السكن والرحمة في الحياة الزوجية
قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21]
الزواج آية:
إن من آيات الله تعالى التي تدل على عظمته وحكمته وقدرته ورحمته سبحانه أنه خلق للبشر من أنفسهم أزواجاً، وأودع نفوسهم هذه العواطف والمشاعر، وجعل في تلك الصلة بين الزوجين الرجل والمرأة على حد سواء: سكناً للنفس والأعصاب، وراحة للجسم والقلب، واستقراراً للحياة والمعاش، وأُنساً للأرواح والضمائر، واطمئناناً عاما يسري في كيان كل منهما.
إن هذا التعبير القرآني اللطيف الرفيق البليغ في الآية الكريمة يصور العلاقة بين الزوجين تصويراً رائعاً، ويلتقط صورة رائعة للحياة الزوجية من أعماق القلب وأغوار الحس والوجدان.
حكمة خلق الذكر والأنثى:
إن حكمة الخالق عز وجل بالغة في خلق كلٍّ من الذكر والأنثى على نحوٍ يجعل كلا منهما موافقاً للآخر، ملبياً لحاجته الفطرية: الجسدية والنفسية والعقلية، بحيث يجد كل طرف في العلاقة الزوجية عند الطرف الآخر الراحة والطمأنينة والاستقرار والسكن.
فيجد الزوجان من خلال اجتماعهما معا الارتواء الجسدي، والاكتفاء النفسي، والإشباع العاطفي، وهذا هو ما يولد بينهما المودة والرحمة والسكن والراحة والطمأنينة؛ لأن ائتلافهما وامتزاجهما، وتلبية كل منهما رغبات الآخر، كل ذلك يؤدي في النهاية إلى استقرار تركيبهما النفسي والعصبي والعضوي، ومن هنا تأتي مشاعر اللذة والسعادة والهناء والسكينة والرضا.
حكمة الزواج تحقيق السكن والمودة والرحمة:
لقد شرع الله الزواج بما فيه من علاقة جسدية ونفسية ليكون أقوى الدواعي والأسباب الجالبة للمودة والرحمة بين الزوجين، فيحصل بالزواج لكلا الزوجين الاستمتاع الحسي والمعنوي واللذة الجسدية والاستقرار النفسي، وهذا يولد بينهما السعادة والسكن والرحمة والمودة والحب، فيفترض ألا يوجد بين أحد مثل ما بين الزوجين من المودة والرحمة والمحبة والثقة المتبادلة.
الاختلاف مقصود بين طبيعة الرجل والمرأة:
والاختلاف بين طبيعة الرجل والمرأة مقصود من الله تعالى وله حكمة جليلة، وهو في الحقيقة اختلاف تكامل، لا اختلاف تعاند وتصادم، فقد جعل الله تعالى المرأة للرقة والليونة والحنان والرفق، وجعل الرجل للقوة والخشونة والحزم، فالزوجة تفرح وتسعد بقوة زوجها ورجولته وبأسه، والزوج يفرح ويأنس بنعومة زوجته ورقتها وأنوثتها وحنانها، فيحدث التكامل الذي أراده الله وقصده ليحتمل الزوجان معا متاعب الحياة وأعباءها وشدائدها في رضا وسعادة، ويساند كل منهما الآخر.
غاية الزواج الأصلية:
إن الغاية الأصيلة في الزواج هي السكن قال تعالى: ﴿لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾ أي: ليسكن الزوجان أحدهما للآخر، والسكن لا يكون إلا عن حركة، فالمعتاد في حياة البشر جميعا أن الرجل يكدح ويتعب طوال يومه في حركة العمل والسعي على طلب الرزق والمعاش، فيريد آخر يومه عندما يعود إلى بيته أن يسكن إلى مَنْ يريحه ويواسيه، ويعينه على ما يجده في الحياة من الشدة والبأس واللأواء، فلا يجد غير زوجته يلتمس عندها السَّكَن والحنان والعطف والرقة، وفي هذا السكَن يرتاح ويستعيد نشاطه للعمل في اليوم التالي وهكذا تستمر الحياة.
