كم تمنيت لو ماتت أمه أو أبوه
سأكتب القصة بالسياق الذي قرأته ، ليس من أجل التشويق القصصي، لكني أريد أن أسبر حقيقة مشاعري أمام مشاعر الآخرين ، هل خرجت عن طور إنسانيتي في هذا الزمن الموحش ؟، أم أني لا زلت أملك مشاعر إنسان طبيعي؟.
أحداث القصة حصلت في الحرب العالمية الثانية ، لأسرة تتألف من زوج و زوجة و إبن وحيد لهما، التحق الزوج بالحرب ، و ترك زوجته و ابنه ، و في إحدى المعارك مات كل الذين كانوا معه باستثنائه هو و ثلاثة من رفاقه نجوا فقط ، ثم لاحقه الأعداء في الغابة لعدة أيام ، فاضطر للغوص في مستنقع مائي و تنفس عبر أعواد القصب حتى غادر الأعداء و نجا من الموت مرة ثانية ، و في المرة الأخيرة تعرض لإنفجار قنبلة في إحدى الكمائن ، و كانت إصابته خطيرة جداً ، و شدة المعارك كانت تحول دون إسعافه ، إلا أن أحد رفاقه غامر و استطاع أن يوصله إلى المستشفى و كانت حالته حرجة جداً ، إلا أنه شفي من إصابته البليغة بعد فترة من الزمن ، لكن رجله كانت قد عطبت تقريباُ، و هذا ما حال بينه وبين العودة إلى جبهات القتال مرة أخرى، فقام أحد أصدقائه ، و ساعده بالعودة إلى منزله ، و في لحظة وصوله أمام المنزل وجد عمال البلدية يقومون بإجلاء الجثث الميتة من داخل المباني و الطرقات نتيجة تفشي الجوع و المرض ، و وجد جثة زوجته قد وضعت فوق الجثث، إلا أنه انتبه إلى أنها لا تزال تتنفس، فقام – بعد عراك مع العمال - بإنزال زوجته من سيارة الموتى ، لأنهم كانوا مصرين على أخذها، و قالوا له هي بحكم الميتة و لو أنها تتنفس ، مرت الأيام و تحسنت حالة الزوجة و من ثم شفيت ، في أثناء وجود الزوج في المستشفى كان ولدهما الوحيد قد مات من المرض ، و بعد عدة سنوات من انتهاء الحرب أنجبا طفلاً.
من هو هذا الطفل؟.
و أنا أقرا القصة كنت مشدودا إلى أحداثها أدعو الله في كل مرة أن ينجي الزوج من محنته ، أذرفت عيناي الدموع أمام مشهد عودة الزوج إلى بيته، بعد مسيرة صراع طويل مع الموت، ليجد زوجته في تلك اللحظة على حافة الموت ، لكنني صدمت عندما عرفت في نهاية المطاف أن من بين كل تلك المعجزات التي تمنيت أن تحدث وحدثت، جاء و ولد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتلك العائلة ، لعنت كل مشاعر الإنسانية التي كانت تنبض في داخلي ، و تمنيت لو مات أبوه أو ماتت أمه في أي من المواقف التي تعاطفت معها، فما ذنب أطفال سوريا لكي يدفعوا ضريبة تحقق كل تلك المعجزات دفعة واحدة؟ ، كم من طفل سوري قتله هذا الوغد بوتين؟ و كم من أم رملها؟ و كم من أسرة شردها ؟ و كم من أطفال يتمهم ؟ و كم من عائلة دفنها و هي حية تحت سقف بيتها ؟ .
في إحدى المشاهد المبكية لعجوز حلبي يخرج من تحت الأنقاض يقول باللهجة السورية (روسيا شو دخلها فينا حتى تجي و تذبحنا ؟! ).
و هل حملت جينات بوتين عصارة إجرام الحرب العالمية الثانية من مأساة أبيه و أمه ، حتى ينتقم من البشرية بهذه الطريقة عندما سمحت له الفرصة؟.
لكن لماذا نضع اللوم على بوتين ، أليس من جلب بوتين هم أبناء جلدتنا؟ ،
و هل القضية تتوقف على بوتين فقط؟
ماذا عن قاسم سليماني ؟، الذي جاء من إيران و هو يدير معركة الموت من حلب إلى الفلوجة إلى صنعاء؟ ماذا عن علي عبدالله صالح؟، ماذا عن حسن نصر الله؟، ماذا عن القذافي؟، ماذا عن حافظ الأسد؟، ماذا عن بشار الاسد؟.
بشار الأسد الذي لم يكن موجوداً على الخريطة السياسية لمستقبل سوريا ، لا من قريب ولا من بعيد، كان الوريث المهيأ للحكم أخوه باسل ، إلا أن باسل مات (أو قتل) لكي يستلم هذا المعتوه سوريا على طبق من ذهب.
و من هنا أقول من واجب الشعوب العربية أن تبني تماثيل لزين العابدين ابن علي الرئيس التونسي السابق - في كل الشوارع و كل الساحات - و الذي غادر تونس لكي لا يتوغل في دماء التونسيين، بعيداً عن أي حيثيات و تفاصيل ما حدث؟.
فالشعوب العربية اليوم لا تحتاج إلى قادة ينهضون بها إلى الأمام، بقدر ما هي أولاً بحاجة إلى الخلاص من قواديها الذين لا يتوانون لحظة عن سفك دماء أبنائها ، و تدمير أوطانها بالإستعانة بالغريب و القريب لتأديبها في حال خروجها عن فروض الطاعات.
وسوم: العدد 693