هل بالفعل تتضمن مقرراتنا التعليمية فكرا متطرفا يقتضي التطهير؟
نشر أحد المواقع المغربية خبرا مفاده أن المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة المعروفة اختصارا ب : " الإسيسكو " وبالشاركة مع ما يسمى "المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب " قد نظمت يوم أمس الثلاثاء فاتح صفر الخير وفاتح نوفمبر لقاء بمقرها بالرباط تدعو فيه إلى تطهير المقررات التعليمية من الفكر المتطرف . وأشار الخبر إلى أن ممثلة عن وزارة الخارجية البريطانية دعت إلى إشراك الجميع في محاربة التطرف من خلال التركيز على مسألة التعليم بحيث يلقن التلاميذ رفض الأفكار المتطرفة ، واحترام أتباع الديانات الأخرى . كما أشار نفس الخبر إلى أن ممثل وزارة الخارجية الإماراتية دعا إلى ضبط الخطاب الديني في المؤسسات ومناهج التعليم النظامي والديني. وأشار الخبر إلى أن ممثل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي ذكّر بما قامت به الوزارة من مكافحة التطرف في مجال التعليم الديني ، وهيكلة الحقل الديني ، ودعا إلى عالم يتعايش فيه الجميع على أساس القيم الإنسانية .
وأول ما يتبادر إلى ذهن المطلع على هذا الخبر السؤال الآتي : لماذا يعقد هذا اللقاء خصيصا في المغرب ؟ فهل تتضمن مقرراتنا التعليمية فكرا متطرفا يقتضي التطهير كما جاء في عنوان الخبر ؟
قد يكون الجواب عن هذا السؤال هو أن المغرب عرف مؤخرا عملية مراجعة مقررات مادة التربية الإسلامية ، وهنا يطرح سؤال آخر : هل كان في المقررات التي تمت مراجعتها في هذه المادة فكرا متطرفا ؟ وإذا كان الجواب بنعم ، ما طبيعة ذلك الفكر المتطرف ؟ ولماذا لم يتم الانتباه إليه من قبل ؟ وإذا كان الجواب بلا ، فلماذا تمت مراجعة تلك المقررات ؟ وما هي الأسباب التي دعت إلى ذلك بالرغم من خلو مقررات تلك المادة مما يقتضي المراجعة من الفكر المتطرف ؟ ومن المؤكد أن ما يسمى " المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب " هو الجهة التي تقف وراء الدعوة إلى مراجعة المقررات التربوية والتعليمية وتطهيرها مما سمته الفكر المتطرف ، خصوصا بعد الاعتداءات الإرهابية التي وقعت في بعض دول العالم وتبناها أشخاص يحملون فكرا دينيا متطرفا محسوبا على دين الإسلام .
