قراءة في تجارب الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية (3)
قراءة في تجارب الأحزاب
ذات المرجعية الإسلامية (3)
التجمع اليمني للإصلاح
د.أحمد محمد كنعان
تمهيد :
كانت البداية الفعلية للتجمع في عام 1979 بتأسيس "الجبهة الإسلامية" ، وحين نشبت الحرب بين اليمن الشمالي واليمن الجنوبي تحالفت الجبهة مع علي عبد الله صالح ضد الجبهة الوطنية الديمقراطية ، وبقيت الجبهة الإسلامية تجمعاً حزبياً غير معلن محالفاً لعلي عبد الله صالح ضد القوى اليسارية في وسط وجنوب اليمن ، وفور إعلان الوحدة اليمنية عام 1990 أعلن رسمياً عن تأسيس "التجمع اليمني للإصلاح" ، على يد "عبد الله بن حسين الأحمر" وقد تشكلت اللبنة الأولى للتجمع من بعض الزعامات القبلية ، وبعض الإسلاميين المتأثرين بفكر الإخوان المسلمين ، وشخصيات ذات توجه وهابي ، علماً بأن الحزب في مناسبات عدة نفى علاقته بالإخوان المسلمين ، ووفقاً لقيادة التجمع فإن القول بوجود إخوان داخل الحزب يستعمله الخصوم لمحاربته في إطار محاربة تيارات الإسلام السياسي عامة .
في مطلع القرن الحادي والعشرين تعززت العلاقة بين التجمع و "أحزاب اللقاء المشترك" المعارض ، وجرى بينهما تنسيق واسع ، وقدما معاً قوائم مشتركة في عدد من الدوائر الانتخابية والهيئات والنقابات ، وتقدما بوثيقة الإصلاح السياسي الوطني في عام 2005 في الانتخابات الرئاسيةة عام 2006 ، ومع تدهور العلاقة بين المعارضة والحزب الحاكم شارك التجمع بتشكيل مجلس التشاور الوطني في عام 2008 الذي عقدت هيئاته المختلفة ملتقى وطنياً في عام 2009 انبثق عنه تأسيس اللجنة التحضيرية للحوار الوطني .
ربيع اليمن السعيد :
في عام 2011 وبعد خلافات حادة مع الرئيس اليمني علي عبد الله صالح لعدم تجاوبه مع الحوار الوطني الذي استهدف إخراج البلاد من الأزمة التي تمثلت باستبداد الرئيس بالسلطة لأكثر من 33 سنة ، والتحضير لتوريث والحكم لولده "أحمد" ، قاد التجمع اليمني للإصلاح مع بقية أبناء الشعب ثورة شعبية عارمة طالبت برحيل الرئيس ونظامه الفاسد وقطع الطريق على عملية التوريث ، وطالب قادة الثورة بتأسيس دولة مدنية ديمقراطية تحتضن الجميع ، وقد بدأت الثورة فعلياً في العاشر من شهر شباط / فبراير 2011 على شكل احتجاجات متقطعة مناهضة لحكومة علي عبد الله صالح ، وقد ازداد زخم هذه الاحتجاجات بعد نجاح الثورة الشعبية التونسية التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي ، ونجاح ثورة الشعب المصري التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك ، وقد طالب الشعب اليمني بالإصلاح السياسي والدستوري ، وتحقيق الديمقراطية ، وحل الحزب الحاكم الذي استأثر بالسلطة لعقود طويلة كانت حافلة بالفساد والمحسوبيات ، وطالب المحتجون كذلك بتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ، ومعالجة البطالة التي تجاوزت نسبتها 35% ، وحالة الفقر التي جعلت 40% من اليمنيين تحت خط الفقر ، مع رفض قاطع لتوريث الحكم .
لكن الرئيس تشبث بالسلطة غير عابئ بمطالب الشعب ، ووقعت صدامات عنيفة بين المعارضين للحكم والمؤيدين له الذين يعتقد أن الرئيس اليمني اختارهم من عناصر الأمن ودفعهم لمواجهة المعارضين بعد أن طلب منهم ارتداء اللباس المدني لكي يظهر الأمر وكأنه رد فعل شعبي ضد المعارضين ، لكن اللعبة انكشفت واستمرت الثورة الشعبية تنادي بإسقاط النظام .
