بين دفتي تاريخنا مشاكل وتحديات، فهل تعالجها حكومة الوفاق الفلسطينية؟

إنَّ التطورات الدراماتيكية التي حصلت في الشأن الفلسطيني قد دفعت وجهة المصالحة، والسير في طريقها قدماً إلى الأمام، وبعثت في النفوس أملاً جديداً في تحقيقها واقعاً ملموساً، وتوج هذا الأمر بوصول حكومة الوفاق الوطني بكامل أركانها إلى أرض غزة، لطي صفحة الانقسام وإلى الأبد، وتجلى ذلك في صورته الرائعة خلال الاستقبال الجماهيري الكبير.

وما من شك، أن حكومة الوفاق الوطني ستحمل على أكتافها حملاً ثقيلاً من موروث الماضي، وهو ما ينوء ما أولو العزم من القادة على حمله لإصلاح الأوضاع التي سادت بعد أحداث عام 2007م، وهذا يتطلب مجهوداً جباراً متواصلاً، حيث يعلق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة على تلك الحكومة الكثير من الآمال، ويتوسمون فيها الخير، لتكون قادرة على الوفاء بكل ما يتطلبه الحكم، وحيث يقتضي ذلك تحميلها المسؤولية الكاملة عن الشعب بكل طبقاته واتجاهاته، ومن أقصى الوطن إلى أدناه، وتوفير كل مستلزمات الحياة الكريمة والسهلة للمتعبين في غزة الذين يتصبب منهم العرق والشقاء، وذلك بالتخفيف عن آلامهم، والمساهمة بقسط وافر في إصلاح الاقتصاد الفلسطيني الذي أُصيب بما يشبه الشلل بعد تفشي ظاهرة البطالة إلى درجة فاقت كل الحدود، وبعد استمرار هبوط مستوى المعيشة هبوطاً ملحوظاً، وازدياد حدة الفقر إلى درجة سيئة، واشتداد الغلاء.. الخ

ويتطلع الفلسطينيون أيضاً إلى هذه الحكومة بأن تمتلك الشجاعة والقوة لحل أزماتهم المستشرية، كأزمة الكهرباء، وفي نفس الوقت تبحث عن مصير الغاز الفلسطيني المُكتشف في شواطئ فلسطين إلى غير ذلك من أحلام واعدة، وتعمل بجدية في مضمار النهوض في العلاقات المجتمعية، وإنماء الفضائل العامة والحث عليها، وإعادة أواصر النسيج الاجتماعي التي فككها الانقسام، والأخذ بيد الشعب نحو مدارج الرقي.

ويقع على عاتق هكذا حكومة أن تبحث عن بداية جديدة قوامها مبدأ الباب المفتوح والشفافية، وتوجيه الأنظار إلى سياسة الزهد والتقشف، وعدم الانغماس في تنفيذ مآربها الخاصة، بأن يتخذ الوزراء من الوزارة وسيلة للمال والجاه، أو ذريعة للمفاخرة، والسير في طريق الإصلاح المطلوب، والمبادرة إلى أداء واجبها المنوط بها تجاه بني قومها، وتقديم كل العون لانتشال المعوزين في فلسطين، ولا يكون أهل الوطن الواحد أمة إلا إذا ضاقت هوة الفروق بين أفرادها، واتسعت دائرة المساواة بينهم، فقد آن الأوان للناس أن يستريحوا من تداعيات الانقسام التي حلت بساحتهم، وكادت أن تفتك بهم.

وفي المقابل، حريٌّ على كل مواطن فلسطيني أن يتقاسم شرف الجهاد في بناء الوطن وإصلاحه، بأن يشترك كل فرد في حكومة بلاده اشتراكاً تاماً كاملاً في صنع القرار، وتحديد مركز الحاكم والمحكوم، وهذا ما نسميه بسلطة الشعب.

إنها ستكون عندئذ حكومة وفاق، بل حكومة إنقاذ بكل معانيها وأبعادها، وستنال شرف وضع الحجر الأساسي في صرح الوحدة الوطنية الفلسطينية، وتلغي من ذاكرتها مرحلة كان خلالها الإنسان الفلسطيني الذي ظل غارقاً في وهدة البؤس، بطلُها الحقيقي الرجل الباني، الرجل العمّار الذي يحاول أن يبني وطناً للجميع، وإنَّ صاحب التوقيع في نهاية الأمر هو التاريخ الذي تخطه أيدي الصادقين.