سفينة النجاة الإسلامية

هذه الحِقبة غير تلك الحقب التي مرَّت بأمتنا ، فالباطل فيها لم يُدمغ ، والشَّرُّ المحدق لم يُزهق ، والظلم في حالة استكبار آثمة ، ظانا بأنه  يعجز الله ربَّ العالمين . وقد ضاقت الأمة بمآسي أبنائها ، وبالنوازل التي اجتاحت طول البلاد وعرضها ، وأولو الألباب من أبناء الأمة مشفقون مما قد تؤول إليه الأمور ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

دماء تسيل ، ودموع تنهمر ، وصرخات استنجاد ابتلعتها أشداق الإعلام العالمي الخبيث المسخر للقتلة ولداعميهم ، مذبحة مرعبة والأمم تتفرج ، وقياداتها في مشارق الأرض ومغاربها توري نيرانها من خلف الكواليس ، وهي في الصفوف الأولى من المسرح العالمي تتفرج على كل المشاهد التي تتقطع لهولها القلوب . واللقاءات والمؤتمرات والمشاورات العلنية والسرية باتت رصيد مكانٍ ومكانةٍ لايمكن للمظلومين أن يصلوا إليهما ، فالنخب التي تتربع على كراسي الأوامر والنواهي تريد أن تتحول الأمة الإسلامية إلى يباب ، بلا عقيدة ولا رصيد من حضارة  ، ولا تاريخ من فتوحات وبطولات ، ولا قيم سعدت بها الدنيا ولا تزال على توالى القرون . وهذه النخب التي جندها الشيطان الرجيم تحاول طمس معاني النُّبل والمروءة ، وتدفنها في صدور خاويات لاتعرف غير الهوى والضياع . وما من عزاء عندئذ إلا سراب هذه الحضارة الفاسقة الظالمة الغاشمة ، وللأمة منها النكال والضياع .

