الخيانة الثقافية مجانا !
حين استولى العسكر على السلطة في بعض البلاد العربية عقب نكبة فلسطين وهزيمة الجيوش العربية عام 1948 وما بعدها ، كان على من يسمون بالمثقفين أن يصْطفُوا مجموعات للتخديم على استبدادهم ودمويتهم وطغيانهم . حدث ذلك في دمشق والقاهرة وبغداد وطرابلس وصنعاء والخرطوم والجزائر .. ثم امتد هذا التقليد إلى بقية العواصم المستبدة بوصفه طريقة جيدة وفعالة لتجميل الوجه القبيح للاستبداد العسكري والقمع البوليسي !
كان الشيوعيون أبرز المجموعات التي قامت بمهمة غسيل الاستبداد العسكري ، وكان الصعود السوفياتي الشيوعي عنصرا فاعلا في حسم مسألة التخديم على هذا الاستبداد عن طريق الرفاق المحليين ، فقد اشترط خروشوف على البكباشي أن يفرج عن الشيوعيين ويُمكّنهم من المؤسسات الثقافية والفنية والإعلامية والتعليمية التي كانت مجالا لخدمة الفكر الشيوعي تحت مسمى الاشتراكية العربية ، وعندما حدث التحول نحو العالم الرأسمالي كانت هذه المؤسسات مجالا لخدمة الفكر الغربي باسم التنوير والحداثة ، وفي كل الأحوال كانت غاية هذه المجموعات شن الحرب الضروس على الإسلام وقيمه وثوابته وفروعه ومؤسساته العلمية وفي مقدمتها الأزهر ، ورموزه وفي طليعتهم من يتمردون على السلطان العسكري أو الأعرابي !
وفي هذا الإطار كان الترويج لأعمال فكرية وأدبية وفنية في أسفل دركات الانحطاط ، وتصوير أصحابها على هيئة الأبطال والشهداء ، وخاصة عندما يتصدى لهم أصحاب الفطرة السوية ، وكم رأينا ملاحدة ومختلين ومنحرفين وأشباه كتاب ينشرون كتابات تحت مستوى القراءة ، ولكن مجموعات الخدمة في الأنظمة العسكرية والاستبدادية تتصايح من أجل ما يسمى حرية الإبداع والمبدعين ، وتتلقي الإشارةَ الجهاتُ الغربية ذات المصلحة في سحق الثقافة الإسلامية ، فتُمْنح الجوائز وتُوَجّه الدعوات ، وتُعْطِي حق اللجوء لهؤلاء الذين يحاربون الإسلام وثقافة بلادهم ، ويرافق ذلك حملات ردح منظمة للرجعية الدينية والظلامية والإرهاب والتخلف .
لا غرو أن تكون هذه المجموعات موالية لليهود الغزاة والغرب الصليبي الاستعماري أو الاستدماري بمعني أدق ..
الشيوعيون في مصر والبلاد العربية كان ولاؤهم ومازال لليهود الغزاة فأستاذهم اليهودي الخائن – هنري كورييل - مؤسس الأحزاب الشيوعية في مرحلة الحرب العالمية الثانية وما بعدها ، وهو الذي دافع ومعه الشيوعيون العرب عن حق اليهود الغزاة في الكيان المغتصب بفلسطين ، وهو الذي استنكر ورفاقه العرب دفاع الجيوش العربية عن فلسطين عام 1948، وهم الذين أبدعوا في التطبيع مع الكيان النازي اليهودي وأسهموا في اتفاقيات أوسلو المهينة ، وكثير منهم يفاجئنا بزيارة تطبيعية لفلسطين المحتلة تحت الراية اليهودية المنتصرة ..
لقد روّجوا للاحتلال الفرنسي بقيادة السفاح الصليبي نابليون بونابرت لمصر والشام ، ودلسوا على الشعوب العربية حين احتفلوا بغزوه لمصر وقتْل سُبع أهلها ؛ بالقول : إنه احتفال بالعلاقات الثقافية بين العرب وفرنسا ، واضفوا على الرجل الذي قتل سُبْع الشعب المصري هالات البطولة والعظمة والمجد .