لكن لنتخيل حال الرجل إنْ عاد مُتْعباً فلم يجد هذا السكن، بل وجد زوجته ومحلُّ سكنه وراحته تزيده تعباً ورهقا، وتكدِّر عليه صَفْوه وتزيده بلاءً وشقاءً وعنتا!! كيف سيكون حال مثل هذا المسكين؟!! فينبغي إذن للمرأة أنْ تعلم معنى وأهمية السَّكَن في الحياة الزوجية، وأن تؤدي مهمتها لتستقيم أمور الحياة بينها وبين زوجها، وتستقر أسرتها وتسعد هي وزوجها وأولادها.
الحب والرحمة بين الزوجين:
والأمر لا يقتصر على السَّكَن وحسب بل أوجد الله بين الزوجين المودة والرحمة قال تعالى: (وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) فالمودة هي الحب المتبادل بين الزوجين في مشوار الحياة وشراكتها بحلوها ومرها، فهو يكدح ويُوفر لوازم العيش، وهي تكدح لتدبر أمور البيت وتربية الأولاد؛ وكل هذا ينبغي أن يكون في إطار من الحب والحنان والتعاطف المتبادل.
أما الرحمة فتأتي في ختام هذه الصفات التي ذكرتها الآية الكريمة، والتي يجب توافرها بين الزوجين: سكن ومودة ورحمة، ذلك لأن البشر معرضون دائما لأن تتبدل أحوالهم وتتغير ظروفهم، فكثيراً ما تتغير أحوال الزوجين، فالغني قد يصبح فقيرا، والقوي قد يغدو ضعيفا، والمرأة الجميلة تُغيِّرها الأيام أو يهدّها المرض، والشابة تصبح عجوزًا وتفقد نضارتها.
وهنا يلفت القرآن الكريم أنظارنا إلى أن هذه المرحلة التي تتغير فيها أحوال الزوجين وربما فقدا فيها السكن، أو فقدا المودة، فإن حدث ذلك فإن الرحمة تسعهما، فليرحم الزوج زوجته إنْ قَصُرَت إمكاناتُها عن القيام بواجباتها الزوجية، ولترحم الزوجة زوجها إنْ أقعدَه المرضُ، أو أصابه الفقر والفاقة عن النهوض بأعباء بيته ومطالب واحتياجات زوجته.
الزواج تحمل وتضحية وصبر:
إن الزواج تحمل وتضحية وصبر، وينبغي أن يتفهم الزوجان ذلك، فالحياة لا تسير على وتيرة واحدة، وكثير من الزوجات الأصيلات والأزواج الأصلاء الذين يتقون الله يراعون ذلك التراحم في حياتهم الزوجية، فترفض الزوجة الأصيلة ذات المعدن النفيس أن تترك زوجها لو أصابه المرض أو عضه الفقر بأنيابه، وكذلك الزوج الشهم الكريم النبيل التي تضعف زوجته وتفقد جمالها وجاذبيتها مع التقدم في العمر، أو يُقعدها المرض عن خدمته وخدمة أبنائه، يرفض طلاقها، بل يبقى إلى جوارها، ويقدم لها الدعم والمساندة حتى لا يكون كمن (أكلها لحما ورماها عظما)، وعن العلاء بن سفيان الغساني: (من الفواحشِ التي حَرَّمَ اللهُ ممَّا بَطَنَ ممَّا لم يُتَبَيَّنْ ذِكْرُهَا في القرآنِ أن يتزوَّجَ الرجلُ المرأةَ فإذا تقادمَ صُحبَتَها وطالَ عهدُهَا ونَفَضَتْ ما في بطنِها طلَّقَهَا من غيرِ ريبةٍ) رواه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة وقال إسناده صحيح متصل.
العلاقة الحميمة بين الزوجين:
فيما يختص بالعلاقة الحميمة بين الزوجين قال الله تعالى في وصفها: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ [البقرة: 187] وهنا نجد في هذا الوصف القرآني للعلاقة الجنسية بين الزوجين لمسة حانية رفَّافة حالمة هادئة، تمنح العلاقة الزوجية شفافية ورفقاً ونداوة، وتنأى بها عن غلظة المعنى الحيواني، والهياج الشبقي العارم الذي ينتاب الحيوانات في فترات ما يسميه علماء الأحياء بالدورة النزوية.
