ثقافة الحريم
جميل السلحوت
وقد أفرزت لنا ثقافة القبيلة العقلية الذكورية التي كانت تعتمد على الذكور في الغزو القبلي أو الدفاع عن القبيلة، وخوفا من أن تقع النساء سبايا في الحروب القبلية، فقد لجأت بعض القبائل ومنها قريش الى وأد بناتها في مرحلة الطفولة المبكرة، كي لا يقعن سبايا في مراحل قادمة،
وجاء الاسلام وأعطى المرأة حقوقها التي ما لبثت ثقافة القبيلة أن جردتها الكثير منها، وقد حثّ الرسول صلى الله عليه وسلم على تعليم البنات: " من كانت له ابنة فعلمها وأحسن تعليمها وأدبها فأحسن تأديبها كانت له سترا من النار" وكان من النساء راويات للحديث مثل أمّ المؤمنين عائشة، وشاركت النساء في عهد النبوة في الحروب، يعددن الطعام للمقاتلين ويمرضن الجرحى، ويرفعن المعنويات، وقادت أمّ المؤمنين عائشة معركة الجمل ضد عليّ بن أبي طالب، وغير ذلك. وفي العهد العثماني عرف ما يسمى بعصر الحريم، الذي تفاوت فيه التعامل مع المرأة بين جماعات وأخرى، إلى أن وصلنا الى العصر الحديث، حيث نجد فضائيات مخصصة لمشايخ يطلقون اللحى، وغالبية "فتاويهم ومواعظهم ومعالجاتهم لقضايا الأمة" ترتكز على ما المرأة وما بين فخذيها، وكأن الأنثى مسؤولة عن كل مصائب الأمّة، مع أنها ليست شريكا في صنعها، وهناك من يعتبرون "الأنثى" "حرمة" اسمها حرام، وسماع صوتها حرام، وكل ما يتعلق فيها حرام في حرام، وينسون أنهم يقرأون –إن كانوا يقرأون- اسم والدة الرسول، وأسماء بناته وزوجاته، وبعضا من سيرتهن الذاتية، فلماذا لا يقتدون بالرسول وهو قدوة حسنة؟ وهناك من يدعو الى زواج البنات الأطفال درءا للرذيلة، وكأن الشهوة موجودة في الأطفال الاناث! وهناك من يفتي بزواج المؤانسة، والمتعة والمسيار و"جهاد المناكحة"، وهناك من ينسب الغواية والضلالة للأنثى دون الذكر، وامعانا في اضطهاد الأنثى فإن التمييز يلاحقها في كلّ شيء، وفي الوقت الذي شاركت فيه بعض النساء غير المسلمات في غزو الفضاء الخارجي، وساهمن في الاكتشافات العلمية، إلا ان هناك من يحرم على المرأة قيادة السيارة حتى لو كانت ذاهبة للصلاة في المسجد، أو لاصطحاب طفلها المريض الى الطبيب، لكن لا ضير من أن يقود سيارتها أجنبي وهي بصحبته!
والأنكى أن هناك من يعتبر المرأة ضعيفة لا تقوى عقليا على عمل شيء، وهؤلاء طبعا يعتمدون على الفوارق العضلية بين الذكر والأنثى، وينسون أن هناك نساء قدن أمما وشعوبا بقدرة واقتدار، ومنهن نساء عربيات ومسلمات مثل بلقيس ملكة سبأ، وزنوبيا ملكة تدمر، وشجرة الدّر في مصر، وبنازير بوتو في باكستان الحديثة، وغير مسلمات وغير عربيات مثل: مارغريت تاتشر، أنديرا غاندي، وجولدة مائير وغيرهن.
وعلى مستوى الابداع هناك من يتساءل عن "الأدب النسوي" وكأن هناك أدبا ذكوريا...الخ.