إيران تطمح إلى ما لا يكون حتّى بالجنون

أحمد الجمّال الحمويّ

أحمد الجمّال الحمويّ

إنّ كلّ من يقرأ العنوان لا بدّ أن يتبادر إلى عقله سؤال، هو: إلى أيّ شيءٍ تطمح إيران؟

ولعلّ الجواب معروفٌ من تصريحات بعض المسؤولين الإيرانيين الذين لا يتردّدون عن الإعلان بأنّهم سيطروا على أربع عواصم عربيّة، وأنّ الطريق إلى غيرها ممهّد قريبُ المتناول.

والجواب معروفٌ أيضًا ممّا يراه العالم ويُشاهدُه من خلال تدخّلات إيران في شؤون دولنا ونشر الفوضى والفساد فيها.

إذن إيران تطمح إلى احتلال بلادنا وإقامة امبراطوريّة على غرار ما كان أيّام الأكاسرة، رغبةً منها في إعادة (أمجادهم)، وهذا يدلّ على أنّ ما يربط الفقيه القابع في إيران ومؤيّديه بالأكاسرة أكبر ممّا يربطهم بالإسلام، هذا إن كان بينهم وبين الإسلام رابط.

ولكن: لماذا تريد إيران أن تقيم إمبراطوريّتها على حسابنا وفوق تراب أوطان المسلمين؟ ولماذا لا تتّجه شرقًا نحو الهند أو الصين مثلاً؟

والجواب يعرفُهُ كلّ مطّلعٍ على تاريخ الصفويّين وعقائدهم، ألا وهو حقدُ الصفويّين على الأمّة العربيّة خاصّة وعلى المسلمين عامّة، فبدلاً من أن يعترفوا لهذه الأمّة بفضل تخليصهم من خرافات الوثنيّة والمجوسيّة ورذائلهما، ومن ظُلم الأكاسرة إذا بهم يرون أنّ أمّتنا قضت على عزّهم، وقوّضت ممالكهم، لذا لا بدّ من الانتقام منها ولو تطاول الزمن وتوالت القرون.

فمنذ أن قام إسماعيل الصفويّ في مطلع القرن السادس عشر الميلاديّ بقتل أكثر من مليون مسلم، لينقل إيران من الإسلام إلى التشيّع بالقوّة والبطش، لم يحدث أن دخلت إيران الصفويّة في حربٍ مع دولةٍ من دول الكفر، ولو مرّةً واحدةً !! بل كانت حروبُها كلُّها موجّهةً إلى ديار المسلمين، بالاتّفاق مع دوقيات أوربّة، وبطلبٍ منها، ومن كان عنده غير ما نقول؛ فليأتنا به ونحنُ له من الشاكرين.

لن أتكلّم عمّا فعله القرامطة والحشّاشون (وهما من فرق الشيعة) ولا عمّا فعلَهُ ابن العلقميّ ونصير الدين الطوسيّ، وسأترك هذا كلّه إلى موقف شيعة زماننا المؤيِّدِ علنًا لاحتلال الولايات المتّحدة لأفغانستان والعراق، وإلى فتاوى مراجعهم بحُرمة مقاومة المحتلّ الصليبيّ ووجوب القتال في سوريّة لإرغام الشعب السوريّ على قبول حكم الأقليّة المرتبطة بإيران؛ ليُثبتوا بهذا أنّهم على طريق العداوة ماضونَ دون تردّد.

إنّه الحقدُ الأسود، والعداوة الراسخة، والرغبة في الانتقام ممّن أنقذوهم وحرّروهم، وأعادوا إليهم إنسانيّتهم وكرامتهم.

إنّ طموح إيران في احتلال بلادنا لإقامة إمبراطوريّتها بعيدُ المنال ولن يتحقّق مهما فعلت، ومن المفيد هنا أن أُشير إلى النقاط التالية:

أنّ الأمّة الإسلاميّة عربها وعجمها عرفت حقيقة إيران وعقائدها ونظرتها لأمّتنا، واسترجعت فصول مواقفها العدائيّة من الأمّة على مدى التاريخ، وقد أدّى هذا إلى رفضٍ قويٍّ للتمدّد الإيرانيّ في ساحات أوطاننا كلّها، ولم يمرّ على أمّتنا زمنٌ أدركت فيه حقيقةَ إيران وفهمَت معتقداتِها كما حصلَ في العقد الأخير من القرن الواحد والعشرين الميلاديّ، وقد أدّى هذا إلى موقفٍ نفسيٍّ وفكريٍّ وسياسيٍّ رافضٍ لإيران ولهيمنتها، ومنحَ الأمّة مناعةً لم تعهدها الأمّة من قبل على الإطلاق.

وقد أصبحت الأمّة - أكثر من أيّ وقتٍ مضى - على استعداد لمقاومة التدخّل الإيرانيّ، سواء أكان التدخّل عن طريق أذنابها الذين يعيشون بيننا باسم (مواطنين) أو عن طريق إرسال جيوشٍ لاحتلالنا.