ولم يكن الشيوعيون المصريون وأشباههم وحدهم في التعبير عن الولاء للغزاة القتلة يهودا أو غيرهم ، ولكن الشام والخليج واليمن والسودان والمغرب العربي الكبير شهد نوعيات مماثلة تدين بالولاء للغزاة الأوربيين ، وتتغزل في الغزاة اليهود . عرفنا أسماء عديدة في تونس والجزائر والمغرب تكتب بالفرنسية وتتبني التصورات العنصرية الغربية ، وتسخر من القيم والعقيدة لإسلامية ، وبعضهم كان مستشرقا عدوانيا أكثر من المستشرقين الغربيين أنفسهم خذ مثلا على ذلك : الطاهر بن جلون ، محمد أركون ، وهما من أشهر المتفرنسين أو المنتمين لما يسمى بحزب فرنسا .
وإذا كان بعض هؤلاء الموالين للغرب عامة وفرنسا خاصة ، يحصدون ثمن ولائهم نقدا أو جوائز أو شهرة ، فإن جيلا آخر يقدم فروض الولاء والطاعة للغرب ممزوجة بالخيانة لثقافته وقومه مجانا كي يحظى ببعض الشهرة أو الكتابة عنه في الصحف الغربية أو الحديث عنه في بعض البرامج التلفزيونية والإذاعية ..
خذ مثلا شخصا يدعى بوعلام صنصال من الجزائر كتب بعض الروايات المتواضعة التي تنتقد الإسلام ، ينتهز حادثة الاعتداء في نيس الفرنسية مؤخرا فيشبه هذا الاعتداء بما قام به مجاهدو ثورة 54 ضد الاحتلال الفرنسي وكتب في مقال له عنوانه "محطة لإرهابيين بتكلفة منخفضة".: إن "إرهابيي نيس لا يختلف عن إرهابيي جبهة التحرير الوطني"- يقصد الجبهة الجزائرية - وأضاف : إنه "في كلتا الحالتين، فإن الضحية واحدة وهي فرنسية". (عربي21، 21 يوليه 2016) .
السيد بو علام لا يعلم أن فرنسا قتلت من شعبه المسلم منذ عام 1830 حتى عام 1962 أكثر من عشرة ملايين جزائري ، وفي مذبحة واحدة وقعت في مايو 1945 ذبحت أكثر من 45 ألف جزائري مسلم . هل بعرف الفرق بين الجهاد والإرهاب؟
لقد أثار الصنصال موجة غضب عارمة بين الطبقة المثقفة غير المصطفاة بالجزائر، وقال بعضهم في لغة مهذبة : إن "الروائي صنصال يبحث دوما عما يناقض توجهات الجزائريين ويمس بعواطفهم من أجل الحصول على إشهار لكتاباته ، وليست هذه المرة الأولى التي يسيء فيها الرجل للثورة والمجاهدين الجزائريين الذين طردوا الاستعمار".
الرجل حانق على الثورة الجزائرية، وكتب عام 2008 رواية بعنوان "شارع داروين" نالت جائزة المكتبيين الألمان. وهي تتضمن سردا مناقضا لحقيقة ما وقع بمعركة الجزائر الشهيرة العام 1960. وقد حاز على جوائز عدة نظير مواقف منحازة للغزاة الهمج ومعادية للإسلام والمسلمين .
فرنسا الهمجية لم تعتذر حتى اليوم عن جرائمها ومذابحها ضد الجزائريين وفي عام 2007 قال الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي في خلال زيارته الجزائر: "لا يمكن للأبناء أن يعتذروا عما ارتكبه الآباء"، وأضاف: "كان هناك عنف مرتكب من الجانبين". ساركوزي بدا أكثر إنصافا من الجزائري صنصال ، ولكن الأخير قدم هدايا مجانية للغزاة القتلة من أجل الشهرة، والشهرة مرض قاده لزيارة القدس المُحتلة، وحائط المبكى( البراق ) ، والبكاء عنده، آملاً في الحصول على جائزة! ولكن هذا الانتهازي الخاسر كما سماه بعض الكتاب الجزائريين لا يفقه معنى الوطن والكرامة القومية ، مثله مثل الشيوعيين والليبراليين العرب والمأجورين الذين يعملون في خدمة الاستبداد والحكم العسكري الفاشل والغزاة الغربيين واليهود!
الله مولانا . اللهم فرّج كرْب المظلومين . اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم !
وسوم: العدد 696