توسّع الصحوة الإسلامية، وتشرذم العمل الإسلامي
[بتصرّف يسير، من كتاب واقعنا المعاصر، صفحة 435 – محمد قطب]
إنّ توسع الصحوة يرجع – من جانب – إلى جهود الدعاة العاملين في حقل الدعوة، ويرجع – من جانب آخر – إلى المذابح المتوالية الذي يقيمها أعداء الإسلام للمسلمين! وتلك سنة يغفل عنها دائماً أعداء الإسلام، مع تكررها دائماً مع الأيام: أن الدعوة التي يقدم لها الدم لا تموت! والأعداء - من حنقهم – لا يستطيعون أن يمنعوا أنفسهم من التقتيل والتعذيب والتشريد، ظناً منهم في كل مرة أن هذا هو الذي يقضي على الدعوة، فينفُذُ قدَرُ الله من خلال أعمالهم، وتنتشر الدعوة مع كل نقطة دم تراق، ومع كل سَوط يُلهب الظهور.. واستشهادُ رجل واحد موصول القلب بالله، يصنع الله به للدعوة ما لا تصنعه ألوف الخُطَب، وألوف الكتب، وألوف المحاضرات.. ولكن الظالمين لا يعلمون.
أما تبعثر العمل الإسلامي فله أسباب عدة:
والسبب الأول – والأظهر- هو غياب القيادة الكبيرة التي تطمئن لها النفوس، وتنقاد لها طائعة بدافع الحب والتقدير والثقة والاحترام، فيلتئم حولها الشمل، وتجتمع حولها القلوب.
ووجود القيادة الكبيرة لا يحل كل مشكلات التجمع.. فهناك دائماً نفوس مريضة لا تنقاد إلا لشهوتها وأهوائها. وقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو النبي المرسل، وأعظم شخصية في تاريخ البشرية كله، قد أثارت حقد عبد الله بن أبيّ وجعلته ينشق عن الصف! وعلى المستوى البشري تعتبر قيادة الإمام الشهيد حسن البنا من القيادات الكبرى في التاريخ، ولم يمنع وجودُها من حدوث انشقاقات داخل الجماعة وتحزّبات.
ولكن وجود القيادة الكبيرة يقلل كثيراً، دون شك، من مشكلات التجمع، لأنه يجمع النفوس المخلصة التي لا تعمل من أجل الظهور والمجد الشخصي، وتجمّع الجنود.. والجنودُ غالباً ما يكونون مخلصين متجردين من الأهواء.
وفي غياب مثل هذه القيادة تتولد زعامات صغيرة شابة تنقصها الخبرة، وكثيراً ما يختلط في نفوسها الإخلاص للدعوة والإخلاص للذات، وذلك من واحد من مداخل الشيطان هو اعتقاد كل واحد منهم أنه على حق، وأن اتباع الحق يستوجب اتباع من يمثله! أي اتباعه هو! ومن ثم تتناحر هذه الزعامات وتتناطح، ويقول كل منها: على فلان وجماعته- إذا أرادوا – أن يأتوا إليّ، ويتبعوني! أما أنا فلا أذهب إليه، ولا أتبعه، لأنه ليس على الحق!.
وسوم: العدد 724