وفي يوم 3 يونيو 2011 وقعت محاولة اغتيال الرئيس اليمني في مسجد دار الرئاسة ، واتهم الإعلام اليمني أنصار الشيخ صادق الأحمر شيخ حاشد بارتكاب ما أسمته بالجريمة ، لكن مدير مكتب الشيخ صادق الأحمر "عبد القوي القيسي" نفى أية صله لهم بالهجوم ، ونقل الرئيس إلى السعودية لتلقي العلاج ، وتكهن الكثيرون بأن خروجه من اليمن كان نهائياً ، لكنه في يوم 7 يوليو 2011 ظهر في فيديو مسجل وأعلن أنه مازال هو الرئيس الشرعي للبلاد ، وأنه ماض في دحر الثورة ، وبعد حوالي شهرين عاد إلى اليمن ليقود المواجهة ضد شعبه الثائر ، وراح يبطش بالمتظاهرين المدنيين بصورة وحشية .
وفي يوم الجمعة 21 أكتوبر أصدر مجلس الأمن بالإجماع قراراً يأمر الرئيس بالتنحي والانصياع للمبادرة العربية التي تقضي بتسليمه السلطة إلى المجلس الوطني المؤقت ، في يوم 21 فبراير / شباط 2012 تنحى الرئيس عن السلطة مكرهاً ، وأشرف بنفسه على تسليم السلطة للرئيس المنتخب عبد ربه منصور هادي ، وسط مقاطعة من المعارضة التي رأت أن مراسم تنصيب الرئيس الجديد “مجرد خدعة” من صالح ، فيما رآى آخرون أنها ذات دلالة عميقة كرست نهاية مرحلة فوضى سياسية عنوانها “لا غالب ولا مغلوب” في بلد يتوافر فيه السلاح أكثر من الغذاء والماء ، وهكذا أسدل الستار على حقبة في اليمن كانت حافلة بالفساد ، وفتح الباب لحقبة جديدة يأمل الجميع أن تعيد اليمن سعيداً كما كان في عهود غابرة .
التحديات :
أظهرت ثورات الربيع العربي مدى تطلع الشعب العربي قاطبة إلى الديمقراطية والحرية والكرامة التي افتقدها على مدى عقود طويلة عاشها تحت قمع الاستبداد والفساد والأنظمة الأمنية التي لا ترحم ، لكن هذا الربيع أظهر من جهة أخرى جملة كبيرة من التحديات التي لابد من معالجتها إذا ما أريد لهذه الثورات أن تحقق الأهداف المرجوة منها ، وربما كان الإسلاميون الذين تصدروا مشاهد هذه الثورات أكثر الفئات عرضة لهذه التحديات ، لأنهم وجدوا انفسهم لا أمام تحديات الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي فحسب ، بل كذلك أمام مواجهات عنيفة من خصومهم التقليديين من العلمانيين واليساريين والقوميين الذين ساءهم وصول الإسلاميين إلى السلطة في كل من تونس ومصر ، وباتوا يخشون من وصول الإسلاميين في اليمن إلى السلطة ، ناهيك عن المؤامرات الخارجية التي صبت في نفس الاتجاه لقطع الطريق على الإسلاميين والحيلولة دون وصولهم إلى السلطة ، وقد فرضت هذه التحديات على الإسلاميين أن يتعاملوا مع الحالة بكثير من التأني والعقلانية والفكر المنفتح على الآخرين ، لاسيما وأن في المجتمع اليمني قطاعات لا يستهان بها تتوجس من "أسلمة الدولة" ، يساندها في هذا التوجس العديد من الدول الإقليمية والعالمية التي دأبت على وصف الحركات الإسلامية عامة بالإرهاب ، وكان هناك أيضاً فئات مخلصة من الشعب اليمني تكن للحركة الإسلامية كل الاحترام وتتمنى لها أن تتولى السلطة لكن هذه الفئات كانت في الوقت نفسه تخشى على الإسلاميين من الفشل إن هم أمسكوا بالسلطة في هذه الظروف المعقدة المحفوفة بالكثير من المخاطر .
وكانت هناك تحديات أخرى لا تقل خطراً عما سبق ، وهي تلك الصراعات الفكرية والحزبية والسياسية التي أدخلت البلاد في الماضي في معارك جانبية شرسة ، واستهلكت الكثير من الجهد والوقت والطاقات ، وأحدثت شروخاً في المجتمع ، وكان على الإسلاميين سد هذا الباب أولاً تمهيداً لأي إصلاح مرتقب ، ولهذا عمل التجمع على تحقيق صيغة توافقية لجمع الكلمة ، وتوحيد الصفوف ، وحاول جاهداً عقد شراكات استراتيجية مع أطراف المعادلة السياسية المؤثرين في الساحة اليمنية ، وذلك انطلاقاً من إيمان التجمع بأن مرحلة التحول الديمقراطي لا يمكن أن تتم إلا عبر توافق وطني شامل يتفق فيه الجميع على الخطوط العريضة لبرنامج التحول الديمقراطي المنشود ، والإيمان كذلك بأن التوافق في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ البلاد هو شرط أساسي لتحقيق التحول الديمقراطي الحقيقي وإعادة بناء الدولة على أسس سليمة تحملها بجدارة إلى المستقبل.
