لماذا يُحزِن بعضنا بعضاً
من المؤسف حقّاً أن نَجِد كثيراً من الناس يعملون على إحزان الآخرين، أو قهرهم، أو مضايقتهم، إو إيلامهم، دون أن يُدركوا أنهم بهذا يخسرون ودَّهم، ويشترون بغضهم، ولعلّهم يأثمون عند ربِّهم.
ويفعلون هذا بالكلمة غير الطيبة يقولونها لهم، أو باغتصاب حقّ من حقوقهم، أو بإلحاق الأذى بهم، أو بارتكاب العنف ضدّهم.
ولنا أن نرى مُجتمعاً مُتصدِّعاً إذا كانت علائق أفراده هكذا؛ مخافر الشرطة فيه لاترتاح من استقبال المتنازعين، والمحاكم تغصّ بالذين يحتكمون إلى القضاء ليُنصفهم ممن اعتدى عليهم، أو اغتصب حقوقهم، أو ظلمهم وجَارَ عليهم.
ولايحدث هذا في مجتمعاتنا إلا لغياب الأخلاق التي ربّى النبي (ﷺ) صحابته عليها، وشَرَعَها لنا ربنا في قرآنه الحكيم، ونبينا (ﷺ) في خُلُقه الكريم.
فنحن حين نُدخِل الغمّ والحزن إلى قلب مسلم إنما نقوم بعمل مضاد لأفضل الأعمال التي حثَّنا عليها النبي (ﷺ) وأوصانا بها: (أفضل الأعمال أن تُدخِل على أخيك المؤمن سروراً، أو تقضي عنه دَيْناً، أو تُطعِمه خبزاً) صحيح الجامع 1096، عن عبدالله بن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم جميعاً.
لقد دعانا النبي (ﷺ) إلى أن نُفرِّج كُرَب المؤمنين، وأن نسعى في قضاء حوائجهم، وأن نحرص على سترهم وعدم فضحهم، كما نهانا (ﷺ) عن ظلمهم وتسليمهم، وخيانتهم وخذلِهم واحتقارهم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي (ﷺ) قال: (المسلم أخو المسلم، لايخونه، ولايكذبه، ولايخذله، كل المسلم على المسلم حرام: عِرضه وماله ودمه، التقوى ها هُنا -وأشار إلى القلب- بحَسْب امرئ من الشّر أن يحقر أخاه المسلم). صحيح مسلم.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي (ﷺ) قال: (المسلم أخو المسلم، لايظلمه ولايُسلِمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كُربة فرَّج الله عنه كُربة من كُرَب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة) متفق عليه.
إن المسلم الذي لايَسْلَم المسلمون من لسانه ويده يحتاج إلى مراجعة نفسه، والتوقُّف عن إيذاء المسلمين، لأنه لايُحقِّق تعريف النبي (ﷺ) للمسلم: (المسلم من سَلِم المسلمون من لسانه ويده) البخاري ومسلم.
ويبقى السؤال: وما الحل؟ أين العلاج؟ كيف نجعل مجتمعاتنا كما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم، كما ربّاهم النبي (ﷺ)؟
لابدّ أوّلاً من أن يُدرك كل مسلم أن في سلامة الآخرين من لسانه ويده خيراً له قبل أن يكون فيه خير لهم، لأنه حين يُحسِن إليهم، ويصبر عليهم، ويتجاوز عنهم، يُثاب ويؤجَر، ويُوفَّق في حياته، ويحظى برضا ربّه عنه، ويفوز في الآخرة بجنة عرضها السماوات والأرض، وفي هذا كُلّه خير عظيم له في الدنيا والآخرة.
ولعلّ أكثر مايسعى المسلم إليه هو عوْن الله سبحانه له، فهو في كل ركعة صلاة يدعو الله: (إيّاك نعبد وإيّاك نستعين)، فلا غِناء لأحد في الكون كله عن عونه سبحانه، ويُخبرنا النبي (ﷺ) أن الله تعالى يُعين من يُعين أخاه: (والله في عَوْن العبد ما كان العبد في عوْن أخيه)
وإذن فمعاونة أحدنا الآخر في أمر من أموره أو شأن من شؤون حياته إنما هو سبب لاستنزال معونة الله له وتيسيره لأموره، فكيف نغفل عن هذا الخير العظيم، وننسى هذه الفائدة الكبيرة.
ثم على المسلم أن يدرك أيضاً أن في كثير من أعمال الخير وتفريج الكروب وإسعاد الآخرين أيضاً أرباحاً عظيمة له في الدنيا وفي الآخرة، وهو طريق سهل لسعادته هو نفسه وسلامه النفسي.
لذلك ننصح الآباء والأمهات والمربين بوجوب الاهتمام بغرس المعاني الإيجابية في نفوس الأبناء، وتعليمهم أن الإسلام دين الإيجابية والتفاؤل والخير، وترسيخ قيم التعاون والمحبة والعطاء في قلوبهم، ونشرح لهم كيف أن مجرد الابتسامة في وجوه الآخرين، إنما هي عمل عظيم يثاب صاحبه ويُحتسب له صدقة وأجر.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا رأيت أخاك مكروباً فقل له: أبْشِر.. الفرج قريب، وإذا رأيته في عسرة فقل له: أبْشِر اليُسر قريب، كان رسول الله (ﷺ) يُحبّ البشارة ويُكثِر من قول أبشِر: (بشِّروا ولاتُنفِّروا، ويسِّروا ولاتُعسِّروا)
صحيح البخاري.
وسوم: العدد 726