تأهيل المشهد السياسي: البواعث والاكراهات

حديثنا عن المشهد السياسي بصفة عامة ,لا يمكن ان يعطينا الحق في اغفال الفاعليين الاساسيين في تشكيله و في صياغته, صحيح صياغة المشهد لا يمكن ان يكون بعيدا عن التصور العام للدولة, ولا يمكن ايضا ان يخرج عن السياق العام ,سواء تعلق الامر بالتصور النظري للفاعل, او بطبيعة الفاعلين في الحقل السياسي,...يعني مجال لا يمكن ان يقحم فيه كل من له رغبة دون ان يظهر حسن نوياه وقدرته على ترجمة التصور العام في المشهد.

المشهد السياسي عبر الوطن العربي ,لا يمكن أن نحمله أكثر مما يطيق, لاعتبارات كثيرة,:

- حديث العهد,عمره في احسن الحالات 50سنة

- لم يشكل بعد ثقافة سياسية وتقاليد يمكن ان ترسم معالم المشهد وتميزه عن غيره وتعطيه هوية واضحة,

- مر عبر مسارات متوترة افقدته بوصلته السليمة.

- نخب ليس لها تكون أكاديمي يوفر لها ظروف الاشتغال من منطق علمي .

نعم عبر كل مراحل التوتر كان للمشهد ان يعيد مرة اخرى ترتيب اوراقه ,اولوياته و تصوراته ايضا..وكل فترة ملزم ان يبحث عن فاعلين يمكنهم ان يعطوا للمشهد حيويته و يرسموا  معالم مشهد قادر على تحمل اعباء الفعل التنموي والتدبيري في البلد.

النخب التي شكلت المشهد الحزبي. خرجت من رحم التوترات و الجدل ,وهذا يحيلنا الى مفهوم التحول النظري عند النخب التقليدية, هل هو تحول طبيعي أم جاء عبر الصياغة والتقويم ,وهنا اشكال حقيقي في علاقة النخب الحزبية بالدولة, صحيح لا يمكن للدولة.وهذا امر طبيعي .ان ترتاح في تعاملها مع نخبة كانت تسعى الى قلبها, بالخصوص ان الدولة تعتبر ان قدرتها على الصمود امام العواصف هي قدرة ذاتية لا فضل للغير عليها.

ان النخب الحزبية التي خرجت من رحم المواجهة مع الانظمة ,لم تتمكن بعد من التخلص من حمولتها الفكرية والتصورية التي ارهقت كاهل المشهد السياسي, ولم تدفع به الى التحول الطبيعي الذي يمكن بعده ان يكون المشهد السياسي  اداة للفعل التنموي وليس حالة من المزايدات الانتخابية التي تتباها في القرب والبعد  ومن الولاء والبراء من الدولة,

اننا نعتبر من الاولويات ان تنسحب النخب التاريخية من المشهد الحزبي وفسح المجال  لنخب شابة ليس لها يد ولا تاريخ في حالات التوتر السابق, ولها تكوينها الأكاديمي الذي يعطيها القدرة على التفاعل العلمي مع سؤال التنمية.

صحيح السؤال - تأهيل المشهد السياسي- في عمقه له دلالة جد مهمة في التحليل السياسي, لاعتبارات كثيرة, كون الفاعل الذي ساهم في بناء الدولة ليس كالفاعل الملتحق, وهذا يمكن ان يلاحظ من خلال كثير من المصطلحات التي يستعملها الفاعل الحزبي, من قبيل:الفساد,الهيمة,التحكم,الدولة العميقة,.السلطة. الاختصاصات.......

هي مرادفات لها حمولة سياسية , أو ما يمكن  أن نصطلح عليها بحمولة ما قبل الصياغة, لأنها تعبر عن حالة التدافع والجدل الذي  لازال يخيم على النخب الحزبية الملتحقة, التي لم تستوعب بعد ان الاشكال الحقيقي هو بناء الدولة والمؤسسات ,خاصة في دول ما بعد الاستعمار, ودول ما بعد التوترات, التي لا زالت غير مستعدة للحديث عن الديموقراطية وعن تفويض الصلاحيات,.....

صحيح, المشهد السياسي في الوطن العربي, لا يمكن ان نسمه بالمتأهل, مقارنة مع مشاهد غربية ,خاصة ان كثير من النخب التي عايشت الانظمة والنماذج الناضجة في بلدان المهجر, اقتنعت ان هناك فرق كبير بين المشاهد, لكن التحليل الواقعي و السعي الى التأهيل ,يعطينا مبررات كي تقتنع النخبة المهاجرة أن التحول يجب ان يكون واقعيا , وبشكل طبيعي بعيدا عن استراد النماذج, أو التحول غير الطبيعي.