 النقطة الثانية التي أودّ أن أشير إليها هي أنّه لا مُستقبَل للامبراطوريّات التي تقومُ على القهر والسلب والنهبِ، وسوف تزداد عداوة الشعوب المقهورة كلّما ازداد القهر والطغيان، ولن يزداد الحبّ أو القبول.

 إنّ إيران تسبح عكس التيّار وتريد العودة إلى الإمبراطوريّات التي ولّى زمانُها ولم يعُد لها مكانٌ، بعد أن صار من الصعب جدًّا قبولُ الشعوب بالاستعمار وعارِهِ، زيادةً على رفض الأمّة لها ونفورها منها. ولئن كانت إيران لا تُدركُ هذه الحقائق فهي على قدرٍ خطيرٍ من الجهل.

 كما أنّ عدد سكّان إيران لا يسمح لها أن تبسط سيطرتها على عددٍ من الشعوب الكارهة لها، أمّا على شعوب العالم الإسلاميّ التي قاربت المليارين فهذا ضربٌ من المُحال!

وإذا عرفنا أنّ الفرس الشيعة الممسكين بإيران هم أقليّةٌ ازداد الأمر صعوبةً وتعقيدًا.

 يتحدّث بعض قادة إيران علنًا بوقاحة وحماقةٍ أنّهم يحتلّون أربع عواصم عربيّة، ثمّ يقولون بأنّه ليس غيرهنّ (العواصم) بمنجاةٍ منهم. لكنّ الواقع يُكذّب هذه الدعاوى، وتُعطينا الحقائق على الأرض صورةً أخرى يتّضح من خلالها أنّ شعوب تلك الدول تُقاوم بضراوة، وأنّ إيران لم تستفِد من تدخّلاتها إلاّ الكُرهَ والبغضاء، وإثارة الفتن، ونشر الدمار في كلّ دولةٍ اقتربت من حماها وسعت إلى الهيمنةِ عليها.

وكان ما أنفقتهُ إيران من مليارات الدولارات ومن آلاف القتلى خسارةً لها ولعنة عليها بلا جدوى، وبلا مردودٍ مفيد.

فهذا الشعب السوريّ العظيمُ يُحاربُ إيران ولا يُحاربُ عميلَها (بشار) فحسب، وقد قدّم الشعب السوريّ مئات الألوف من الشهداء والسجناء والمفقودين، ولا يزال يُقدّم ويُعلنُ رفضَه القاطع المدوّي للحكم النصيريّ الرافضيّ، وفي المقابل دفعت إيران المليارات وخسرت من أتباعها وأدواتها الآلاف؛ لإطالة بقاء الحكم النصيريّ، فماذا ربحت؟ وماذا جنت؟

أمّا شعب العراق فإذا استثنينا منه عملاء إيران من الشيعة المخدوعين بها، وليس مِن عرف حقيقتها؛ فإنّه لا يقلّ عن الشعب السوريّ بسالةً وإقدامًا في محاربة المحتلّ الإيرانيّ ورفضًا لهيمنتِه.

وهنا نقطة يجب الوقوف عندها والتأكيد عليها، وهي أنّ الشيعة ليسوا أكثريّة في العراق كما يُروّج إعلامُهم والإعلام المتواطئُ معهم، بل إنّ العرب المسلمين وحدَهم أكثر عددًا من الشيعة، ولن تخدعنا الدعايات الكاذبة الملغومة.

 

وننتقل إلى الحديث عن اليمن حيث لم يتمكّن الحوثيّون الذين تستخدمهم إيران والرئيسُ المخلوعُ من السيطرة وسرقة اليمن، وستُنفقُ إيران ملياراتها وتفقد الآلاف من أبنائها وعملائها، ولن تعود بأكثر من خُفّي حُنين، هذا إن لم تعُد بلا خفّين أصلاً.

حتّى لبنان الذي يظنّ بعض الناس أنّ ما يُسمّى (حزب الله) قد أمسك بتلابيبِهِ وسيطر عليه؛ فإنّ شعبَهُ رافضٌ لهذا، ولولا سيولُ الأسلحةِ التي جادت بها إيران على هذه الأداة الشيعيّة خلال عقود، ومليارات الدولارات التي أنفقتها، لم يكن للحزب مكانٌ ولا مكانة عند اللبنانيين المتّفقين على نبذ الحزب، ورفض سيطرتِه وسيطرة الأقليّة الشيعيّة التي ينتمي إليها.

وخلاصةُ ما سبق أنّ إيران تخسرُ على كلّ صعيدٍ ولا تربح، وأنّها لن تستطيع أن تُحقّق أحلامها وأطماعها مهما فعلت، والأمر من قبلُ ومن بعدُ لله عزّ وجلّ.