وقد كان عمل التجمع بهذا الاتجاه بمثابة رسالة عملية أشاعت جواً من الطمأنينة لدى الجميع ، وأزالت التوجس الذي كان يحسه الآخرون من تسلم الإسلاميين للسلطة وخشيتهم من استفرادهم بها ، إذ لم يكن أحد من خصوم الإسلاميين يتصور قبل هذه الخطوة أن يقف الإسلاميون جنباً إلى جنب مع العلمانيين واليساريين والقوميين وبقية أطياف العمل السياسي ، مما شكل رصيداً قوياً للإسلاميين شجعهم وشجع خصومهم في الوقت نفسه على عقد تحالفات وشراكات استراتيجية واسعة باتت تبشر بعهد جديد للعمل السياسي في الوطن العربي .
مشروع الإصلاح :
ينتظر اليمن من التجمع اليمني للإصلاح أن يكون له دور أساسي وحاسم في عملية الإصلاح المنتظرة ، ذلك أن التجمع يعد من أبرز وأقدم المكونات السياسية في البلاد ، وعلى الرغم من تشابه التجمع مع بقية الحركات الإسلامية التي ظهرت في الوطن العربي إلا أنه يعد طبعة يمنية مميزة ، إذ نجد في صفوفه خريجين من الأزهر والجامعات المصرية ، وعلماء وشخصيات ممن درسوا في مختلف المدارس الفقهية ، وأعداد كبيرة من خريجي التعليم المعاصر ، يجمعهم إيمانهم بالإصلاح وفتح باب الاجتهاد على أوسع مدى ممكن ، ونبذ التقليد والبدع ووالغلو والتعصب والجمود ، وقد التزم التجمع منذ نشأته بالخط الإسلامي الوسطي ، ومناصحة الحكام ، ولم يتردد في عقد تحالفات فاعلة مع مختلف التيارات السياسية ، فقد بادر للمشاركة بتأسيس "اللقاء المشترك" في عام 1996 الذي ضم الحزب الاشتراكي اليمني ، والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري ، واتحاد القوى الشعبية ، وحزب الحق ، وحزب البعث ، وحزب التجمع الوحدوي ، وكان لهذا اللقاء الحزبي ذي المشارب السياسية المختلفة أثر كبير في نجاح الثورة ، والخلاص من النظام الدكتاتوري ، وقطع الطريق على محاولته التوريث ، وقد أكدت هذه التجربة التي شارك فيه التجمع اليمني للإصلاح بكل جهده وطاقاته أنه لا مجال للخوف من الإسلاميين ، وأنهم قابلون بالفعل للمشاركة الفاعلة في أي مشروع وطني يستهدف نهضة البلاد .
إلا أن كثرة التحديات التي تواجه مشروع الإصلاح في اليمن تجعل المهمة في غاية الصعوبة ، فهناك على سبيل المثال لا الحصر معالجة تنظيم القاعدة الذي له امتدادات واسعة في اليمن ، وهناك قضية الجنوب ، والحوثيين ، ومشكلة صعدة ، والفقر والبطالة ، والسلاح الموجود في كل مكان ، والتكوين القبلي للمجتمع اليمني عامة ، وانقسام الجيش والأمن ، وهشاشة البنى الإدارية ، وغيرها من المشكلات العويصة التي لا يمكن لأي حزب مهما بلغ من الانتشار الجماهيري أن يعالجها بمفرده ، ولا ريب بأن التجمع اليمني للإصلاح الذي يشكل الطيف الأوسع على المستوى السياسي يتحمل العبء الأكبر في مشروع الإصلاح هذا ، وربما كان من الأولويات التي ينبغي أن يضعها نصب عينيه : معالجة ظاهرة التطرف والإرهاب التي تسيء إلى التيار الإسلامي بعامة ، وذلك بنشر الوعي الديني وتثقيف المجتمع ضد أفكار التطرف والتشدد الذي هو ليس من طبيعة الدين الإسلامي ، ثم تأتي بقية القضايا التي تحتاج بلا شك إلى جهود جبارة لمعالجتها ، وهي مهمة كبيرة وعسيرة لا يمكن للتجمع أن يقوم بها وحده ، بل لابد من التحام كافة أطياف المجتمع اليمني لتجاوزها ، ويحسب للتجمع اليمني للإصلاح استعداده الكبير للتعاون مع الجميع من أجل تحقيق هذا الهدف الوطني الذي يسعى إلى بناء يمن جديد .. يمن سعيد .. كما كان في أزهى عصوره .