوسط القديم و الجديد يهوديّ صهيونيّ هدفه الأول و الأخير تدمير الدول العربية و الإسلامية و القضاء على وحداتها الوطنية، و تحويلها إلى دول إثنية على أساس مذهبي و عرقي، متناحرة فيمابينها، و عدم السماح لها بالتوحد تحت أي ظرف كان.
النتيجية الثانية: تؤكد أن الدول النصرانية بعامة تنظر إلى الحروب الصليبية التي شهدتها العصور الوسطى أنها لازالت مستمرة. و لذلك يبنون سياساتهم على أساس من تلك القناعة، و تعامهلم مع القضايا العربية و الإسلامية الراهنة تثبت صحة ذلك.
النتيجة الثالثة: تؤكد أن عدم الارتقاء إلى مستوى المسؤولية لدى الحكام العرب بعامة، و التفريط بالقضايا الاستراتيجية، و عدم الالتزام بالمواقف، ساعد كثيرا اليهود و النصارى على تحقيق أهدافهم،بالرغم من تكشفها، و افتضاح أمرها، حتى لعامة الناس فضلا عن خاصتهم. و الحديث عن الشرق الأوسط الجديد في وسائل الإعلام، و الدندنة حوله يعد بمثابة الشاهد الاكبر على ماذهبنا إليه من تحليل، و على نوايا تلك الدول وقد وضع أكثرها موضع التطبيق.
أ.د.عبد العزيز الحاج مصطفى
رئيس وحدة الدراسات السورية
مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية
وسوم: العدد 676