لانكرر  فخرنا واعتزازنا بحضارتنا الإنسانية ، بل إن ذكرها يدق  على أبواب القلوب الغافلات لترعوي ، ولكي لاتنطلي عليها افتراءات المرجفين والمرتدين ، ولكي لاتًبسلَ في مستنقعات الضلالات التي ابتدعها أعداء الإسلام من أقدم العصور . وحسبنا أن القيم التي قامت عليها حضارة الأمة هي قيمٌ ربانية جاءت بالحق ، ولم تلبس منهجها بزور أو بغي أو عدوان . إنها الحضارة التي جعلت للإنسانية قيمتها ومكانتها في الحياة ، ولعلها هي وحدها سفينة النجاة للأمة ولسائر الخلق ، النجاة من تلاطم أمواج بحر من الافتراءات والموبقات ، ومن أعاصير الأضغان والمؤامرات . إنَّ الدهشة تتلاشى أمام زخم الإعلانات التي دبجتها العقول الماسونية الخبيثة الماكرة . لأنها تأخذ بالألباب ، ولكن الله فضح افتراءاتهم ، حيث كانت نتائج حضارتهم هذا الرعب الثقيل ، وتلك الأحداث الداميات الموجعات ، نتائج لاترضاها الإنسانية ، ولا يتمناها الناس ، وربما تصحو القلوب الغافلات لترعوي ، إذ يكفيها التسول من موائد الإفرنج ، وربما تبيَّن لها مكر أمريكا وروسيا وبقية الدول الاستعمارية ، فملة الكفر واحدة ، وعداؤها للإسلام وللمسلمين لايمكن أن يتوارى إلى قيام الساعة . فهم مَن وصمونا بالرجعية والتخلف ، وهم مَن صنعوا لنا حكاية الإرهاب والتكفير ، وهم مَن وصموا أمتنا بأقبح الصفات . وكاد بعض أبناء الأمة أن يصدقوا هذه الافتراءات ، وينسوا قول الله تبارك وتعالى : (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ  الْفَاسِقُونَ ) 110 / آل عمران ، ولم يعلم هؤلاء الأبناء أن هذه الخيرية اصطفاء رباني لهذه الأمة ، وهي ميزة ستبقى لها إلى آخر عمر الحياة الدنيا ، رغم ضعف الأمة وتخاذلها ، ورغم هيمنة طغاة الأرض على بلدانها وخيراتها وعلى بعض أبنائها ، وإن الأمة باقية رغم تمزق ثيابها ، وكثرة جراحها ، ورغم تكالب الأمم عليها ، ورغم شراسة الحشود الباغية ، إنَّ ذات الأمة أصيلة تنيرُ آفاقها جذوةُ الإيمان بالله ، وتهديها سيرة النبيِّ الحبيب صلى الله عليه وسلم . وهيهات أن ينطفئ نورُ الله ، وهيهات أن تندثر سُنَّةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنوارها تغلغلت في أعماق أحناء الأمة ، فلم تركن لظالم ، ولم تركع لصنم ، رغم البطش والقتل والسجن والإقصاء ، ورغم تزوير ما يُسمَّى بالانتخابات الديمقراطية ، ورغم انقلابات الحقد والعمالة للصهيونية ، ورغم المصيبة الكبرى التي حلَّت اليوم في بلاد الشام والعراق ، ورغم الهلوسة ببرامج التقسيم والعلمنة ، إنها هجمة تداعت على الأمة من كل حدب وصوب ، وليست جديدة إنها إحدى صفحات مكر  الأعداء أعداء النبوات والرسالات السماوية من أقدم العصور ، مَن الذي قتل يحيى عليه السلام ، ومن الذي وضع السمَّ لنبيِّنا صلى الله عليه وسلم ، ومن الذي قتل الخليفة الراشدي الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ومن الذي قتل الخليفة الراشدي عثمان بن عفان رضي الله عنه ، ومن الذي قتل الخليفة الراشدي علي بن أبي طالب رضي الله عنه ... إنهم أعداء الإسلام ، أعداء الرسالات السماوية ، وتاريخ أمتنا حافل بالكثير الكثير من الأمثلة التي تشير بكل وضوح إلى هؤلاء الأعداء . ولْنسألْ أنفسَنا عن أسباب غزو المغول والتتار والصليبيين لبلاد المسلمين ، ولْنسألْ أنفسنا بهدوء وتمعُّن عمَّن صنع الشيوعية والاشتراكية وبقية فاتورة البدع المحدثة في عالم الإنسان ، وعن الغاية من محاولات تغلغل هذا الباطل المموه بزخارف فتانة ، باءت بالفشل والخسران والعفاء . إنها محاولات للقضاء على دين الله ، والممترون فضحهم الله بنتائج تلك الدعاوى والتخرصات . فوجوههم ترهقها قترة لأنهم كفرة فجرة قتلة كما جاء في التنزيل ، لقد أصابهم الصَّغَارُ في الدنيا قبل الآخرة ، وربما سيؤوب أفراد من النخب التي ارتضت بالفصام عن روح الأمة وتراثها العظيم ، وجسدها الطاهر ، فكانت بطانة سوء خانت ربَّها ودينها وأمتها على حد سواء . ولعل تلك النخب تقتدي ببعض قيم الجاهلية الأولى ، فقد كانت المروءة والنخوة والوفاء من شيم الإنسان العربي ، فمالِ هذه النخب لاتعي معنى الانتماء إلى الأمة ، ولا أهمية الاصطفاف إلى جانب أبنائها وقت الشدائد والمحن ؟ لقد جاء الشريعة الإسلامية الغراء فأخرجت خير أمة للناس ، وفي ظلال هذه الشريعة عاش أبناء الأمة ، ومن ميادين مافيها من عزة وسُمُو  ... جال الأبطال الفرسان جندُ  النبوة ينشرون الرحمة في العالمين ، ودانت لهم الدنيا ، بل خضع لهم كلُّ شيء بمشيئة الله وتوفيقه ، ولعل أبناء الأمة يعوون وإلى ربهم يعودون ، لينالوا مانال أسلافُهم من قبل ، فهذا عقبة بن نافع الذي  خاطب وحوش الغابة قائلا لهم وهو يفتح شمال افريقيا  : ( ارحلوا عنّا فإنّا نازلون ومن وجدناه بعد هذا قتلناه، فنظر الناس بعد ذلك إلى أمر مُعْجِب ، من أن السباع تخرج من الشَّعْراء ( أي من الشجر ) وهي تحمل أشبالها سمعاً وطاعة، والذئب جرْوَه، والحية تحمل أولادها. ونادى في الناس: كُفُّوا عنهم، حتى يرحلوا عنها، فخرج ما فيها من الوحش والسباع والهوامّ والناس ينظرون إليها، حتى أوجعهم حرُّ الشمس، فلمَّا لم يروا منها شيئاً، دخلوا، فأمرهم أن يقطعوا الشجر، فأقام أهل أفريقية ـ بالقيروان ـ بعد ذلك أربعين عاماً لا يرون بها حيَّة، ولا عقرباً، ولا سَبُعا ) . فياسبحان الله ، إنهم جند الإسلام حقا ، وكفاهم بذلك شرفا ومكانة وعزة . وأولئك هم الرجال الذين تتجلى فيهم معاني الرجولة الحقيقية ، فما غرَّهم جاه ولا مال ولا جرَّتْهم الأهواء والملذات الدنيوية ، فكانوا بشريعتهم وبأخلاقهم وبمآثرهم سفينة النجاة الإسلامية للبشرية كلها . فأولئك هم الرجال وإلا فلا ، مرّ رجلٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ما تقولون في هذا؟ ) قالوا: هذا حريٌ إن خَطَب أن يُنْكح، وإن شَفَع أن يُشَفّع، وإن قال أن يُسْتمع له. قال: ثم سكت، فمر رجل من فقراء المسلمين فقال صلى الله عليه وسلم : (ما تقولون في هذا؟ ) قالوا: هذا حريٌ إن خَطَب أن لا يُنْكح، وإن شَفَع أن لا يُشَفّع، وإن قال أن لا يُسْتمع له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( هذا خيرٌ من ملء الأرض من مثل هذا ) صحيح البخاري . فما كان المقياس الرباني في مال ولا لباس ولا عرض من أعراض الدنيا ، وإنما كان الميزان مايحمل الرجل من إيمان مكين وخُلُق فاضل وعزة بالله . ولقد قال أهل التمكين واليقين عن الإسلام : (  لله ما أعظمه من دين لو كان مَن يحملونه رجال !!! ) . ولقد تحدث المحققون عن عظمة الإسلام دين الله الباقي إلى آخر عمر الحياة الدنيا فقال أحدهم  : { والإنسان كيفما كان يبقى في حاجة إلى الدين يهتدي به, ويسمو بنفسه لتحقيق تعاليمه المقدسة، ففي الإنسان جانب روحانيّ داخلي، وميل نظريّ للاعتقاد في وجود إله يسيّر العالم تزيدها العلوم قوة وظهوراً، ولا يعقل أن دوراً من أدوار الاجتماع أو حالاً من أحوال التقدم الصناعي يلاشي هذه الفكرة الإنسانية، وإلى هذا أشار القرآن الكريم في قوله تعالى : ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ) 30/ الروم .  وقد أدرك هذا السر فلاسفة أوروبا، فقال أرنست رينان في كتابه  تاريخ الأديان : (من الممكن أن يضمحل ويتلاشى كل شيء نحبه وكل شيء نعده من ملاذ الحياة ونعيمها، ومن الممكن أن تبطل حرية استعمال العقل والعلم، ولكن يستحيل أن ينمحي التدين أو يتلاشى بل سيبقى أبد الآباد حجة ناطقة على بطلان المذهب الماديّ الذي يود أن يحصر الفكر الإنسانيّ في المضايق الدنيئة للحياة الطينية(  . ويقول هيلار بيلوك أيضا : ( إن أوربا ستعود إلى الإيمان أو تتلاشى ) ،  ويقول آخر وهو أجوست سباتييه في كتابه فلسفة الدين : ( أنا متدين لأني لاأستطيع غير ذلك ، فالتدين لازم معنوي من لوازم ذاتي ) . إنهم يريدون الله بكلامهم هذا ، يريدون الدين ، وإن الدين عند الله الإسلام ، وكلام الله فوق كل كلام : ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يُقبل منه ، وهو في الآخرة من الخاسرين ) .

