شموخ
اتصل بي سيد قطب تليفونيا ذات يوم وطلب مني أن آتي إلى منزله سريعا
وطلب مني باستحياء أن أحضر معي بضعة عشر جنيها قرضا ، ليشتري بها دواء ، وهو مريض ولا يملك ثمن الدواء !! .
فذهبت إلى المنزل سريعا ومعي المبلغ المطلوب ..
ولما دخلت غرفة الإستقبال ، رأيت مشهدا عجيبا ،أقسم لقد دهشت مما رأيت !
كان يجلس في الغرفة، موظف دبلوماسي في سفارة دولة عربية بترولية ، وأمامه حقيبة مليئة بالأوراق المالية من مختلف الأرقام والفئات ، تبلغ في مجموعها عدة آلاف من الجنيهات تقريبا !! .
وهو يرجو سيد قطب بإلحاح ورجاء وحرارة أن يأخذ الحقيبة ، بما فيها من أموال ، فهي هدية من دولته له ، لأنها تعرف منزلته ومسؤولياته ، وتريد منه أن يستعين بها على أعباء حياته ، وتمويل مشروعاته الأدبية والفكرية ، وكان سيد وقتها بصدد إصدار مجلة أدبية وفكرية إصلاحية – لعلها العالم العربي أو الفكر الجديد .
فنظرت إلى سيد قطب الذي كان جالسا مريضا ، فإذا به حزين ..
ثم رد هدية الرجل بحزم وأدب ، وبدا عليه الغضب والحدة ، وهو يخاطبه قائلا :
إنني لا ابيع نفسي وفكري بأموال الدنيا ، فأعد أموالك إلى حقيبتك مشكورا !! .
ثم التفت سيد إلي وقال لي : هل أحضرت ما طلبته منك ؟
فقلت له : نعم ، وناولته المبلغ ، وأنا في غاية الدهشة والإستغراب والإنفعال !!!
ولما عرف الدبلوماسي قصة هذا المبلغ ، وان سيد يومها فقير لا يملك ثمن الدواء ، ومع ذلك استعلى على آلاف الجنيهات ورفضها وردها مع حاجته الماسة إلى بعضها ... خرج محتارا متعجبا !! .
يقول الاستاذ أحمد : هذه الحادثة أثبتها وأسوقها بدون تعليق .. وأقدمها هدية لمن يتناولون حياة سيد قطب وفكره وآراءه الحركية ومواقفه الجهادية ، بالتخطئة والنقد والاتهام والتجهيل ... وهم يعيشون في ترف ظاهر ، ويلهثون وراء المال ، ويرتبطون الارتباطات المشبوهة ، ويتصلون الإتصالات المريبة ، ويمدون أيديهم لهنا وهناك !!
واقول لهم : قليلا يا هؤلاء !
ورحم الله امرءا عرف قدر نفسه فوقف عندها !!
واين أنتم من هذا الرجل الزاهد المتجرد الشهيد بإذن الله ؟!!!.
...
الصحفي السعودي أحمد عبد الغفور عطار
مؤسس صحيفة عكاظ السعودية عام 1379 هـ
وسوم: العدد 693