ومن المعلوم أن الفكر المتطرف الذي يتولد عنه العنف والإرهاب قد يكون دينيا وقد يكون لادينيا أيضا لأن التطرف والإرهاب لا وطن لهما ، لهذا من المغالطات نسبة التطرف للدين وحده ، وتحديدا الدين الإسلامي ، وكأن الديانات الأخرى منزهة عن التطرف . ولا شك أن قصر التطرف على دين بعينه يعني أنه مستهدف دون غيره ، وأن وراء الاستهداف قصد وغاية . وتفيض جهات عدة في موضوع التطرف والإرهاب وبشتى الطرق والأساليب دون الإشارة إلى سبب نشأة هذا التطرف الذي تولد عنه الإرهاب في العالم . ولا أحد جرؤ على ذكر أو مجرد الإشارة إلى هذا السبب ، فممثلة وزارة الخارجية والكومنولث بالمملكة المتحدة ( سو بريز) وقد يشي اسمها بهويتها الحقيقية ، والتي دعت إلى تلقين التلاميذ كيف يرفضون التطرف ، وكيف يحترمون أتباع الديانات الأخرى ، قفزت أو تجاهلت كيف أن بريطانيا لم تحترم الديانة الإسلامية في أرض فلسطين حين اختلقت الكيان الصهيوني فيها ، وجلبت إليها الفكر الصهيوني العنصري المتطرف ، وأطلقت أيدي العصابات الصهيونية الإجرامية لقتل وتهجير سكانها الأصليين عن طريق الإرهاب الذي تغذيه العقيدة الصهيونية . وقفزت السيدة (بريز) عن حقيقة مفادها أن اليهود هم والمسيحيون عاشوا في فلسطين بين المسلمين لقرون طويلة دون أن يتعرضوا للتشريد كما فعلت العصابات الصهيونية بالمسلمين وبمباركة ودعم الاحتلال البريطاني الذي حلت محله . وتعمدت السيدة ( بريز) أيضا تجاهل الإرهاب الصهيوني في أرض فلسطين والذي ما زال العالم لم يعرف مثيله ، وقد وطد للعنف بكل أشكاله في العالم . وتعمدت السيدة ( بريز) أيضا تجاهل التطرف الصهيوني الذي لا يحترم أقدس المقدسات في أرض فلسطين ، وتدنس جماعاته المتطرفة المسجد الأقصى بحماية القوات الإسرائلية التي تمنع المسلمين من إقامة شعائرهم الدينية فوق أرض وطنهم المحتل بالقوة . والسؤال المطروح على السيدة ( بريز) هل تخلو المقررات التربوية والتعليمية والدينية الصهيونية من الفكر المتطرف ؟ وهل يلقن الصهاينة أبناءهم رفض الأفكار المتطرفة ، واحترام أتباع الديانات الأخرى خصوصا المسلمين ؟ ألم يكن من الأجدر عقد هذا اللقاء في تل أبيب حيث من المؤكد أن برامجها التربوية والتعليمية والدينية تتضمن فكرا متطرفا ؟ أما ما صرح به ممثل وزارة الخارجية الإماراتي ، وممثل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي فمجرد عزف على وتر ما يسمى المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب استجابة لإملاءات خارجية ، علما بأن هذا المنتدى إنما يهدف في الحقيقة إلى حماية الكيان الصهيوني العنصري الذي يعتبر المقاومة الفلسطينية إرهابا ، ويرى أن كل فكر يرفض الاحتلال الصهيوني يعتبر فكرا متطرفا ومولدا للإرهاب . و يريد هذا المنتدى أن يلقن التلميذ العربي المسلم احترام العقيدة الصهيونية التي تحتل أرضه ، و تقتل وتشرد أهله . ومن المؤسف أن تناول البرامج التربوية والتعليمية العربية لمأساة فلسطين وشعبها صار يعتبر تطرفا لأن الدول الغربية التي تدعم الكيان الصهيوني تسلك المقاومة الفلسطينية ضمن الحركات الإرهابية إرضاء لإسرائيل . ولا يستبعد أن تكون فكرة إنشاء ما يسمى المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب إنما مصدرها الكيان الصهيوني ومن يدعمه لترسيخ وجوده في أرض احتلها بالقوة، وتكريس سياسته العنصرية العدوانية ، ومحاولة إضفاء الشرعية الدولية عليها . وإن هذا الكيان الغاصب ومن يدعمه يريدون تنشئة أجيال عربية لا تحمل هم ضياع فلسطين ومقدساتها من خلال ما يسمى تطهير المقررات التربوية والتعليمية والدينية مما يسمى فكرا متطرفا . وهذه هي الحقيقة التي يتم التمويه عليها من خلال شعار محاربة الإرهاب ، وهو شعار حمال أوجه كما يقال ، ذلك أن معناه يختلف ما بين الفهم الإسرائيلي والفهم الداعم له حيث تعتبر مقاومة الاحتلال الصهيوني لفلسطين إرهابا ، وبين الفهم العربي الذي لا يمكن أن يعتبر تلك المقاومة كذلك ، بل يعتبر الاحتلال الصهيوني إرهابا إلا أن يكون فهما مستأجرا أوعميلا . ومعلوم أن تعريف الإرهاب بعيدا عن الفهم الصهيوني هو ذلك العنف الذي لا مبرر له ، وهذا يعني أن التعريف الصهيوني ومن يدعمه للإرهاب لا يستقيم ،ومن ثم لا يمكن اعتبار مقاومة الاحتلال الصهيوني إرهابا. ومن المزايدات على الإسلام اعتبار نصوصه المقدسة من قرآن كريم وحديث شريف نصوصا تتضمن الدعوة إلى العنف والإرهاب ، وإلى كراهية الديانات الأخرى خصوصا اليهودية والمسيحية ، لهذا وجب عدم اشتمال المقررات التربوية والتعليمية على تلك النصوص ، وهذه مغالطة مكشوفة لأن تلك النصوص لها سياقاتها ولها أسباب وظروف نزول لا يمكن أن تتجاهل عن عمد من أجل تجريم فريضة الجهاد في الإسلام وحملها على الإرهاب ، ذلك أن نبي الإسلام عليه السلام لم يكن يمارس الإرهاب بجهاده، وإنما كان يرسخ الأمن والسلام والسلم في العالم . ولقد كان جهاده أولا بالقرآن لإقناع الناس بالقيمة الإنسانية للرسالة الخاتمة ، ولم يؤمر بجهاد القتال حتى ظلمت دعوته واستهدفت ، وكان جهاده دفاعا عنها لا هجوما على الغير . وكما حارب النبي صلى الله عليه وسلم من حاربه ، سالم ، وعاهد أيضا من سالمه ، وكانت المسالمة أصلا عنده لأنه بعث رحمة للعالمين بينما كانت المحاربة استثناء من أجل نشر رحمته في العالم . ولا يمكن اعتبار اطلاع الناشئة على جهاد النبي صلى الله عليه وسلم تحريضا لها على العنف و كراهية الغير ، أو عدم احترام معتقداته . وهذا الفهم عبارة عن جناية مكشوفة على تعاليم الإسلام . والحيلولة دون اطلاع الناشئة المتعلمة على تعاليم دينها يعتبر تضييقا على معتقدها ، واعتداء على حرية تدينها وعلى حقها في معرفة دينها في مصادره قرآنا وسنة . وإن شطب ما يعلق بفريضة الجهاد من المقررات الدراسية سيجعل الناشئة المتعلمة تتساءل عن السر في ذلك ، وربما شككها ذلك في دينها وجعلها تظن به الظنون السيئة ، وتصدق ما يلصق به من تهم باطلة هو براء منها ، بل ربما كان ذلك سببا في إقبال هذه الناشئة على سوء فهم فريضة الجهاد التي لا توجد في مقرراتها الدراسية ، في حين توجد في مصادر أخرى لا تقدمها التقديم الصحيح .
وإذا كانت الكتب والبرامج الدينية وتحديدا الإسلامية تخضع لمراجعات ، فإن غيرها من الكتب والبرامج لا تخضع لهذه المراجعة ، ولا يلتفت إلى ما تحمله من فكر قد يشكل خطورة على دين الناشئة المتعلمة وهويتها الإسلامية من قبيل الفكر اللاديني أو الإلحادي أواللائكي أوالعلماني أو الإباحي أو التنصيري أو التهويدي ... تحت شعارات مثل الحداثة والمعاصرة وما شابه ذلك . ومقابل خضوع الكتب والبرامج التعليمية الدينية الإسلامية لا نسمع بمراجعة الكتب والبرامج التعليمية الصهيونية حيث توجد مواد تلقن التلميذ الصهيوني كراهية العرب والمسلمين واحتقارهم ، واعتبارهم أعداء ،و مصدر تهديد للصهيونية . وتحاول بعض الجهات المأجورة الخلط بين موقف الإنسان المسلم من الصهيونية باعتبارها حركة عنصرية محتلة ، وبين اليهودية كدين ، فالإنسان المسلم لا يحمل كراهية للدين اليهودي، لأن ذلك من تعاليم الإسلام السمحة ، وقد تعايش مع اليهود محترما دينهم لقرون ، والنموذج المغربي شاهد على ذلك حيث يوجد يهود مغاربة يتقاسمون مع المغاربة المسلمين الانتماء للوطن ، وهم يناهضون الحركة الصهيونية العنصرية وإن ادعت الانتماء للديانة اليهودية للتمويه على طبيعتها العنصرية العدوانية ، ولتضليل اليهود في العالم بأنها تدافع عن هذه الديانة من خلال ممارستها للإرهاب ضد المسلمين في فلسطين .
