ليست زلة من مهمتهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كزلة غيرهم من الناس
في خضم الضجة الإعلامية والجدل القائم حول قضية ضبط الشرطة لعضوي حركة الإصلاح والتوحيد في حالة تلبس وصفت بجرم أخلاقي أثيرت قضية وقوع المشتغلين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الخطإ أو الجرم الأخلاقي على وجه التحديد . ومعلوم أن سبب الضجة الإعلامية التي أثيرت هو مكانة العضوين في مجال الدعوة والوعظ والإرشاد. وكثيرا ما نشرت وسائل الإعلام أخبارا تتعلق بفضائح أخلاقية لبعض الناس العادين أو حتى لبعض ممن يشتهرون في مختلف المجالات باستثناء المجالين التربوي والدعوي ، وهما مجالان منزهان عن الفضائح الأخلاقية . والناس عادة ما يعتبرون الفضائح الأخلاقية لمختلف شرائح المجتمع أمرا عاديا ،ولكنهم لا يستسيغون وقوع هذه الجرائم في المجال التربوي والمجال الديني والدعوي اللذين لا يغتفر فيهما هذا النوع من الجرائم . وإذا كانت الغالبية من الناس التي تستهجن الجرائم الأخلاقية في المجالين التربوي والديني تفعل ذلك بسبب المكانة الاعتبارية لمن يشتغل في هذين المجالين، فإنها قد تغفل عن الحكم الشرعي في القضية كما يعكسه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المتفق عليه ونصه : ( يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار ، فتندلق أقطاب بطنه ، فيدور بها كما يدور الحمار في الرحى ، فيجتمع أهل النار فيقولون : يا فلان ما لك ؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ؟ فيقول : بلى ، كنت آمر بالمعروف ولا آتيه ، وأنهى عن المنكر وآتيه ) واندلاق الأقتاب هو خروج الأمعاء من البطن. والواضح من هذا الحديث النبوي الشريف أن الاشتغال بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بقدر ما يرفع صاحبه عند الله عز وجل ، فإنه قد يجلب له العذاب الشديد إذ لا يعذب أحد مثله يوم القيامة إذا ما قصر في القيام بواجبه حيث يجر أمعاءه في النار وهو يدور بها ،وأهل النار وهم يعانون من عذابهم أيضا يجتمعون حوله ،وذلك يعني عذاب الفضيحة ، وفيه عدل إلهي يتأكد منه أهل النار حين يرون المشتغل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعذب أكثر منهم ،لأنه لم يقم بواجبه كما ينبغي ولأنه كان يخدعهم في الدنيا حتى أنهم ظنوا بأنه من أهل الصلاح . وقد يعجل الله عز وجل الفضيحة في الدنيا قبل الآخرة . وإذا كان الزنى في دين الله عز وجل جريمة أخلاقية ومنكرا بل فاحشة ، والفاحش من الأمور ما زاد عن الحد ، فإن من ينهى عن هذه الفاحشة ولا يأتيها يكون له أجر عظيم عند الله عز وجل ، بينما الذي ينهى عنها ولكنه يأتيها فله عذاب عظيم يوم القيامة ، والسر في ذلك أنه عارف وملم بجسامة جرم الزنى و مع ذلك يكون مصرا إتيانه ، علما بأنه لا عذاب مع استغفار وتوبة نصوح، ولا استغفار مع إصرار على المعاصي . ومعلوم أن مخالفة الفعل للقول مما يتسبب في غضب و مقت الله عز وجل . ومخالفة الفعل للقول صفة من صفات النفاق والعياذ بالله ، والمنافقون في الدرك الأسفل من النار . والغريب أن يتجاهل الذين يشتغلون في المجال الديني والدعوي عقوبة الأمر بالمعروف وعدم إتيانه والنهي عن المنكر وإتيانه. وعجبا لمن يقايض آخرته بدنياه وهو أعلم من غيره بخسارة هذه الصفقة . وعلى أهل الدعوة أن ينأوا بأنفسهم عن كل ما من شأنه أن يجعلهم في موضع ريبة وشك خصوصا ما يتعلق بالأمور الأخلاقية من خلوة وغيرها ،علما بأنه ما اختى رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما ، ومن كان ثالثهما الشيطان لعنه الله لم يأمنا على نفسيهما من الوقوع في المحظور لأن الشيطان يركب مركب الغريزة العمياء في حالة ضعف الإنسان . ولا يزعمن أحد أنه يتمالك نفسه ويضبطها في الخلوة ولو كان أعلم العلماء وأتقى الأتقياء مع أن الأتقياء من المفروض أن تمنعهم تقواهم من مخالفة الشرع حيثما وجدوا . ومعلوم أن اللمم وهي صغار الذنوب عندما تصدر عن المحسوبين على العلم والتقوى والدعوة إلى الله عز وجل تعتبر كبائر نظرا لمكانة هؤلاء ، لهذا مجرد الخلوة وإن لم يقع شيء خلالها يكفي لإدانتهم وتسجيل ملاحظة عليهم وهي مخالفة أمر الله عز وجل وأمر رسوله . ومعلوم أن وقوع الدعاة في الجرائم الأخلاقية يعود بالضرر على الهيئات التي يعملون بها، وقد يتعدى ضرر ذلك إلى جهات أخرى ، كما أن ذلك قد يجعل بعض ضعاف الإيمان يفقدون الثقة في الدعوة بسبب سلوك الدعاة المنحرفين أخلاقيا ، فينحرفون بعد هداية أو يستمرون في العماية ، ويتذرعون بالقول : إذا ما وقع الدعاة في الجرائم الأخلاقية، وهم من هم فما بالنا نحن ؟ وقد يكون منطقهم أيضا لماذا نهينا عن منكر هذه الجرائم الأخلاقية من طرف من يأتونها ؟ وإن إتيانهم إياها يعتبر ترخيصا لنا . وأخيرا بقي أن نقول إن مكانة الدعاة والمربين في المجتمع لا يمكن أن تتخذ ذريعة لوقوعهم في الجرائم الأخلاقية ، ولا يجوز الدفاع عمن يقع فيها بسبب هذه المكانة التي لم يحترمها ، وفي المقابل يجب أن نحترز من الأنباء التي ترد علينا في شأن وقوع الدعاة والمربين في جرائم أخلاقية ،والتي قد يكون مصدرها فسق وفساق ،علما بأن القذف يوجب عند الله عز وجل اللعنة في العاجل والآجل ، ولحم العلماء والدعاة والمربين مر لمن ينهشه باطلا وافتراء .
وسوم: العدد 683