إعلام الكنيسة أخطر من إعلام الأمن
أ.د. حلمي محمد القاعود
عرض الأستاذ مجدي أحمد حسين لمجموعة الصحفيين والأبواق التي تعمل إعلاميا لحساب الأجهزة الأمنية ، وتحاول أحيانا الظهور بمظهر المعارضة حين تهاجم هذا المسئول أو ذاك ، فيتصور بعض الناس الطيبين أن هذه الأبواق تدافع عن الشعب وقضاياه ، وأنها تملك جرأة حقيقية في مهاجمة قائد الانقلاب أو أعوانه الذين عينهم في مناصب رفيعة بدءا من رئاسة الجمهورية إلى الموظفين العموميين في المحافظات والمدن .
الإعلام الأمني قضية قديمة منذ الانقلاب الأول الذي قاده جمال عبد الناصر ضدالرئيس محمد نجيب حين أ صر الأخير على الديمقراطية وعودة الجيش إلى ثكناته ليواجه الأعداء الخارجيين . لقد أنشأ عبد الناصر صحفا ومجلات تنطق باسمه ويديرها ضباط وصولات ارتدوا الملابس المدنية فكانت مثلا جريدة الجمهورية التي أنشئت واندمجت مع جريدة الشعب – وهي غير الشعب التي أنشاها حزب العمل بزعامة المهندس المجاهد إبراهيم شكري فيما بعد . كان من رؤساء تحرير الجمهورية اليوزباشي محمد انور السادات الذي صار رئيسا للجمهورية بعد موت جمال عبد الناصر ، والصاغ صلاح سالم شقيق البكباشي جمال سالم الذي ضيع السودان لحساب قائد الانقلاب الأول . وكانت هناك جريدة المساء التي تولى أمرها البكباشي خالد محيى الدين ، ومجلات مثل التحرير والشهر والرسالة الجديدة وتولاها ضباط جيش وشرطة وصولات منهم يوسف السباعي وسعد الدين وهبة وحسين رزق ..
حين استقر الأمر لجمال عبد الناصربعد هزيمته في 1956 وخيبته في سورية أمم الصحف الخاصة تحت عنوان تنظيم الصحافة ووضع أصحابها مجرد موظفين على رأسها ، ولكن الرقيب العسكري كان صاحب القول الفصل ، وكان ذلك بداية لتشكيل جيل من أبواق النظام العسكري الفاشي الأول وكتابه ، معظمهم من اليساريين بعد أن أمر خروشوف بإطلاق سراح الشيوعيين قبل تفاهمه مع مصر في اوائل الستينيات . وكان هذا الجيل نواة التنظيمات السرية التي حركتها فيما بعد أجهزة الأمن المختلفة ( المباحث العامة - أمن الدولة - المخابرات العامة – المخابرات الحربية – الأجهزة التابعة مباشرة للرئاسة ) ، وقد استطاع هذا الجيل أن يورث ولاءه للنظام العسكري الفاشي لأجيال جديدة تتفاعل مع الأجهزة الأمنية وتعمل بتوجيهها ، لدرجة أنها تستقبل التسجيلات الصوتية والمصورة وتقارير المخبرين شبه الأميين وتصنع منها تحقيقات وتضمنها روايات تشهّر بالإسلام والحركة الإسلامية بوصفها المعارضة الفعالة والمؤثرة ، فضلا عن التسلية بمغامرات العوالم والغوازي والمشخصاتية والطبالين. ووصل تغول الأجيال الأمنية الجديدة إلى أهم معقل من معاقل المعارضة القديم – أقصد روز اليوسف – وهو المعقل الذي خرج منه قادة الدفاع عن الشعب قبل الانقلاب الأول ليخرج منه نجوم الدفاع عن وحشية الانقلاب الثاني في الفضاء وعلى الورق.
في سياق الصناعة الأمنية كان لواء الريادة والأستاذية ينعقد لأبواق تعمل لحساب المخابرات الأجنبية ، ونقل عن خروشوف مفاجأته لأحدهم وكان برفقة جمال عبد الناصر في زيارة للاتحاد السوفياتي بذكر الشيكات التي تقاضاها من المخابرات المركزية الأميركية ، ولم يحر الأستاذ الرائد جوابا ، وقيل إنه عاد من هناك ليدبر لبعض أساتذته الذين صنعوه تهمة التخابر مع أميركا وليكون السجن الطويل من نصيب أحدهم والهروب إلى المنفى من نصيب الاخر !
