القوة الجبانة

- كانت راعية أصبحت لا تراعي -

حينما تكون قويًا شجاعًا تملك من النخوة ما يكفي؛ فإنك ترفض أن يتعرض صديقٌ لك أو جارٌ لك للابتزاز أو الإهانة أو الأذى؛ فتدفعك نخوتك وشجاعتك أن تسرع لمساعدته، وحمايته والزود عنه، والوقوف إلى جانبه بكل ما أوتيت من قوة.

أما إن كنت ضعيفًا جبانًا فإنك لا تملك من القوة ولا الشجاعة ما يجعلك تُسعى لإغاثة أخاك حتى الذي يسكن البيت نفسه الذي تسكنه أنت، حتى وإن تعرض للموت؛ فتخشى الاقتراب حتى لا يصيبك ما أصابه، فأنت لا تملك هذه النخوة، ولا تفكر إلا في مصلحتك وأمانك الشخصي.

والمفارقة هنا أن تكون قويًا وقادرًا وتملك من الإمكانات والأدوات ما يمكِّنك من فعل ما تريد، وعلى الرغم من تلك القوة القريبة البعيدة وهذه الأدوات الموجودة المفقودة؛ فإن الخوف والذعر يضرب عروقك ويصبح الجبن في نظرك عين الأمان والسلامة؛ بمجرد مواجهة أزمة حقيقية واختبار ليس صعبًا للدرجة التي يهرب منها من يملك تلك القوة والإمكانات ..

ففي الماضي القريب ومنذ أربعة أعوامٍ من الآن، وتحديدًا في صيف عام 2012، وأثناء القصف الصهيوني البشع والعنيف على قطاع غزة الفلسطيني والتزايد الرهيب في عدد الضحايا والشهداء، فزع رئيس الحكومة المصري وقتئذٍ "د/هشام قنديل" وأسرع إلى داخل القطاع، ثم اجتمع بالسيد اسماعيل هنية، والسيد خالد مشعل، وقام بتقديم كل ما أمكن تقديمه من دولة بحجم وقيمة ومكانة مصر، وواجبها تجاه القضية الفلسطينية، تم الإسراع في تقديم ما لزم من إغاثة طبية، ومساعدات غذائية، إلى جانب الدعم الإعلامي للقضية، والعمل على فضح الكيان الصهيوني في هذه الأثناء، وليس هينًا أن يدخل رئيس الوزراء المصري إلى المشفى العام الخاص بإغاثة الضحايا؛ فقد كان معرضًا للقصف في أية لحظة.

حينها كانت مصر تملك من القوة ما يدفعها لمثل هذه المواقف، وأن وتقوم بدورها وواجبها في رعاية إخوانها في البلاد الأخرى.

والآن فعلى النقيض التام، وفي هذه الأيام التي تشهد أزمة كبيرة جراء هطول السيول المدمرة على مدينة رأس غالب بمحافظة البحر الأحمر المصرية.

فعلى الرغم من القوة والسيطرة والإمكانات والمليارات التي تمتلكها الحكومة الحالية في مصر؛

فقد جاءت ردة فعل الحكومة المصرية كالتالي :

لم يستطع رئيس الوزراء الحالي فعل شيء أكثر من وصوله إلى الكمين التابع لوزارة الداخلية على أطراف مدينة رأس غالب كحدٍ أقصى من الشجاعة؛ خوفًا من أن يطاله شيء مما أصاب الناس من أهل المدينة الذين فارقوا من بينهم أكثر من 20 قتيلًا.

ذهبت السيارات الفارهة بالموكب الضخم إلى الكمين لبضع دقائق ثم عادت مرة أخرى من حيث جاءت على حد قول الأهالي.

كانت هذه ردة الفعل التي أنتجتها قلوب خائرة ليس فيها من العزم والشجاعة ما تمتلكه الحكومات القوية الناجحة المسيطرة بالمعنى الحقيقي للسيطرة الذي لا يعني القوة فقط !.

ثم تذهب إحدى المتاجرات بألام الناس، وهي مقدمة برنامج "صبايا" البرنامج الشهير،

فما إن وصلت واستعدت لوظيفتها - التي كلفت بها من قبل المكتب الشهير في التسريبات مكتب اللواء (ع – ك) - إلا أن ثار عليها أهل القرية، ومنعوها من التصوير وقاموا بترضها من المكان لتسحب مُعدَّاتها وترحل!

مدينة رأس غالب التي دمرت السيول منطقتها الصناعية لتخلف خسائر تزيد عن 400 مليون جنيه على حد قول مراسل قناة صدى البلد..

مدينة رأس غالب التي فقدت أكثر من 20 قتيلًا، وأكثر من 70 مفقود وأكثر من 100 مصاب على حد قول الأهالي فى استطلاع رأي على نفس القناة المذكورة آنفًا ..

مدينة رأس غالب التي أهملتها الحكومة كما يهمل الأخ الجبان الضعيف أخاه بسبب ضعفه وضياع نخوته .

وهنا تحولت مصر من دولة كبرى ترعى شعوبًا مجاورة وتعمل على إغاثتهم - وهذا دورها وهذه مكانتها الحقيقية فى الواقع- إلى دولة لا تراعي شعبها نفسه.

وهنا يأتي سؤال أنتجته الأزمة ولم ينتجه المفكرون وهو :

ألم يُقدر الله تعالى لمصر حتى الآن أن يحكمها رجال بنوا أجسادهم على الحلال فصارت النخوة والشجاعة سمة يتسمون بها ؟!

أم إن النخوة جاءت إلى مصر في عام 2012 عن طريق الخطأ ثم عادت من حيث أتت ؟ !

*****************************

أحمد السَّخي

ليسانس اللغة العربية والدراسات الإسلامية دار العلوم جامعة القاهرة محرر ومصحح لغوي

تخرجت من كلية دار العلوم منذ عامين أعمل مصححًا ومتحت التدريب محررًا . اكتب الشعر أحيانًا وأنشده وأكتب القصة القصيرة

وسوم: العدد 693