معصوب العينين
سالم الزائدي
ما الذي يحدث في مجتمعنا اليوم.. وفي أي زمن نعيـش؟
هل ننظر إلى واقعنا على أساس أنه كلـه آلام، أم ننظر إليه وأمامنا كل الآمال، أو نحاول أن نعرف كيف وصلنا إلى هذه السلبية واللامبالاة ..ونتطلع إلى الخلاص ؟
كل يوم نغرق في إشكالية تعصب الرأي والتوجه، ويغيب العقل وثقافة الحوار؟ تنقلب الموازين والسياسات من النقيض إلى النقيض؟ تضمحل الرؤية وتتباعد المنارة ونضيع في بحور الاضطراب حتى أننا لا نعلم إلى أين نسير؟ لماذا لا نفرض مصلحة الأمة على توجهاتنا الفكرية والسياسية؟ لماذا نستخدم الرفض قبل الفهم أيها الساسة؟
إننا نتطلع إلى معالجة واحتـواء مشاكلنا المتأصلة في طبيعتنا وعاداتنا وبيئتنا التي تفرز أشكال متنوعة من التصرفات، تلك التي لا تخدم مستقبل أبنائنا وتهدم مصالحنا المشتركة، إذن ما السبيـــل؟
لن اخجل بالقول بأننا لسنا في مستوي الحدث والعصر وأننا نعيش في منطقة تخلفت حتى في معالجة ابسط الأمور مثل " كيفية الحوار مع بعض" !!. مازلنا نضع كل ما تعلمناه جانباً ضاربين بعرض الحائط بالأخلاقيات والمنطق ونستعين بكل الوسائل المتاحة لفرض وجهة نظرنا والترويج لرؤيتنا مع قصورها وبعدها عن العقلانية.
أعتقد أنني أبحث عن بداية طريق وأظنها تبدأ من (ثقافة التحرر) والتحرر المقصود يمس الوضع السياسي والاجتماعي الذي وصل إليه عالمنا العربي، وأصبح واضحاً وساطعا ًللعيان وشاهد على إفلاس الأنظمة واحتضـار المؤسسات. معركتنا اليوم هي المقاومة عن طريق المعرفة، فالمعرفة أخت المقاومة، وكسب المعركة رهين بمدى قدرتنا على " تحرير الثقافة وإشاعة ثقافة التحرر".. وقد آن الأوان لكي تُطَلِقْ المؤسسات السياسية.. الثقافة وترفع أيديها عن المفكرين والباحثين لكي يستعيدوا دورهم في هذه المعركة ويملأوا الفراغ الذي خلفـه هذا الإفلاس السياسي ولاسيمـا .. أن التحديات التي تواجه المجتمعات العربية والإسلامية ليست بالقليلة ولا باليسيرة .
أولى هذه التحديات: ازدواجية المواقف في معالجة المشاكل مما تسبب في انشطار العالم العربي إلى قسمين، أصبح شبح اندلاع حرب ثقافية أمرا ًواردا ًفي كل لحظة بسبب هيمنة القرار السياسي على الحياة الثقافية والاجتماعية وغياب قنوات التواصل والحوار الأخوي، ولكي نتجاوز هذه الازدواجية، لابد من تحرير الثقافة من هذه الهيمنة كما أنه علينا ابتكار صيغ لها فاعلية، تعمل علي إدماج الآخر أثناء عملية إعادة بنـــاء الذات.
ثاني التحديات : تشتت القوى الفكرية وهذا يتطلب تجاوز الخلافات الداخلية والتناقضات الثانوية بتشكيل جبهة ثقافية مستقلة على أرضية فكرية تكون أسسها القواسم الوطنية المشتركة.
التحدي الثالث: الإسهام في البناء الثقافي والمعرفي الإنساني. المفكرون والباحثون مطالبون بتحريض مكامن القوة في هذا الوطن الكبير ولاسيما في مجلس التعاون الخليجي، مطالبون أيضاً باستنهاض الهمم والاجتهاد في إبداع أشكال متنوعة عصرية وحضارية ترفع من ثقافة المواطن وتحول الرفض الاجتماعي من حالة اندفاعية موسمية إلى حالة ثقافية دائمة.
أنا وغيري ننظر إلى المعاصرة من خلال تصويب الرؤية والموازنة بين العاطفة والعقل وهما شرطان أساسيان لحسن إدارة المرحلة ولا يقدر على استيفائها إلا أهل الفكر والعلم من رجال ونساء الأمة.
إن عالمنا الحالي بكل تنوعه هو سوق ثقافي بلا حدود والتعامل معه يجب أن يكون وفقاً لخطوات مدروسة وهذا ما يجب أن نتداركه ونُمًعِنْ النظر فيه حتى نتقدم خطوات إلى الأمام، فما التقدم إلا فاعلية الإنسان بتعقله وتفكره فيما حوله، وبالتعقل والتفكر في علاقاتنا مع من حولنا تتكون الأخلاق. فالإنسان في لحظة اختيار دوماً ولابد له من اختيار ولا بد أن يعرف كيف يختار وماذا يختار. إن أمتنا لقادرة على أن تنقذ نفسها وتنقذ الآخرين باختيار الخير لنفسها وللإنسانية كلها.
يقول الشاعر فرج أبو الجود في قصيدته انهض:
بادر وكـــن متقـــــــــدما لا تخشْ من أن تُهـــزما
إن النجــــــومَ بعيـــــــدةٌ فانهضْ لتصنع سُـــلمــا
كن في الحوالكِ كالشُهبْ واغضبْ إذا لزم الغضبْ
واغلب بعزمك يا أخــــي إن النجــــــاح لمن غلبْ
انهض وناضل للوطــــن وابعد خطاك عن الفتـــن
وارفع يديـــــــك مــردداً يا رب جنبنــا المحــــــن