ومعلوم أن الجماعات المحسوبة على الإسلام والتي تمارس الإرهاب والإجرام باسمه، وهو منها براء إنما تبرر ذلك هي الأخرى بذريعة محاولة الدفاع عن المقدسات ، والسبب في ذلك هو أن احتلال الكيان الصهيوني لأرض فلسطين هو الذي أمدها بتلك الذريعة لممارسة العنف الأعمى، علما بأن هذه العصابات الاجرامية لا توجه عنفها مباشرة ضد الكيان الصهيوني المحتل ، الشيء الذي يؤكد أنها عصابات مستأجرة ومصنوعة لتمد هذا الكيان بذريعة الإجهاز على المقاومة الحقيقية التي تريد تحرير فلسطين المحتلة . والكيان الصهيوني يتعمد الخلط بين المقاومة التي تواجهه لتحرير أرضها وبين العصابات الإجرامية المتعطشة لسفك الدماء، والتي تروم تشويه سمعة الإسلام لتنفيرالرأي العام منه، ولصرف أبنائه عنه . ولا شك أن محاربة الإرهاب تبدأ من استئصال سببه الرئيس وهو الاحتلال الصهيوني لفلسطين وللأرض العربية، لأن ذلك سيضع حدا لكل أشكال العنف والإرهاب التي يعج بها العالم اليوم ، وعلى رأسها الإرهاب الصهيوني ، وسيبطل كل ذريعة لممارسته ، أما البداية من فكرة تطهير الكتب والبرامج والمقررات التعليمية الخاصة بالمواد الإسلامية فمغالطة للذات ، واعتراف مجاني بأن الإسلام فيه مضامين إرهابية ، وبالمسؤولية عن ما يرتكب من جرائم باسمه من طرف عصابات إجرامية مع تعمد غض الطرف عن جرائم الصهيونية التي لا ترقى إلى مستواها جرائم . وكل مقرر دراسي يخلو من الإشارة إلى الاحتلال الصهيوني للأرض العربية ، يعتبر خيانة للأمة لا يغفرها الله عز وجل ولن ينساها التاريخ ولن تغفرها الأجيال العربية القادمة . وأخيرا لا بد من الإشارة إلى أن انعدام العدالة، وشيوع الظلم في البلاد العربية ، وسوء الأحوال الاجتماعية والاقتصادية إلى جانب الشعور بالهزيمة أمام الاحتلال الصهيوني والغزو الغربي هو بمثابة الحطب الجزل الذي يوقد نيران العنف والإرهاب حيث يحمل هذا الوضع السيء الناشئة على تبني الفكر المتطرف والعنيف ، لهذا تجدر مراجعة مقررات وبرامج العدالة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لمنع تسرب اليأس إلى نفوس الناشئة ، وقد ثبت أن العناصر المتورطة في العنف والإرهاب إنما هي من الشرائح الهشة الفقيرة التي تعاني البؤس والتهميش . وصدق من قال : " العدل أساس العمران " .
وسوم: العدد 692