إن الشريعة الإسلامية أوجدت من العرب أمة غيَّرت كل ماكانت عليه من ضعف وتفرق وجاهلية ، ونهضت بتلك الأمة ، ودفعتها لتحقيق أهدافها في إسعاد البشرية ــ كل البشرية ــ فصانت للإنسان كرامته ، وربَّت نفسَه على مكارم الأخلاق ، وأشاعت بين الناس قدسية التضامن والتكافل الاجتماعي وأهميته في حياة شرائح المجتمع المتنوعة ، وإن هذه الشريعة الغراء أيَّدتها العلوم الكونية العصرية ، وأثبتت جدارتها في قيادة الخلق نحو النجاة والسعادة الأبدية . ولن يضر هذه الشريعة صدودُ بعض أبنائها عنها ، فالولد العاق لابد وأن يدركه الندم وتأكله أشداق الحسرة بعدما فرَّط بواجباته تجاه دينه القويم . وهذا مانراه اليوم ، بعد أن اجتاحت قوى البغي والشر بلاد المسلمين ، وفتكت بأبناء الأمة ، وأجبرتهم على هجر ديارهم مع حملات من التدمير والتهجير والذبح بسيوف الأحقاد ووصواريخ الضغائن التي كانت نائمة في صدور هم . ولعل مانراه اليوم من تداعي الأعداء ــ كل الأعداء ــ على حياض أمتنا لهو الدليل الأكيد المبين على نتائج التفريط بهذه الشريعة ، ولكن الله سبحانه يبشر هذه الأمة بالاستخلاف في الأرض ، وبالتمكين ، رغم كل النوازل والمصائب التي نزلت بها ، وإن الله عزَّ وجلَّ أوصى أبناء الأمة بأن لايخشوا هؤلاء الأعداء مهما كانوا ، ومن أي مكان قدموا  ، لاشك أن هؤلاء الأبناء ــ أبناء الأمة ــ يألمون ويحزنون ، ولكن الباطل لن يغلبهم ولن يسلبهم مكانتهم العالمية ، يقول الله تبارك وتعالى : ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ{173} فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ) 173/ آل عمران ، فإن من فضل الله على هذه الأمة أن حفظ لها قرآنها وسُنَّةَ نبيِّها صلى الله عليه وسلم ، وإن من فضله عليها أن حفظ لها من أبنائها تلك الفئة المجاهدة المرابطة المنصورة إلى آخر عمر الدنيا ، يقول الله تبارك وتعالى : ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ 55/النور . وهذا نداء على الأمة أن تنهض لتلبيته ، فتُجافي الضلالات والابتكارات الشيطانية من العلمانية والحزبية والمذاهب العفنة التي زادت على سبعين ، وأن تنتصر لهذا الدين بكل ما أُوتيت من وسعها ، وعندئذ يتحقق وعد الله ، وتنجو الأمة وهي تمتطي سفينة النجاة الإسلامية ، فإن كل السفن المستوردة من شرق العالم وغربه ، والمحملة بأنواع الأفكار والملل ،  أوالمصنعة محليا غرقت وباءت بالتبار والخسران ، كما باء بالفضيحة مَن ادعى أنه ينصر الأمة أو يقف معها من أولئك ، فالأعداء مهما تلونَّت جلودهم فهم أعداء ، ومَن ركن إليهم فقد استسلم للخسران بلا ريب ، يقول سبحانه : ( إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾160/ آل عمران .

