عاشوراء.. نجاة وعطاء و وقف دماء

أحلى ما في الطفولة أنها بريئة صافية، وأسعد ما في الزمن حين تصدق الأيام بعضها بعضا. وما عاشه الطفل وهو لم يدخل المدرسة تؤكده الأيام وهو اليوم يمتطي عقده الخامس بثمانية أشهر .

كسكس يتربع على الموائد، وحيوية تعلو الأطفال، ووقار يميّز الكبار، وفرح لدى الموظفين لأنه يوم راحة وعطلة، وتنافس بين النسوة في أيهن تقدم أحسن طبق، وسعي من الآباء لإدخال البهجة على الأهل والبناء .

يخيّل للقادم أنه في شهر رمضان، لأن الأسرة كلها تقبل على صيام التاسع والعاشر بما فيها الأطفال الذي يقدرون على الصيام.

وتتخذ النسوة في الجزائر صيام التاسع والعاشر لتقضي ما عليها من أيام، وكم تفرح حين يوفقها ربها لذلك .

مع العلم ظاهرة الصيام الجماعي في شوال ، وعرفة، والتاسع والعاشر لم تكن معروفة أيام الطفل حين كان يلهو ويعبث، لكنها إنتشرت لدى الأسر الجزائرية في العقدين الماضيين بشكل كبير جدا، حتى أمست قاعدة لدى نسبة كبيرة جدا من المجتمع الجزائري.

وعاشوراء مناسبة لإخراج زكاة من بلغ النصاب. فيفرح الغني لأنه يدفع حق الفقير وهو في كامل حريته ودون أن يهدده أحد أو يضغط عليه أيّ كان، ويفرح الفقير لأن يوم بذل وعطاء، فينال ما قدر له أن يناله.

وما يجب أن يسجّل في مثل هذه المناسبة، أن عدد الأغنياء والأثرياء في تزايد مستمر، وهو ما لم يكن حين كان الطفل يعبث ويلهو.

وتسغل عاشوراء لدى الجزائري من رجال ونساء، يكثرون من طرح الأسئلة على الأئمة والفقهاء فيما يخص إخراج الزكاة ، سواء الحالية منها، أو السابقة التي لم يستطع المرء إخراجها لسبب من الأسباب.

ومع تزايد عدد المقيمين بالدول الأوربية، وكندا، ودول أخرى، تطرح عدة أسئلة فيما يخص إخراج الزكاة بالعملة الوطنية أو بالعملة الأجنبية، وأيهما أحسن، وما هو المبلغ الواجب إخراجه.

هذه هي عاشوراء في ربوع الجزائر مذ كنت طفلا لا أعقل. نجاة، وبذل وعطاء، وصيام، وإدخال السرور على الأهل والأبناء، وإستحضار العبر واستنطاق التاريخ من جديد.

فطرة سليمة تقوم على سلوكات سليمة، وتحترم من خالفها في كيفية الاحتفال، فلكل مجتمع شأنه وعاداته وطقوسه. ولكل مجتمع نقطة تاريخ يعود إليها وينطلق منها، ويعطيها من التفسير والتعليل ما يراه مناسبا لما قام به بالأمس واليوم.

وصيام مقبول لكل جزائري صام التاسع والعاشر يوم الثلاثاء والأربعاء 1438 هـ. ونغتنم فرصة النجاة والبذل والعطاء، لتقديم كافة التحايا للعرب والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها على يوم عاشوراء، سائلين المولى عزوجل أن يعيده على الجميع في أمن ورفاهية وسلام .

وسوم: العدد 689