وتوقظ الآية الكريمة إضافة إلى معاني التمازج التام والاندماج النفسي والجسدي والروحي بين الزوجين معنى آخر جميلا هو معنى الستر أثناء هذه العلاقة الحميمة الدافئة التي لا تكون بهذا الطهر والنقاء والرقي والعفة واللذة والسعادة العميقة جسديا ونفسيا إلا بين الزوجين اللذين ربط بينهما رباط الزوجية، واستحلَّ فيه الرجال فروج زوجاتهم بكلمة الله.
الزواج سترة للزوجين:
من المعروف أن اللباس ساتر وواق للجسد فهو يستره ويقيه، وكذلك هذه العلاقة الحميمة بين الزوجين تستر كلاًّ منهما وتقيه وتوفر له السعادة والسكينة والرضا والإشباع المادي والعاطفي، وهكذا نرى الإسلام يأخذ بيد الإنسان إلى معارج الارتفاع والارتقاء والسمو، ويلبي فيه متطلبات النفس والجسد الذ يتكون من لحم ودم، ويغمره بهذه النسمة اللطيفة التي تراعي تكوين الإنسان وفطرته، فالله تعالى يعلم احتياجاتنا وخبيئة نفوسنا ومشاعرنا، وهو سبحانه وتعالى رحيم بنا وحريص على تلبية هواتف فطرتنا البشرية التي تحتاج إلى الشعور بالمحبة والتقدير والتعاطف والدعم والمساندة.
الرجل لباس لزوجته، والمرأة لباس لزوجها:
لقد عبر الله سبحانه وتعالى عن العلاقة الزوجية الحميمة وكأنها عملية التحام بين الرجل وزوجته بكلمة الله، فالمرأة لباس للرجل والرجل لباس للمرأة، وأول مدلولات اللباس كما أسلفنا ستر العورة، فكأن الرجل لباس للمرأة أي ستر لعورتها، والمرأة كذلك ستر لعورته، فهي عملية تبادلية، وهذا يحدث في الواقع فعلا فهما يلتفان في ثوب واحد، ويضع كل منهما بشرته على بشرة زوجه، ومن هنا استخدم الإسلام لفظ المباشرة بين الزوج وزوجته، ووضع لها أحكاما فقهية معينة ترتبط بحال الزوجين خلال هذه المباشرة، وما يترتب عليها من أحكام، لاسيما ما يتعلق بالصيام والصلاة.
وهكذا يعلمنا الله تعالى أن المرأة لباس ساتر للرجل، والرجل لباس ساتر للمرأة، ويريد سبحانه وتعالى أن يظل هذا اللباس ستراً بحيث لا يفضح شيئاً مما يحدث بين الزوجين عند الآخرين، ولذلك فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أشد التحذير من أن يحدث بين الرجل وأهله شيء بالليل، وبعد ذلك يقول به الرجل أو المرأة نهاراً!
كمال السعادة بين الزوجين:
وهنا علينا أن نراعي أن من كمال السعادة بين الزوجين أن تزول كافة أشكال التمايز والفوارق بين الطرفين، فمادام الرجل لباس لزوجته، وهي لباس له، وقد ضَمَّهما فراش الزوجية، وحدث بين جسديهما هذا التمازج والتداخل، فينبغي لهما أن يتقاربا نفسيا وروحيا ووجدانيا، وألا يمتنع أيٌّ منهما عن هذا التواصل العاطفي والمعنوي، حتى لا يقدح في عمق ومتانة العلاقة الزوجية بينهما، بحيث لا يتبقى منها سوى علاقة الأجساد فقط، فتصبح كتلك العلاقة النزوية التي نراها بحكم الغريزة عند الكائنات الحية بغرض التكاثر وحسب دون تراحم أو مودة.