اننا لا يمكن ان تراهن على مشهد طبيعي في وضع غير طبيعي. لأننا لم نخرج بعد من حالات التوترات والنزاع حول الاختصاصات التي يسعى اليها المنتخب في ظل انظمة قائمة, غايتها تثبيت أركان البلد والحفاظ على استقراره السياسي,

النخب التي جاءت من رحم التوترات, هو فاعل كانت غايته خلق نظام بديل ,للأنظمة القائمة, وهي حالة كل الوطن العربي, لهذا نجد على المستوى النظري والتنظيري ,يكون فكره اكبر من مهمة تدبير المؤشرات التنموية, في هاته الحالة الدولة يكون سعيها الى احتواء مثل هاته النماذج, وإعطائها فرص التدبير بعد اقناعها بعقيدة الاستقرار بكل ثمن,...

ان الوطن العربي والذي لا زال عرضة لرياح التغيرات والتحولات الجدرية لا يمكن ان تسلم انظمته بالتداول الديمقراطي الخالص, وهذا امر طبيعي,

ان المشهد السياسي, وهنا احيل على كل الفاعلين فيه سواء تعلق الامر بالفاعل الحزبي ,النقابات , المجتمع المدني , المقاولات و الدولة,...

ان لم يتمكنوا من اعطائه قدرة على استقطاب خيرة ابناء الوطن كي ينخرطوا في المشهد بكل ما يملكون من قدرات, فلن نخرج ابدا من حالة التيه والفوضى التي يعاني منها المشهد السياسي في الوطن العربي,

نادرا ما يتم التطرق الى دور الفاعل الاقتصادي و النقابات كفاعلين لهم من الاهمية ما يكفي كي  تخاف على مصالحها من خلال التحولات التي تحدث داخل المشهد السياسي,. سواء تعلق الامر بالتشريعات التي يمكن ان لا تتوافق مع المناخ الاقتصادي العام و قدرة المقاولة على التجاوب بالشكل المناسب معها, او بخصوص التفاعلات الاجتماعية التي يمكن ان ترهن مصالح النقابات في توع المخاطب الساسي... نعم المشهد السياسي مع فاعلين ناضجين وقادرين على التفاعل من منطق المؤشرات و الفعل الواقعي, يمكن ان يعفينا من الكثير من الخلافات والعراقيل التي غالبا ما يكون مصدرها الخلافات الايديولوجية,

الدولة فاعل حاسم في المشهد, لا يمكنها ان تبقى في وضع المتفرج على وضع يمكن ان يمس بصورتها في الخارج, ترهل المشهد السياسي او ضعفه يعني ان الدولة في المشهد لم تتمكن من الدفع به الى بر الامان, وان الدولة لم توفر للفاعل الأجنبي مؤشرات الامان على المشاريع الممكن ان تدخل للوطن..

ان الدولة لها من القدرة ما يكفي كي تؤسس لمشهد سياسي جيد, يعفيها من الازمات الاجتماعية التي تنشأ من خلال التفاعل السلبي مع المشهد السياسي, سوآء تعلق الامر بالعزوف السياسي او الاحتجاجات التي يمكن ان تواجه المقاولات او قطاعات الدولة ,

اننا نعتبر ان سعي الدولة للتدخل في المشهد السياسي بما يستوجبه النفس العام  والاهداف المرسومة امر عادي وطبيعي ولا يمكن بالمطلق ان نسمه بالسعي الى التحكم. وطمس كل معالم النفس الديمقراطي في المشهد.

الوطن العربي بين مشهد سياسي منهك و نخب سياسية لا زالت لم تفهم هوية الدولة و عقيدة الاستقرار, وهذا ما سيكلف الدولة الكثير كي ترسم معالم مشهد يمثل شرائح المجتمع و يقوم بأدواره الدستورية, الدولة عليها ان تضخ كل مرة نحبا قادرة على الريادة والدفع بالأمور بشكل جيد,

لهذا نرصد وبشكل لا يدع مجالا لشك, إن هناك تفاوتا ملحوظا بين وتيرة اشتغال المؤسسات المعينة والمؤسسات المنتخبة, لان الامر كله مرهون على نوع النخب التي يراهن عليها المشهد السياسي, نخب اكاديميا لا تملك شواهد تخول لها ان تستوعب توجهات الدولة و في نفس الوقت عاجزة على التنفيذ بما يخوله لها دستور البلاد, ودون اخطاء.

وسوم: العدد 706