قرية الكابري المهجرة..
د. محمد عقل
الموقع:
الكابري واحدة من القرى المهجرة والمهدمة، تقع عند سفوح الجليل الغربي، في شمال شرق عكا وعلى بعد 12,5 كيلو متر عنها، وعلى مسافة حوالي 5 كم من البحر الأبيض المتوسط، وحوالي 5 كم إلى الشرق من نهاريا، على ارتفاع 84 مترًا عن سطح البحر. في عام 1945 كان لقرية الكابري وقرية ترشيحا معًا: 47,428 دونمًا تركيّاً، منها 90 دونمًا لليهود، و- 10,030 دونمًا مشاعًا.
الاسم:
تدل المكتشفات الأثرية التي عثر عليها في الكابري على أن المكان كان مسكونًا قبل سنة 3200 قبل الميلاد. يخمن المؤرخون اليهود أن القرية تقوم على البقعة التي كانت تقوم عليها (كابريتا) أو (كابريته) المذكورة في التلمود. أما مصطفى مراد الدباغ في كتابه "بلادنا فلسطين" فيقول إن اسمها تحريف (كابرايا) الآرامية بمعنى الكبير والغني، وقد تبنى هذا التفسير وليد الخالدي في كتابه" كي لا ننسى". أسماها الصليبيون "Cabra". وقد حررها السلطان الأشرف خليل المملوكي سنة 690?/1291م، ويسميها المقريزي في كتابه السلوك لمعرفة دول الملوك باسم الكابرة من قرى عكا التي أوقفها السلطان الأشرف خليل على القبة المنصورية في القاهرة. في سجلات الضرائب العثمانية في القرن السادس عشر للميلاد يظهر اسم القرية "كابرا" ما يدل على أن اسم القرية مشتق من الجذر السامي "كبر" ويدل على حجمها الكبير وغناها.
السكان:
بلغ عدد سكان الكابري عام 1596 م (50) نسمة، وفي القرن التاسع عشر حوالي 400 نسمة. في عام 1922م كان في القرية 553 نسمة، وفي سنة 1931 بلغوا (728) نسمة لهم 173 بيتًا، وفي عام 1945 ارتفع عددهم إلى (1520) نسمة، بينما يُقدّر عددهم في سنة 1948م ب 1770 نسمة. في عام 1942-1943 كانت في الكابري مدرسة للبنين حتى الصف الرابع الابتدائي. امتازت القرية بجمال بيوتها وسعتها وكان يسكنها كبار الملاكين.
عيون الماء والقنوات:
في الكابري وبجوارها توجد أربع عيون ماء نبع مشهورة بغزارة مياهها وهي: عين المفشوخ وفي العبرية عين شيفع؛ عين الفوّار وبالعبرية عين جيح، وعين الباشا(الكابري) وفي العبرية عين هَشياراه؛ وعين العسل وبالعبرية عين صوف. في العهد اليوناني سحبت مياه العيون المذكورة إلى مدينة عكا في قناة، وفي عهد أحمد باشا الجزار حفرت وبنيت قناة أخرى من الكابري إلى عكا، فلما حاصر نابليون عكا عام 1799م هدم أجزاء كبيرة منها. في سنة 1814-1815 بنى سليمان باشا والي عكا قناة ثالثة، وما تزال بقاياها حتى اليوم، وقد زوّدت عكا بالمياه على مدار 133 سنة، وتسمّى قناة الباشا.
الكابري في دفتر ضريبة عثماني:
وردت في دفتر ضريبة عثماني اسمه "دفتر مفصل لواء صفد لسنة 1005?/1596م" مقادير الضريبة المجبية من قرية كابرا (الكابري) التابعة لناحية عكا بالعملة التركية المسماة بالآقجه(ثلث باره) موزعة على النحو التالي:
-عدد الخانات(عدد دافعي الضرائب من المتزوجين): 10.
-نسبة الضريبة المفروضة: 25%.
-مقادير الضريبة:
حنطة: 780 آقجه.
شعير: 240 آقجه.
مال صيفي(سمسم، ذرة...إلخ): 240 آقجه.
قطن: 200 آقجه.
ماعز ونحل: 181 آقجه.
بادهوا ورسوم عروس: 50 آقجه.
يكون(مجموع الضريبة): 1691 آقجه.
استنادًا إلى ما ورد أعلاه يمكننا إن نستنتج أن عدد سكان القرية بلغ 50 نسمة. اعتمد السكان في معيشتهم على زراعة الحنطة(القمح) والشعير والسمسم والذرة والقطن، وعلى تربية الماعز والنحل. البادهوا ورسوم عروس هو حاصل الجرم والجنايات ورسوم الزواج.
الكابري في عهد الثورة:
كان لأهل الكابري دور في ثورة 1936، حيث دأبوا على مد الثوار بقيادة القائد أبي إبراهيم الكبير بالمؤن، كما أنهم قاموا بقطع أسلاك التلفون المارة بجوار قريتهم مرات عدة. جاء في صحيفة (دافار) الصادرة في تاريخ 4/6/1936 إن سلطات الانتداب فرضت غرامة جماعية على أهل الكابري التابعة لقضاء عكا مقدارها 220 جنيهًا، وذلك في أعقاب تكرار حوادث قطع أسلاك التلفون، وأشارت الصحيفة إلى أن السكان يرفضون دفعها. وجاء في نفس الصحيفة في عددها الصادر في تاريخ 27/6/1936 أن سلطات الانتداب البريطاني فرضت على قرية الكابري، ثانية، غرامة مالية بمبلغ قدره 80 جنيهًا وقد جبت هذا المبلغ من السكان نقدًا.
