المحب الصادق عبد الله بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما

د. عبد السلام البسيوني

قصة حب صادقة شاعت عن هذا الفتى الصحابي النبيل رضي الله عنه، بعد أن تزوج امرأة عظيمة امتلكت أقطار قلبه، واستحوذت على مشاعره، هي السيدة عاتكة بنت زيد رضي الله تعالى عنها، فشغلته عن الصلاة والتجارة والمعاش، فلما رأى أبوه الصديق رضي الله عنه انشغاله بها، أمره أن يطلقها، فطلقها عبد الله تطليقة، فتحولت إلى ناحية، فبينما أبو بكر يصلي على سطح له في الليل، إذ سمعه يذكرها بقوله:

أعَاتكُ: لا أنساك ما ذَرّ شارقٌ                       وما لاح نجمٌ في السماء محلقُ

ولم أر مثلي طلق اليومَ مثلها                        ولا مثلها في غير شيء تطلق

لها خُلُق جَزْلٌ ورأي ومنطقُ                         وخَلْقٌ مصونٌ في حياء مُصَدقُ

فجاء إليه ورَقّ له، فقال: يا عبد الله، راجع عاتكة، فقال: أُشهدك أني قد راجعتُها، وأعتق غلاماً له اسمه أيمن لوجه الله تعالى، وأعطى عاتكة حديقة له حين راجعها؛ على ألا تتزوج بعده، ومات وهي عنده.

وعبد الله هذا هو شقيق أسماء رضي الله عنهما، أمهما قُتَيلة من بني عامر بن لؤي.

صحابي مهاجر، أسلم صغيراً. وهو الذي كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر بالطعام وأخبار قريش، إذ هما في الغار، كل ليلة، ففي البخاري في قصة الهجرة عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: وكان عبد الله بن أبي بكر يأتيهما بأخبار قريش - وهو غلام شاب فطن - فكان يبيت عندهما، ويخرج من السحر فيصبح مع قريش.

شهد عبد الله فتح مكة، كما شهد غزوة حنين والطائف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي غزوة الطائف رماه أبو محجن الثقفي بسهم، فجرحه فاندمل جرحه، ثم مات منه في أول خلافة أبيه أبي بكر رضي الله عنهما، في شوال سنة إحدى عشرة للهجرة، وذلك بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعين يوماً. وصلى عليه أبوه، ونزل في قبره إخوته عبد الرحمن وعمر وطلحة.

وما دمنا في إطار التاريخ فلا بأس أن نستطرد استطرادة خفيفة حول عاتكة زوج الصحابي ابن الصحابي عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهم، لأقول:

إن المرأة المسلمة المطلقة أو الأرملة ما كانت تتعرض لنظرة اجتماعية دونية؛ كما يحصل في زماننا، بل كانت دائماً محمية بالمنظومة الاجتماعية، فلا تترك حتى يطول تأيمها ووحدتها، بل سرعان ما تجد الزوج الكريم الذي يحميها ويسترها.. فها هي عاتكة رضي الله عنها تتزوج مرات عدة.. وهاك قصتها:

عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل العدوية، أخت سيدنا سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة، أسلمت، وهاجرت، وعُرفت بالجمال والكمال، خَلْقاً وخلُقاً، وعقلاً ورأياً.

تزوجت أربعة من الصحابة، استشهدوا جميعاً في سبيل الله، حتى إن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يخبر أنه من أراد أن يموت شهيداً فليتزوجها.

ولما كان يوم الطائف أصاب زوجها عبد الله بن أبي بكر سهم فمات منه فأنشأت تقول:

فلِلَّه عَيْناً من رأى مثْلَهُ فَتىً                     أكَرَّ وأحمى في الهياج.. وأصبرا

إذا شرعت فيه الأسنةُ خاضها                  إلى الموت حتى يترك الرمحَ أحمر

فأقسمت لا تنفك عيني سَخينةً                  عليك ولا ينفكُّ جلدي أغْبرا

عليك ولا ينفكُّ جلدي أغْبرا                      وما طردَ الليلُ الصباحَ المنهورا

ثم خطبها عمر بن الخطاب فقالت: قد كان أعطاني حديقة على ألا أتزوج بعده، قال:

فاستفتي، فاستفتت علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: رُدّي الحديقة على أهله وتزوجي. فتزوجت عمر، فلما استشهد عمر رضي اللّه عنه، وانقضت عدتهُا خطبها الزبير بن العوام فتزوجها، وقال لها: يا عاتكة، لا تخرجي إلى المسجد، فقالت له: يا بن العوام، أتريد أن أدَع لغَيْرتك مُصَلىً صلتُ فيه مع رسول الله وأبي بكر وعمر؟

قال: فإني لا أمنعك.

فلما قُتل الزبير قالت فيه شعراً ترثيه، فلما انقضت عدتها تزوجها الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، فاستشهد أيضاً، فكانت أول من رفع خده عن التراب، وقالت ترثيه:

وحُسَيْناً فلا نَسيتُ حُسَيْناً                       أقصدتْهُ أسنّةُ الأعْدَاء

غَادَرُوهُ بكَرْبلاءَ صَريعاً                        جَادَتِ الْمُزْنُ في ذُرَى كرْبلاء

ثم تأهيمتْ، ويقال: إن مروان خطبها بعد الحسين عليه السلام فامتنعت عليه، وقالت: ما كنت لأتخذ حمىً بعد ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتوفيت رحمها الله ورضي عنها سنة أربعين من الهجرة.

وسوم: العدد 709