مع صعود شنودة إلى سدة الحكم الكنسي وقيادته للتمرد الطائفي الحالم بتطهير مصر من الإسلام والمسلمين وفق التجربة الأندلسية ، فإنه استطاع بعد مقتل السادات وتعبئة أتباع الكنيسة ضد أشقائهم في الوطن أن يلعب على وتر الإعلام الذي يخدم تمرده ، وقد بدأ بنفسه حيث كان يكتب مقالا اسبوعيا ينشره في " الجمهورية " مع جريدته الطائفية " وطني " في وقت واحد وهو يوم الأحد ، ثم انتقل المقال إلى " الأهرام "، ولوحظ أن المقال كان ينشر في صورة تدل على اهتمام لم يحظ به في السابق غير مقال هيكل ، أضف إلى ذلك أن المقال تنصيري بامتياز ، فهو يتناول الرقائق التي تناغي الوجدان مصحوبة بنصوص من الكتاب المقدس تؤكد آراءه ، وتبتعد عن القضايا التي يختلف فيها الإسلام مع النصرانية . وتزامن مع ذلك دعوات للصحفيين الأمنيين لاحتفالات الكنيسة كان لها تاثيرها غير العادي على بعضهم لدرجة أن صحفية يسارية راحلة تتحدث عن لقاءاتها مع شنودة حديثا أقرب إلى الحميمية ، ومؤخرا أشارت واحدة من العوالم إلى أن الكنيسة تتبني الموسيقى الحالمة أما المساجد فتصنع الإرهاب البشع !
لقد قيل إن الكنيسة تمول عددا من الصحف الحزبية بطريقة غير مباشرة عن طريق الاشتراكات في عدد ضخم من النسخ . بيد أن رجال المال النصارى الموالين للتمرد الطائفي أسسوا عددا كبيرا من الصحف او أسهموا فيها ، يتم توجيهها لإهانة الإسلام وتشويه المسلمين ، وتأمل ما تنشره صحف : الفجروالدستور والمصري اليوم والوطن والصباح واليوم السابع وفيتو والموجز وغيرها ، ولم يقتصر الأمر على المادة التي يصوغها المحررون ، بل إن أحدهم وهو صاحب الدستور – رضا إدوار – كان يتولى بنفسه كتابة العناوين في الصفحة الأولي لجريدته ويسب فيها الرئيس المسلم، ويشهر بالاسلام والمسلمين طوال فترة الإعداد للانقلاب العسكري الدموي الفاشي وما بعدها !
أدرك عدد كبير من الصحفيين والإعلاميين وخاصة اليساريين والناصريين والليبراليين أن علاقتهم بالكنيسة مسألة اساسية ومهمة لترقيتهم في المناصب الإدارية والتحريرية ؛ خاصة بعد أن توطدت علاقة مبارك بشنودة وصار الأول لا يرد طلبا للآخر، وهنا ضمن شنودة أن كلمة واحدة ضد التمرد الطائفي لن تمر في الصحف أو الإعلام ، بالإضافة إلى أن صياغة الأخبار والتحقيقات عن الأحداث التي يفتعلها المتمردون الطائفيون تكون تغطيتها منحازة للكنيسة على طول الخط ، وكم لبست مذيعات مسلمات السواد حدادا على قتلى النصارى دون أدنى تعاطف مع الشهداء المسلمين ! فضلا عن كل ذلك فلا مجال لنشر أي موضوع عن مظلومية المسلمين مع التمرد الطائفي ، أو الدعوة إلى تحكيم الإسلام في حياة المسلمين ، وبسبب ذلك تم استئصال أو إقصاء كل صوت إسلامي حقيقي من الصحافة والإعلام بمعرفة القيادات أو معرفة الأجهزة الأمنية ولك أن تتصور مثلا كاتبا إسلاميا شهيرا كانت له علاقات قوية بكبار المسئولين تمت إزاحته من" الأهرام " بسبب مقاله الأسبوعي الذي كان يعبر عن الإسلام المعتدل جدا وفي رقة متناهية !
قبل أن يهلك شنودة كانت الكنيسة قد تمكنت من إنشاء عدد كبير من القنوات الفضائية التي لا تأخذها رأفة ولا لياقة ولا موضوعية في التشهير بالإسلام والمسلمين ، ولا تكتفي بالدعوة إلى التنصير !
لقد أصبح الحديث عن أي شيء ممكنا في الصحافة والإعلام إلا الإسلام بمعناه العملى فممنوع بأمر من الكنيسة والأمن معا ، لأن من يعملون لحساب الكنيسة المتمردة يعملون في الغالب لحساب الأمن أيضا وإعلام الكنيسة في كل الأحوال أخطر من إعلام الأمن لأنه يحرمك من هويتك ومن ذاتك ويلقي بك فريسة لوحوش الأمن وزبانيته ، ولا غالب إلا الله !