الدين لايستغني عنه الإنسان السوي ، فنفسه التوَّاقة إلى السمو بحاجة إلى الدين ، وهذه الحاجة تلح عليه أن لايبعدها عنه ،  وهي بحاجة إلى النظر في الآفاق الكونية ، حيث أسرار الكون وخفاياه التي تعود معطياتها على الإنسان ، وهي بحاجة إلى معرفة المصير النهائي للإنسان ، فالموت ماهو إلا بداية لحياة جديدة ، وهذا الأمر يعتري النفس الإنسانية بحنين قد يكون غامضا مبهما لدى بعض النفوس ، ولكن الدين الإسلامي الحنيف أخرج تلك النفس الحائرة إلى بيئة مقدسة طاهرة لالبس فيها ولا غموض ، بل أعادَ  لها العهد والميثاق منذ أن كانت في عالم الذر :  ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِين *        أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا  أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ﴾ 173/الأعراف . فإذا اطمأنت النفس إلى هذا نجت وسمت وانتصرت  ، وهي بهذا الاطمئنان تكون قد التقطت الحكمة حيث وجدتها بعد الحيرة والبحث ، وصدق الله القائل : ( فَبَشِّرْ عِبَادِي الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ) ، وبوركت صدور شرحها الله للحق والصواب : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ) .

حقا إن الإسلام هو سفينة النجاة لأمتنا ، بل وهو سفينة النجاة للناس أجمعين ، ولن يضر هذا الدين حربُ بعض أهله عليه من قِبَلِ تلك النخب التي باتت بطانة سوء لبعض حكام المسلمين اليوم ، ولن يضر هذا الدين الهجمة الشرسة الحاقدة المدججة بكلِّ أسلحة الدمار  الخاص والشامل عليه ، وعلى حملته الأبرار الأطهار ، ولن تُبتر الصلة المكينة بين الأمة ودينها مهما استعرت نيران الضغائن في مغاني هذه الأمة وروابيها النضرة . ولا يأس لأبنائها مهما كانت الموبقات ، ومهما عظمت السيئات ، إن صدقت التوبة وصفت النفوس وانتصرت لدين الله ، ومن هنا تمخر سفينة النجاة الإسلامية ... ألا فَلْتُبشِرْ الأمةُ برحمة من الله ورضوان ، وبفتح قريب ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ كَانُوا قَدْ قَتَلُوا فَأَكْثَرُوا، وَزَنَوْا فَأَكْثَرُوا، ثُمَّ أَتَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: إِنَّ الَّذِي تَقُولُ وتدعو إِلَيْهِ لَحَسَنٌ لَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَاهُ كَفَّارَةً، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآية: ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) 53/0الزمر  ، والحديث  رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ رحمه الله . 

وسوم: العدد 705