إن مباشرة الرجل لزوجته واتصاله الجنسي بها يشبع متطلبات جسديهما لكنه ينبغي ألا يتوقف عند هذا المستوى المادي الأقرب لما يقع بين الحيوانات، ولابد عند المباشرة أن يتذكر الزوجان ما كتبه الله عليهما في هذه العلاقة الجنسية، وما كتبه الله هو الإعفاف بهذا اللقاء والإنجاب، فالمرأة تقصد إعفاف الرجل حتى لا تمتد عينه إلى امرأة أخرى، وهو يقصد أيضا بهذه العملية أن يعفها حتى لا تنظر إلى غيره، والله يريد الإعفاف في تلك المسألة لينشأ الطفل في هذا اللقاء على أرض صلبة من الطهر والنقاء، فالله سبحانه وتعالى يريد طهارة الإنسان منذ أن يضع أبوه بذرته في رحم أمه.
نظرة واقعية:
وبعيدا عن الرومانسية الحالمة لننزل إلى أرض الوقع فنراه مع الأسف واقعا صادما! فغالبية الأزواج يبعدون كثيرا عما ذكرناه آنفا عن العلاقة الزوجية، فالواقع يؤكد أن معظم الأزواج يمارسون الحياة الزوجية في شكلها المادي فقط، أما التعاطف والحب الصادق وما ينتج عنه من سكن ومودة ورحمة فليس موجودا إلا على نطاق ضيق، وفي أوقات محدودة، ذلك أن منغصات الحياة كثيرة جدا بين الأزواج سواء كانت من صنعهما أو من صنع الظروف.
ومن المفترض أن كلا الزوجين يعرفان مشاعرهما تجاه بعضهما البعض، ويدركان عمق الصلة الوثيقة التي تربط بينهما، فهي تشغل أعصابهما ومشاعرهما، وتدفع خطاهما وتحرك نشاطهما وحركتهما في الحياة، لكن بسبب مشاغل الدنيا ومطامعها، وأهواء النفس البشرية، ووساوس الشيطان الذي يجري من ابن آدم مجرى الدم ـ فقَلَّما يتذكر الزوجان كلاهما يد الله تعالى التي خلقتهما ووثقت رابطة الزوجية بينهما.
والمسئولية عن جفاء الحياة الزوجية وجفافها، وربما تصدعها في النهاية لا يمكن تحميلها كاملة لأحد الطرفين، فغالبا ما يشارك الرجل والمرأة على حد سواء في نشوب الخلافات وتعميقها بينهما، لاسيما إن كانا لا يتمتعان بالتسامح والعفو وحسن التغافل عن الزلات!! فبدلا من السكن والمودة والرحمة، يتولد بينهما الشقاق والنزاع والخلاف والتصادم الدائم، الذي يجلب استمراره وديمومته النفور والصدود، ثم تتحول المحبة إلى كراهية والمودة إلى بغضاء، فتصبح الحياة الزوجية جحيما لا يطاق والعياذ بالله!
دور المرأة:
ومن أكثر الأدواء التي تفتك باستقرار الحياة الزوجية عناد المرأة وجدالها المستمر لزوجها أو إهمالها له وتجاهلها لمشاعره، وتحولها إلى مصدر لتنغيص عيشه وتكدير حياته، وليس المقصود هنا الجدال والعناد اللفظي وحسب، بل يمكن أن تظل الزوجة صامتة ولا ترد على زوجها في أي حوار أو نقاش، لكن ذلك ليس عن حكمة تضبط الانفعالات وتقلل من التوترات الناشئة، بل تسفيها وتحقيرا لرأي الزوج وكلامه، وهذا يزيد نفسه غضبا وأعصابه استشاطة!!
وهنا يتحول الرجل إلى ميكانيزم آخر من ميكانيزمات الدفاع النفسي إذ يشعر في هذه الحال بالمهانة وأنه بلا قيمة عند زوجته الصامتة استهتارا واستخفافا به وليس حبا وتقديرا له ولعشرته معها ...!!
ومباشرة في هذه الحال يصبح الزوج عدوانيا وغير موضوعي، ويصوِّب مدفعيته الثقيلة إلى المرأة فيبرز معايبها التي كان يسترها ويتقبلها، ويتمادى في هجومه عليها؛ فيفضح سلبياتها وأخطاءها ويشهر بها أمام نفسها وأمام الآخرين، وكأنه يريد وضعها وجها لوجه أمام حقيقتها وحقيقة النقص الذي فيها؛ لتعلم أنه يتقبلها ويصبر على عيوبها ليس عن حب لها ولكن فقط لتستمر الحياة وتستقر إلى حين من أجل الأبناء.