معركة الكابري عام 1948 وإسقاطاتها:
في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1946 تأسس كيبوتس "يحيعام" في الجليل الغربي إلى الشرق من نهاريا بجوار القلعة الصليبية المعروفة باسم "قلعة جدين"، بين ترشيحا ونهاريا مرورًا بقرية الكابري العربية. كان الكيبوتس تابعًا لحركة هاشومير هتسعير، وسكنه 60 شخصًا فقط لا غير.
منذ قرار التقسيم في 29 تشرين الثاني عام 1947 حوصر الكيبوتس الذي كان داخل منطقة مكتظة بالعرب.
في شهر كانون الثاني عام 1948 دخل فوج اليرموك الثاني التابع لجيش الإنقاذ بقيادة أديب الشيشكلي إلى الجليل الغربي، فانضوى تحت إمرته المناضلون المحليون من فسوطة وترشيحا والكابري متخذين من الكابري مركزًا متقدمًا لنشاطهم. في 20 كانون الثاني 1948 قام العرب بهجوم واسع على الكيبوتس بهدف احتلاله ولكنهم فشلوا في ذلك. خلال الهجوم قتل من الجانب اليهودي أربعة وجرح 21 جنديًا. بقي الكيبوتس محاصرًا ولم تصل إليه المؤن سوى من متسللين أو بواسطة طائرة صغيرة كان يقودها عيزر وايزمن الذي أصبح لاحقًا قائدًا للطيران ورئيسًا لدولة إسرائيل. ولما كان وضع الكيبوتس حرجًا قررت قيادة لواء كرميلي إرسال قافلة عسكرية تحمل مؤنًا مكونة من تسع مركبات مدرعة مع حوالي 90 جنديًا من الكتيبة 21 التابعة للواء المذكور.
في 27/3/1948 خرجت القافلة اليهودية من نهاريا، فلما وصلت إلى قريب المخبز الواقع في جنوب قرية الكابري بجوار المقبرة اصطدمت بحواجز كبيرة من الحجارة، فلما حاولت اقتحامها أصلاها العرب بالنيران، وقد تمكنت المدرعة الأولى من الوصول إلى الكيبوتس ولكن قُتِلَ وجُرح كل من كان فيها. من بين القتلى كان قائد القافلة إيتان زيتس. المدرعة الثانية انقلبت وقتل معظم من كان فيها. من بينهم المقدم بن عامي فختير قائد الكتيبة 21 من لواء كرميلي الذي رافق بنفسه القافلة. لم يكن مصير المدرعات الأخرى بأحسن من سابقاتها، فكثر القتل حيث بلغ عدد القتلى 47 جنديًا من بينهم جندية، وقد استولى سكان الكابري على المؤن، وأحرقوا المدرعات. فلما هرعت القوات الإنكليزية إلى المكان لم تجد سوى جثث غابت معالمها؛ وتشير المصادر العبرية إلى أن المعركة أسفرت عن إحدى الهزائم النكراء التي مني بها اليهود في حرب 1948، ولاحقًا اسموا القافلة باسم "قافلة المصيبة الكبرى"، واسموا عين الباشا في الكابري باسم"عين هشياراه" أي عين القافلة، كما اسموا عمليتهم القادمة لاحتلال عكا والجليل الغربي باسم "عملية بن عامي" تخليدًا لذكرى المقدم بن عامي فختير قائد الكتيبة 21.
من إسقاطات المعركة المذكورة كان تغيير سياسة الهاغاناه من تسيير قوافل مدرعة للوصول إلى المستوطنات النائية إلى احتلال محاور الطرق والسيطرة عسكريًا على قرى عربية وتهجير سكانها حتى تتمكن من إرسال الإمدادات المنتظمة إلى تلك المستوطنات.
تهجير أهل الكابري:
في 14/5/1948 بدأت قوات الهاغاناه بعملية "بن عامي" لاحتلال عكا والجليل الغربي. جاء في الأمر الصادر في 19/5/1948 من قائد لواء كرميلي إلى قادة الكتائب بالقيام بالهجوم بهدف الاحتلال وقتل الرجال وهدم وحرق القرى التالية: الكابري، أم الفرج والنهر. في 21 /5/1948 احتلت قوات لواء كرميلي القرى المذكورة، وكان معظم السكان قد هجروا تلك القرى منذ بداية شهر أيار إثر عمليات انتقامية قامت بها قوات الهاغاناه قتل خلالها عدد من سكان الكابري، ونتيجة للقصف المتواصل وانسحاب قوات جيش الإنقاذ، وقد نفذت القوات اليهودية حكم الإعدام رميًا بالرصاص بحق 7-8 من سكان الكابري، ثم نسفت بيوت القرية عن بكرة أبيها. وبذلك فكت الحصار عن الكيبوتس يحيعام.
بجوار قرية الكابري المهدمة وعلى مسافة أربعة كيلو مترات إلى الشرق من نهاريا أُنشئ في 18 كانون الثاني 1949 كيبوتس كابري. بلغ عدد سكان الكيبوتس عام 2012 (915) نسمة.
يعيش معظم مهجري الكابري اليوم في لبنان وسوريا.