ولربّما قيل: لعلّ إيران تملك سلاحًا نوويًّا تُخفيهِ؛ فأقدمت في لحظة جنونٍ على استخدامه من أجل الهيمنة والتسلّط، فكيف ستكون الحال حينئذٍ؟

وللجواب أقول: كم ستُبيدُ إيران من العالم الإسلاميّ الذي يمتدّ من أندونيسيا وماليزيا شرقًا إلى المحيط الأطلسيّ غربًا؟ هل ستُدمّر مدينةً أو مدينتين أو ثلاثًا أو أربعًا؟ لكن هل تستطيعُ أن تُدمّر دولاً تُغطّي قسمًا كبيرًا من قارّتين عظيمتين؟

وإذا ارتكبت إيران هذه الحماقة أو هذا الجنون فهل سيقفُ العالم مشاهدًا صامتًا، وهل ستُغمضُ باكستان النوويّة عينيها على هذا العدوان أم أنّ الردّ سيأتي سريعًا ودون تأخير، وليس من باكستان وحدها، وإنّما منها ومن تركية ومصر وغيرها من الدول، ولعلّها تكون قد حكمت على نفسها بالفناء وليس على العالم الإسلاميّ الواسع الممتدّ، ولن ينفع إيران الجنون، ولن يُحقّق لها ما لا يُمكنُ أن يكون حتّى بالجنون.

ويجب ألاّ ينسى قادةُ إيران أنّها إذا تمادت أكثرَ من تماديها الحاليّ فإنّ الأقليّات الشيعيّة في العالم ستكون عرضةً لعمليّات انتقام عنيفة بعد أن ضاق المسلمون في العالم من إفسادها ووقاحتها، وهذا حتّى لو لم تستخدم سلاحًا نوويًّا، فكيف لو فقد قادةُ إيرانَ عقولهم واستخدموا أيّ سلاحٍ من أسلحةِ الدمار الشامل؟

لقد أصاب إيران مرض قوم عاد الذين أخبرنا الله عنهم فقال سبحانه: (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ)

التكبّر في الأرض (لا يكون بحقّ) بحالٍ من الأحوال. وما من أمّةٍ تُصابُ بهذا المرض الخطير إلا ستنطبق عليها السنن الإلهيّة، وتنزل بها العقوبة الإلهيّة التي لا تُردّ عن القوم المجرمين

تجدر الإشارة إلى أنّ إيران تُبالغ في الحديث عن قوّتها وتقديم نفسها على أنّها قوّة إقليميّة والغرب الصليبيّ يُمالؤها، وتخدعُ من لديه استعداد للانخداعِ والتخويف، فمن غير المعقول أنّ إيران التي خرجت مهزومةً في حربها الظالمة على العراق أيّام صدّام حسين رحمه الله تعالى، استطاعت في أكثر من عقدين بقليل أن تبنيَ قوّة يضعف العالم كلّه عن مواجهتها.

إنّ هذا جزء من مسلسل الكذب الذي يُسمّونه تقيّة، والتي هي تسعةُ أعشار الدين عندهم. وأخشى أن تكون إيران أسدًا من ورق ليس أكثر!

ولئن كان العالم يخشى إيران حقًّا - لأنّها في زعمه قويّة - فهذا يعني أنّ الذي يُسيطرُ على العلاقات الدوليّة هو منطق القوّة، وأنّ اللغة الوحيدة التي يفهمها العالم هي هذه اللغة، وعلى دولنا وشعوبنا أن تمتلكها مهما كان الثمن.

إنّ إيران ليست على قدرٍ من القوّة كما تدّعي، يُضافُ إلى هذا أنّ تركيبةَ إيران السكّانيّة نقطة ضعفٍ يجب الاستفادة منها، فالشيعة الفرس الذين يُمسكون بزمام الأمور أقليّة لا يبلغون 40 % في أحسن الأحوال، أمّا الأكثريّة الباقية فهي من أعراق وديانات شتّى، وكلّها مهمّشة ومضطّهدة وناقمة وقابلةٌ للانفجار، وبعضُها قد انفجر فعلاً وبدأ بمقاومة الظلم والاضطهاد.

إنّ إيران تُنفق أموالها لمحاربة الإسلام، فستُنفقها ثمّ تكون عليها حسرة، ثمّ تُغلبُ بإذن الله تعالى، وتدفعُ أبناءها وأدواتها في بلادنا إلى مستنقع الموت سُدىً، وزيادةً على هذا فإنّها تخسرُ مكانةً ربّما كانت ستحظى بها لولا تصرّفاتها الحمقاء ! وربّما لن يمرّ زمنٌ طويلٌ حتّى يلعَنَ شيعةُ إيران وشيعةُ العالم قادَتَها لسياساتهم الهوجاء.

فمتى تصحو إيران من سكرتها وتنتبه من غفلتها؟ إنّي أدعو الله تعالى أن يُعيد إلى حكّامها الرّشد، وأن يُخلّصها من الجنون ومن التكبّر في الأرض بغير الحقّ، قبل أن يحلّ بها ما حلّ بقوم عادٍ وجميع المتكبّرين في الأرض بغير الحقّ. وخيرٌ لإيران ألاّ تطمح إلى ما لا يكون حتّى بالجنون.

وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين

أحمد الجمّال الحمويّ

نائب رئيس جمعية علماء حماة سابقًا

عضو مؤسّس في رابطة أدباء الشام

عضو مؤسّس في رابطة العلماء السوريين

عضو الاتّحاد العالميّ لعلماء المسلمين.