تغريدة الملائكة

صلاح حسن رشيد /مصر

[email protected]

فور انتهاء إحدى ندوات المجلس الأعلى للثقافة؛ فوجئتُ بمن يخبط على ظهري قائلاً: أرجوك متى مواعيد دروس أروقة الأزهر الشريف؟!

فالتفتُّ لأرى صاحب الصوت الملائكي؛ فإذا هي حورية من حوريات الجَنَّة! وإذا صوتها .. هو السِّحر الحلال! فلقد غِبتُ عن الوعي؛ فعشتُ مع أنغام الصوت؛ فإذا هي سيمفونية لم يستطع بيتهوفن عزفها، ولا موزارت! لأنها أجمل الجميلات؛ على أنَّ صوتها أجمل ما فيها؛ برغم اكتمالها شكلاً ومعنى، روحاً وجسداً، سماءً وأرضاً!

فما سمعته ليس من حديث البشر؛ إنه من لغة الملائكة؛ التي ما سمعنا بها!

صوتها يكشف عن نقاء الداخل والخارج؛ يبرهن على أنها روح قدسية حلَّتْ في جسد إنسي؛ فتخلَّقتْ منهما هذه المعازف، والمزامير، والتراتيل، والأيقونات، والأناشيد، والأسحار!

أنغامٌ ليست كالأنغام، وألحانٌ ليست كالألحان! وأصواتٌ ليست كالأصوات!

فلأول مرةٍ؛ أعترف أنني لم أعرف صوت المرأة من قبل، ولم أسمع به!

فكل ما سمعته من المرأة ليس صوتاً للمرأة!

فلا شك؛ هذه هي المرأة، وهذا هو صوتها المكتمل، الملائكي، الطيني، السماوي معاً!

فركَّزتُ فيها أكثر، وقلت بتغابي لذيذٍ: لم أسمع جيداً كلامك؛ فهل يمكن إعادته مرَّةً أخرى؟!

فأعادت هذه الغانية الطيبة .. عزف أغنية الحب من جديد؛ على مسمعي، وأنا طائرٌ بمفردي في بساتين العشق، والغرام!

وحرصاً مني على الاستماع أكثر، اكتفيت بالإشارة، وهي تتكلم بفؤادي، وتتحدث بكياني، وتُغنِّي بروحي، ولروحي!

فقلتُ في نفسي: ما أشقاكَ؛ فلم تعرف من قبل امرأةً، ولا آنسة!

فهذه هي الآنسة! وهذه هي الأنثى الكاملة، المكتملة!

فمن أين أتتْ؟!

وهل مثلها ترضى بي؛ مع الفارق الكبير بين روعة جسمها، وحلاوة غنائها، وطلاوة كلامها، ورشاقة لونها، وبين إحساسها بنفسها، وما حباها الله به من فِتن الدنيا، والآخرة؟!

تُرى؛ هل ترضى بي شريكاً لها في الحلال؟!

لا جرم أنها فاتنة للإنس والجان؛ فكيف أقوى على مقاومة حبها؟! وكيف لا أكتوي بمطارحة الغزل فيها، وفي منادمة السهر في معانقة أطياف قلبها، التي تموج بأثير الاجتماع الحلال، والقبلات العِذاب الرِّضاب؟!

ناديتها في سري؛ فلم تُجبني؛ فأعلنتُ لها حبي على الملأ؛ فأعلنتْ هي قتلي على الكلأ!

أرسلتُ إليها مراسيل الوداد؛ فأرسلتْ إليَّ راجمات اللهب!

وقفتُ تحت شرفتها بالليل، والنهار، في الصيف، والشتاء، في النوم، وأثناء الطعام؛ فأوقفتْ بإشارتها المُتَوعِّدة إشارات قلبي عن الاهتزاز البهيج باسمها وبِرسمها، وبِسَمْتها، وحوَّلتْ هي قلبي إلى حظيرةٍ للمواشي!

شكوتُ لها سوءَ فعلها؛ فكانت عاقبتي هي الحرمان من رؤيتها!

تعذَّبتُ كثيراً؛ على أمل عودة الأحلام السعيدة الرغيدة معها من جديد؛ بلا فائدة!

وعلى أمل اجتماع الشمل، واكتمال الفرحة، وامتلاء حياتي بصاحبة الصوت السندسي!

 ولمّا حارتْ بي الظنون، وتلبَّستني الشياطين، بعد أن غابت عني الملائكة .. ذهبتُ إلى عرَّاف الحي الذي أقطنُ به؛ فقال لي: أنت مسحورٌ؛ بأمر مَلِكة الشياطين، فأنت مرتبطٌ بصاحبة الدلال العجيب، والأنغام المُخمَّلية، فأول اسمها (ميم) وهي العذراء جميلة الصوت، والشكل، والتي قتلتْ من قبل ألف شابٍّ تحت قدميها، وهي تضحك بملء فيها!

يا بنيَّ: اتركها؛ لئلا تصنع بك كما صنعت بمن قبلك!

يا بنيَّ: اخلعها من قلبك؛ فهي حرباء النساء، و بلوى العذارى، ورمس الحزانى، وعقاب الحيارى!

فصِحتُ بتعجبٍ: كيف؟! كيف فتكتْ بالبَشَر؟!

قال، وهو ينصحني: هذه التي رأيتها .. لقد رأيتها أنا من قبل؛ إذ باعتني في سوق العبيد بدراهم معدودةٍ، وكانت فيَّ من الزاهدين!

يا بنيَّ .. لقد طرحتني على قارعة طريق المتسوِّلين؛ بعد أن أعطيتها زهرة شبابي، وخضرة جسمي، وطزاجة فكري!

فاستغربتُ، وازداد اندهاشي؛ فتصبَّب العرق من جبيني أكثر، بل من كل جسمي أنهاراً وبحاراً!

فصِحْتُ بأعلى صوتي: أنا لكِ يا صاحبة فؤادي، ويا بلبل نفسي، ويا كروان عذابي!

أنا لكِ.. نِعْمَ الحبيب الموافي، والعاشق المخلص، والمُتيَّم الحيران، والصديق الصدوق!

أنا لكِ .. ترجمان الجمال، ومُفسِّر الأحلام، وأديب الغزلان، ومُفكِّر الدلال!

فهل ترضَين بي زوجاً؛ أحمي صوتكِ من النشاز، وجمالكِ من العُذَّال، وفتنتكِ من الشياطين، وروعتكِ من العيون الراصدة الغازية؟!

فهل ترضين بي حبيباً يملأ حياتكِ بقصائد الشِّعر الحي، والنثر النابض، والموسيقى الحانية الحالمة؟!

وبانتظار جوابي؛ نمتُ على حشائش قلبها ليلتي هانئاً!