والرجل في الغالب في هذه الحال لا يريد أن ينال من زوجته أو أن يحقرها ويهينها بل هو في موقف نفسي لا يحسد عليه!! فتجاهل زوجته لانفعاله وغضبه وصمتها (إن لم ترد وتزيد الطين بلة) ازدراء لهذا الانفعال واعتراضا على هذا الغضب الهائج يجعل الرجل يقع فريسة للتوتر والشعور بعدم التقدير من زوجته التي يفترض أن تكون أقرب الناس إليه.
وينبغي للزوجة العاقلة في مثل هذا الموقف أن تحبط موجة الغضب في مهدها، وتشعر زوجها بتقديرها وحبها له، فتبادر إلى الاعتراف بالخطأ، وتكف عن العناد والمجادلة، وتسترضي زوجها فإن كان كريما راقي المشاعر ومرهف الإحساس فسيحتوي الموقف مباشرة ولن يسمح لزمام الأمور بأن تفلت من بين يديه، بل سيقبل اعتذار زوجته ولن يتمادى في تعنيفها.
باختصار على المرأة في أي خلاف ينشأ بينها وبين زوجها أن تقابله بمخزون الحب والمودة التي تحمله له في قلبها، حتى لو كان متجنيا عليها في هذا الموقف، فهذا يطفئ نار الغضب بداخله، أما الجدال والعناد أو التجاهل والصمت ازدراء له ولانفعالاته فيشعل جذوة الخلافات الزوجية ويضرم أوارها.
ومن الحقائقَ الإنسانية المهمة أن الرجل يطلب في زوجته الجمال والبهاء ويبحث فيها على المنظر الحسن الذي يبهجه ويفتح نفسه للحياة والاستمتاع بمباهجها الحلال، ولكن مع الأسف الشديد فقد زيَّف الإعلامُ والدعايةُ هذه الحقائقَ الإنسانية وساعد في نشر ذلك التشويه المتعمد شركاتُ الملابس وإنتاج أدوات التجميل، وصيحاتُ الموضة، حيث قامت هذه الشركات في سبيل تحقيق مصالحها وترويج منتجاتها بتزييف وعي النساء وجعل الجمال في وعي النساء (وحتى في وعي الكثير من الرجال) مرتبطا فقط بهذه الأشياء المادية، فأصبحت الزوجة إذا ذكر كلام عن وضاءتها وحُسْنِها انصب همُّها على الملابس ولاسيما الضيقة (المحزقة) أو العارية وعلى مساحيق التجميل التي تسكبها على وجهها!!
مع أن ذلك قد لا يزيدها إلا قبحا في عيني زوجها الذي لا يريد منها سوى النظافة الشخصية والجمال الفطري الطبيعي والرائحة الذكية خاصة رائحة الفم (للأسف تغفل بعض النسوة عن الرائحة وخاصة رائحة أفواههن فهذا يعيق أزواجهن عن تقبيلهن ومعانقتهن تعبيرا عن المحبة والمودة ... ويبقى ذلك في أضيق الحدود، ثم تشتكي الزوجة من جفاء زوجها!!)
وأغلب الرجال لا يريدون من زوجاتهن فقط مجرد التجمل الصناعي الخادع، بل يريدون من الزوجة وضاءتها وجاذبيتها الفطرية المتمثلة في نظافتها الشخصية ابتداء، ثم أسلوب كلامها وطريقة تعاملها مع زوجها وأولادها، فماذا ستفعل مساحيق التجميل في أسلوب الزوجة الحاد الجاف أو الجارح؟!! وماذا ستفعل كل أدوات التجميل في جسد تهمله صاحبته، فتفوح رائحة كريهة من الفم بسب مرض في الأسنان أو إهمال في تنظيفها، إضافة إلى رائحة العرق المنفرة التي تزكم الأنوف، وملمس جسد الزوجة الخشن الذي فقد ليونته ونعومته وطراوته الفطرية الغضة التي منحها الله لجسد الأنثى بسبب انشغالها بأعباء البيت والأولاد أو كسلها وإهمالها لنظافتها الشخصية وبلادة حسها ومشاعرها؟!
