الهوينة ..الهوينة
لقد استمعت إلى تسجيل يقول فيه أحد الأخوة الأجلاء من أهل الفكر والمعرفة:أننا في الأمة العربية وفي السعودية رُبينا على كراهية الآخر...وليأذن لي الأخ العزيز أن أخالفه في مسألة التعميم وطمس وتجريد أجيال الأمة من مكارم الأخلاق والحكمة ومن أي رؤية عاقلة راشدة..فهذا ليس جلد للذات فحسب بل هذا وأد للأمة وترشيحها لأن تُستبدل بغيرها..؟؟؟!!!أخي الحبيب الفاضل:لا شك أن كثيراً مما نعانيه في مسألة اضطرب المفاهيم في علاقتنا مع الآخر وكثير من اضطراب المفاهيم في التعامل مع روح ومقاصد النص الديني فيما بيننا..إنما هو بفعل أيدينا ومن عند أنفسنا..وشأننا في ذلك شأن أي أمة من أمم العالم فسلوك الإنسان يصدر عن ذهنه ووجدانه..والعالم اليوم كله غاضب فالكل متوتر والكل يمارس الحمق والنزق..وما ذاك إلا بسبب اختلال معايير البناء الذهني والوجداني للأجيال..إذاً نحن أمام ظاهرة خلل عالمية تعتري سلوكيات الأجيال ومفاهيمها..فماذا نحن فاعلون..؟علينا ونحن نواجه هذه الظاهرة المخلة والمختلة أن نبحث عن نهج علمي وموضوعي وأن نتحرى المهارة والحكمة..ونحتاج إلى قفزة متزنة تمكننا من ظهر الحصان ومن التحكم بعنانه..لا أن تلقي بنا إلى ما بعد الحصان فنسقط ويفلت المقود من أيدينا..فالأمة بعامة والشباب السعودي بخاصة ليس كما وصفت وعممت بأنهم بالجملة أُصلوا على كراهية الآخر من داخلنا وخارجنا ..وأن هذا التأصيل في تكوينهم التربوي على النحو الذي ذكرت لا يزال ماضياً ..وأن لا فائدة من الحوار والتحاور لإصلاح ذلك..ودعني أخي الكريم أسأل:فإن كان الحوار والتحاور لا يجدي في إصلاح ذلك ..؟ فما هو البديل عندكم..؟ومن جهة أخرى ألستم سعادتكم واحداً من أبناء الأمة ومن أبناء الشعب السعودي..؟فما الذي نجّاك وعافاك من هذا التأصيل التربوي المخل..؟ألديك مناعة فطرية تجاه هذا النوع من التأصل المخل الذي قلت به..؟؟؟أم أنك استوردت هذه المناعة الحميدة من الآخر ..؟وهل الآخر محب على الإطلاق للآخر..؟أم ماذا سلمكم الله تعالى..؟وبعد فمن أين أتيت بهذا المنطق وهذه الرؤية الحكيمة ..؟أنا أوافقك أن هناك اختلالاً في البناء الذهني والوجداني عند بعض شرائح مجتمعاتنا..وهذا موجود في كل المجتمعات بلا استثناء..ولكن هناك جوانب مشرقة في أخلاق وسلوكيات أجيالنا ينبغي ألا نغمطها وألا نبخسها..أنا أعرف وأجالس المئات من أبناء الأمة ومن أبناء الشعب السعودي..ومنذ أيام فقط دُعيت إلى ندوة حوار يحاضر فيها شاب سعودي ذو مهارة وفهم واعد..سمعت منه أكثر مما سمعت منك من عبارات التعقل والحكمة وكأنني بين يدي إنسان في السبعينات أو يزيد من العمر..وكان في محاضرته يؤكد رفض كراهية الآخر ويدعو إلى التفاهم والمحبة والتعايش مع الآخر..لكونه أخاً في الإنسانية وشريكاً في مهمة الاستخلاف في الأرض من أجل عمارتها وإقامة العدل والأمن في ربوعها..ومن أجل بناء التعايش والتعاون والتنافس مع الآخر في ميادين فعل الخير وصرف الفساد والإفساد عن المجتمعات البشرية..أجل الهوينة..الهوينة يا أخي الفاضل..بارك الله تعالى فيك وفي توجهك الحكيم..ووفق الجميع لبناء أجيال مسؤولة راشدة..والله سبحانه المستعان..ولك وللجميع خالص تحياتي ومودتي.
وسوم: العدد 684