صفقة القرن اقتصادية الهدف وسياسية الحديث
وصل السيد ترامب الى المنطقة فى أول جولة خارجية له بدأها بالمملكة العربية السعودية ثم اسرائيل ومناطق السلطة الفلسطينية، والجميع يسعى للحصول على رضا الرجل وحريص على عدم ازعاجه وقد استعانوا بخبراء متخصصين فى علم النفس لتلك الغاية لتمر الزيارة بسلام نظراً للهالة المحيطة بشخصية ترامب والتى رسمها هو بعناية فائقة خلال حملته الانتخابية، وبما اتخذه من قرارات خلال فترة حكمه التى لم تتعدى بعض الأشهر، وجزء أساسى من سياسات هذا الرجل اعتمدت وستعتمد على تلك الهالة التى تشخصه كما لو كان رجل غير متزن يقود طائرة، لكن واقع الأمر أن السيد ترامب متزن جدا بعكس الصورة التى رسمت له من خلال الاعلام الأمريكى المعادى له والذى يحرص ترامب على زيادة عدائه له ويرفض كسب وده، وهو حريص على تكريس تلك الصورة له على الأقل فى هذه المرحلة من ولايته، لأنها تعطيه هامش كبير فى المناورة السياسية فى كل القضايا الداخلية والخارجية، والهدف هنا يكمن فى الأساس فى إعادة صياغة السياسة الدولية طبقاً لعقلية ترامب الرأسمالية والتى هى فى الأساس أيديولوجية أمريكية أصيلة تؤمن بأن صاحب رأس المال يجب أن يكون الرابح الأكبر . إن لم يكن الرابح الوحيد وهى سياسة مخالفة نسبيا لتلك التى اتبعها سلفه الديمقراطى باراك أوباما .
وليس مصادفة أن تبدأ أول جولة خارجية له بالمملكة العربية السعودية والتى لا يفصلها عن إيران إلا مياه خليج فارس فالمملكة السعودية كانت تاريخياً النواة الصلبة للنفوذ الاقتصادى الأمريكى وحجر الزاوية لاستقرار سياسات الطاقة العالمية طبقا للمصالح الاقتصادية الغربية والأمريكية، ولما تمثله المملكة كحليف استراتيجى للولايات المتحدة أضف إلى ذلك ما تمثله المملكة من نفوذ اقتصادى وعقائدي لمجمل دول الإقليم وهو ما يتيح للمملكة لعب دور فاعل فى الكيثر من الملفات الاقليمية الساخنة وخاصة ملف الصراع العربى الاسرائيلى الذى يمثل عقبة كـأداء أمام توافق المصالح الاسرائيلى العربى المتنامى ضمن تحالف المصالح الأمريكى مع الطرفين على اعتبار أن الدعائم الاستراتيجية فى النفوذ الامريكى فى منطقة الشرق الأوسط استندت لعقود على ركيزتين هما أمن اسرائيل كقاعدة عسكرية متقدمة للولايات المتحدة والثانية هى أمن امدادات الطاقة فى منطقة الخليج والتى حرصت الولايات المتحدة لعقود على ضمانها وتحييدها بعيداً عن أزمات وصراعات المنطقة حتى لا يتكرر مشهد أزمة الطاقة التى حصلت عام 73 من القرن الماضى والتى كانت درساً قاسيا للغرب وللولايات المتحدة
إن الصفقة التى يروج لها السيد ترامب هى بالأساس تدعيم النفوذ الأمريكى فى المنطقة ووقف تسلل الروس إلى منطقة حيوية جداً للنفوذ الأمريكى عبر دمج كلا الاستراتيجيتين أمن اسرائيل والحفاظ على أمن امدادات الطاقة ضمن تحالف عربى اسرائيلى ممول عربياً وبرعاية أمريكية، لكن القضية الفلسطينية تقف عائقا فعلياً أمام هذا التحالف عليه فان ترامب ومن قبله إدارات سابقة أصبحت ترى منذ زمن أنه آن الأوان لإيجاد تسوية لهذه القضية، فإدارة جورج بوش الابن أدركت ضرورة إيجاد حل لكنها اصطدمت بموقف اسرائيلى رافض رغم أن العرب تبرعوا فى حينها بمبادرة عربية سخية وصفها شارون فى حينه بالخرقة الحمراء المثيرة للاشمئزاز وهو ما دفع ادارة بوش الابن إلى استبدال سياسة حل الصراع بإدارته عبر أجزاء جديدة من مسلسل مسيرة التسوية النصف عادلة عرفت فى حينه بخارطة الطريق. اليوم وبعد قرابة العقد ونصف على طرح مبادرة السلام العربية يبدو الطرف العربى والفلسطينى أكثر ليونة مما سبق فى تقبل أى تسوية وإن كانت مجحفة بحق الفلسطينيين .
عليه فان الكرة اليوم فى الملعب الاسرائيلى من جديد والذى لا يبدو راغباً فى إقرار أى تسوية كما كان بالأمس القريب ويصر على سياسة إدارة الصراع لفرض واقعه على الأرض، وهنا يكمن الاختبار الفعلى للسيد ترامب فى قدرته على تليين موقف الحكومة اليمينية فى اسرائيل نحو إقرار تسوية تاريخية للصراع العربى الاسرائيلى ضمن حوافز سياسية واقتصادية من الطرف العربى والأمريكى؛ لكن ترامب الذى نجح بهالته فى إبرام عقود طويلة الأمد من خلال صفقات السلاح التى أبرمها فى المملكة العربية السعودية والتى تفوق فى مجموعها نصف ترليون دولار يدرك جيداً أن تلك الهالة غير فاعلة فى اسرائيل عليه فان ترامب قد لا تختلف مصير محاولته عن مصير محاولات أسلافه ووارد جداأ أن تتحول صفقة القرن إلى جزء جديد آخر من مسلسل التسوية عنوانها (خارطة الطريق نحو صفقة القرن) خاصة وأن صفقة القرن الاقتصادية والحقيقية قد أبرمت فعليا فى الرياض بمئات المليارات أما صفقة القرن السياسية المجهولة المعالم حتى اليوم فيبدو أنها كسابقاتها ستشهد لقاءات ثنائية وعودة لطاولة المفاوضات مع ثبات الموقف الاسرائيلى ورفضه للحقوق الفلسطينية .
وسوم: العدد 721