ماذا ستغني مساحيق التجميل والملابس الضيقة أو العارية المغرية إذا كانت المرأة تهمل مشاعر زوجها أو لا تحسن الكلام معه ولا تتفهم شخصيته؟!!
ومع الاعتراف بأهمية ذلك في الحياة لكن على الرجل ألا يكون مثاليا ويطلب من زوجته الأناقة الكاملة في كل وقت فمشاغل الحياة كثيرة وأعباء الأسرة ومسئولية الأبناء تثقل كاهلها.
وفي دراسة نفسية مقارنة أجريت على مجموعات كثيرة من الرجال والنساء تبين أن أغلب الزوجات يتفهمن كلمات مثل الأناقة والجمال والجاذبية بشكل خطأ فلا يقصد بها أن تكون الزوجة متزينة دائما بمساحيق التجميل، فأهم منها جمال الطباع وحلاوة أسلوب التحاور مع زوجها وأولادها ... فما قيمة مساحيق التجميل في بيت تملؤه الزوجة صراخا مع زوجها وأولادها ليل نهار؟!
وما قيمة مساحيق التجميل في بيت يعج بالفوضى والعشوائية وقلة النظافة والتنظيم والترتيب؟! والأمر لا يتعلق بالمستوى المادي للبيت والإمكانيات المادية الكبيرة للزوج بل يتعلق أكثر بالزوجة ونظافتها وحرصها على التنظيم والترتيب والتنسيق، فكم من بيت فقير لكنه واحة للهدوء والشعور بالأمان والسكينة والاستقرار ... وكم من الفلل والقصور تغص بالمشاكل المتفاقمة والأنواء العاصفة التي توشك أن تحطمها على من فيها!!
دور الرجل:
على الرجل أن يكون حكيما عاقلا ويتقبل زوجته كما هي، ويخفف عنها ويساعدها في تحمل مسئولية الأسرة نفسيا واجتماعيا وليس ماديا فقط، ولا يطلب منها الكمال والمثالية، فكما فيها جوانب نقص فلديه كذلك جوانب مثلها وربما أكثر.
وليترفق الرجل بضعف زوجته الفطري فالمرأة ليست كالرجل في بنيتها النفسية والعصبية، نعم من حق الرجل أن يرى زوجته في أبهى حلة، وأن تبدو أمامه وضيئة متلألئة، تشع في البيت بهجة وسعادة وطمأنينة، وذلك بالابتسامة الحلوة، والكلمة الطيبة والمشاعر المتدفقة حنانا ورحمة ورفقا بجميع من في المنزل، لكن على الرجل أن يساعد زوجته لتفعل ذلك.
ومن أهم النقاط التي يغفل عنها أغلب الرجال نقطة النظافة الشخصية فالمرأة تحب من زوجها أن يكون جسده نظيفا جذابا، ولا بأس أن يتجمل الرجل لزوجته ويتعطر لها فيبدو أنيقا نظيفا أمامها فهي تريد ذلك منه كما يريده هو منها، وليس من حق الزوج الذي يقدم على زوجته في جلافة وقبح وروائح كريهة من كل الأشكال والأنواع!! أن يطالبها بمقابلته بروائح الفل والياسمين!! فلها عينان وحواس كما له تماما، وتطلب فيه ما يطلبه هو فيها من نظافة وجمال، وتنفر كذلك مما ينفر منه من قبح وجفاء في الطباع والكلام.
وعلى الرجل أن يقلل من انتقاد زوجته ويمتنع عن توجيه اللوم لها في كل صغيرة وكبيرة، وبدلا من معايرتها بعجزها عن القيام ببعض واجباتها الأسرية والزوجية عليه أن يساعدها في تربية الأبناء والنهوض ببعض أعباء المنزل، وليتعلم من النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان في مهنة أهله حيث كان يساعد نساءه في تدبير شؤون المنزل، وهو خاتم الأنبياء والمرسلين، ورأس الدولة وقائد الجيش، ولديه من الأعباء والمشاغل ما الله به عليم... إن الحياة مشاركة وكي يسعد الزوجان فيها عليهما أن يتقبل كل منهما الآخر، ويساعده لينجحا معا في هذه الرحلة الشاقة!!
وسوم: العدد 679