حروب الشطرنج - 16
قال لي صديق:ألا من سبيل لوقف آلة الحرب والدمار المستعرة في أكثر من مكان في بلدان المسلمين..؟قلت:المشكلة التي تحول دون تحقيق مثل هذه الغاية الكريمة النبيلة..أن جميع الأطراف المتقاتلة تعتقد-أو هكذا زين لها-أنها صاحبة مصلحة استراتيجية في تأجيج واستمرار ما هو جار من قتال وصراع..بل البعض يعتقد أنها فرصة العمر لتحقيق أحلامه وطموحاته في ولادة جديدة جذرية عقدية وثقافية لبنية المنطقة وهويتها..فهم يصرون على استمرار هذه (المحرقة الخلاقة) حتى يَبقَّ ماء الرأس من رحمها ويطل مولودهم المزعوم الرضي الهني إلى الأبد..والحقيقة أن أصحاب المصلحة الاستراتيجية العميقة هم جهات أخرى منهمكة في تحريك وتوظيف أحجار رقعة الشطرنج بما تشتهيه غاياتهم ومكائدهم..يدبرون ويحيكون خططهم ويديرون بإتقان حروب الشطرنج التي صنعوها..ويعملون على تطويرها والتعاون في تأجيج محارقها وتسعير نيرانه..حتى تأتي أوكلها ويوجهون ضربتهم الحاسمة(كش ملك) لتبدأ من ثم حكاية ومشاريع الحلم الكبير!فقال:هلا أفصحت لنا عن بعض ملامح هذا الحلم الكبير والهدف الاستراتيجي الخفي لحروب الشطرنج المستعرة..؟قلت:لا أحسب الوقت قد حان ليقال كل ما في الذهن من تصورات وربما من معلومات..فالتحدث في العمق في غير أوانه ربما يكون من ظلم الذات وظلم السامع معاً..قال:كيف..؟قلت:إن الأهداف الاستراتيجية العميقة أعقد وأكبر مما تتصورها الأذهان وتتقبلها النفوس..وربما ينظر إليها على أنها نوع من الخيال المفرط والهرطقة المتطرفة..وذات مرة انزلق لساني وبدأت أتحدث عن طيف بسيط من ملامح ما تساءلت عنه..فأحسست أنني أحمل للسامعين ورقة أهل الكهف أو ما هو أغرب..فهمس في أذني زميلي الذي يشاطرني رؤاي في هذه المسألة المعقدة قائلاً:يا دكتور إن الإبحار في لجج هذا الأمر في مثل هذه المرحلة إنما هو ظلم لنفسك وظلم لمن تتحدث إليهم..أرجو أن تتحدث بما هو محتمل ومقبول فذاك أجدى وأنفع..فقال صديقي:أليس هذا اتهام لعقول من حولكم بعدم النضج والقدرة على فهم ما عندكم..؟أليس هذا من الغرور عندكم ومن البخس لغيركم..؟قلت:تساؤلاتك مشروعة وموضوعية..وما ذهبت إليه من ظنون يحتمله السياق تماماً..ولكن الأمر ليس كما بدا لك..فالمقصود هو تحري الحكمة في تخيِّر الزمان والمكان والمصلحة..وحتى لا أدع هذا الأمر لغزاً تحار به العقول وتذهب به الظنون كل مذهب أقول:إن ما يجري في العالم اليوم بعامة ومنطقتنا بخاصة..يأتي في سياق مشروع استراتيجي كوني كبير..يسعى لإعادة تشكيل العالم على نحو ما كان عليه قبل الإسلام أو ربما أبعد من ذلك وفهمكم كفاية..!أما كيف..؟ولصالح من..؟فهذا متروك لأولي الألباب ليتلمسوا ملامحه بمراجعة دقيقة للتاريخ البشري القديم..وبتتبع حذق لجوهر سير الأحداث العالمية المعاصرة منذ عقود وعقود..أما المنهمكون وراء خبزهم اليومي..والمطمئنون إلى أن المستقبل خبزه معه من غير كد ولا كدح..ومن غير أخذٍ بأسباب مهارات فنون ألعاب الشطرنج..فهؤلاء مما لا تحتمل أذهانهم مثل هذه التصورات..والله غالب على أمره.
وسوم: العدد 680