سيبقى الإسلام راسخا في أفئدة أتباعه وسيزداد انتشاره ويكثر أنصاره ويندحر خصومه وأعداؤه
من المعلوم أن دين الإسلام هو الدين عند الله عز وجل الذي لا يقبل من البشر غيره مصداقا لقوله تعالى : (( إن الدين عند الله الإسلام )) وقوله أيضا : (( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين )) . ولم يصح عبر تاريخ البشرية إلا دين الإسلام ، ولم يبعث نبي أو رسول إلا وهو يدعو إلى الإسلام ، ويشهد لله تعالى بالألوهية والربوبية والوحدانية . ولقد توالت الرسالات السماوية مخبرة بهذا الدين حتى ختمت بآخرها ، وهي الرسالة العالمية الموجهة للبشرية قاطبة إلى نهاية العالم وقيام الساعة . ولقد واجهت هذه الرسالة العالمية الخاتمة منذ أول وهلة معارضة شديدة سواء من أتباع الرسالات السابقة خصوصا القريبة العهد منها كرسالتي التوراة والإنجيل أو من الجاحدين بها المنكرين لها سواء كانوا وثنيين أوملحدين . وهذا الوضع الذي كان منذ بداية نزول الرسالة الخاتمة لا زال قائما ، وسيظل كذلك حتى تزول الحياة من فوق سطح كوكب الأرض . وتتغير أوضاع الناس في هذا العالم بسبب ما يطرأ من تغييرات وتطورات على حياتهم وأنماط عيشهم وتفكيرهم، ولكن موقفهم من الرسالة الخاتمة سيظل كما كان منذ نزولها يؤمن بها من يؤمن ، ويجحد بها من يجحد .
ولا أريد في هذا المقال استعراض جميع مراحل مناصبة العداء لهذه الرسالة الخاتمة من طرف أعدائها سواء من أهل الكتاب يهود ونصارى أو من الكافرين كما تسميهم هذه الرسالة لأن المقام لا يسمح بذلك، وإنما سأكتفي بالإشارة إلى عداء المستشرقين لها وهم فئة تجمع بين الصنفين وقد انبروا لهذه الرسالة لتشكيك الناس في صدقيتها بدافع تقويض قناعتهم بأنها تمثل الدين الصحيح والوحيد الذي يجب عليهم أن يتبعوه . ومعلوم أن الحركات الاستشراقية نشأت في أحضان الحركات الاستعمارية الغربية ، وكانت عبارة عن طلائع فكرية ممهدة للاحتلال الغربي لبلاد الإسلام . ولا زالت هذه الحركات الاستشراقية كما كانت في بدايتها لأن فكرة هيمنة الغرب على بلاد الإسلام لا زالت كما كانت أيضا، وإن رحلت الجيوش الغربية عنها ،وحلت محلها بدائل تسد مسدها، وعلى رأس هذه البدائل الغزو الفكري الذي مهد له الغزو العسكري ، وهو غزو أريد له تحقيق تبعية الإنسان المسلم للغرب اعتقادا و فكرا وثقافة ونمط عيش . وعلى غرار اعتماد الغزو العسكري الغربي على شرائح من أبناء بلاد الإسلام كان يجندها عسكريا لتوطيد احتلاله لها، اعتمد الغزو الفكري الغربي على شرائح أخرى مماثلة وظفها لتوطيد تأثيره الفكري في أهلها . وحتى لا يرتاب أهل بلاد الإسلام من الغزو الفكري الغربي كما كان الحال مع المستشرقين عمد الغرب إلى بعض المحسوبين على أهل الإسلام من المستغربين لتحقيق نفس الأهداف التي كان الاستشراق يتوخاها .
ومع إعادة الغرب كرة الغزو العسكري لبلاد الإسلام والذي بدأ بأرض العراق ، وامتد إلى غيره بشكل مباشر وغير مباشر ،وقد سبق بغزو فكري كما كان الحال خلال غزوه العسكري السابق لبلاد الإسلام تمهيدا للاحتلال الجديد، نشطت حركات المستشرقين والمستغربين على حد سواء لمواجهة الإسلام ، ووضعه في قفص الاتهام ، ولتنفير أتباعه منه، ولزعزعة ثقتهم به . واستطاعت تلك الحركات بمكر وخبث كبيرين لا يتفط لهما بسهولة ويسر أن توظف بعض المأجورين للقيام بعملية تشويه الإسلام عن طريق تسخير من يرتكب الجرائم والفظائع باسمه أولا كإجراء وقائي يحمي الإنسان الغربي من الاحتكاك بهذا الدين خصوصا مع اتساع انتشاره في ربوع بلاد الغرب ،وتأثيره في شرائح عريضة من أهلها الذين صاروا يقبلون عليه ، ولم يخطر ببال الغرب أن عملية تشويه الإسلام عن طريق نسبة العمليات الإرهابية له ستأتي بنتائج عكسية لأن الإنسان الغربي دفعه فضوله للبحث في طبيعة هذا الدين العنيف كما قدم له إلا أن مفاجأته كانت كبيرة وصادمة حين اكتشف أن هذا الدين على عكس ما قدم له ، وبدأ الإقبال عليه عوض النفور منه . ولم يكتف الغرب بما اعتبره إجراء وقائيا لحماية أهله من تأثير هذا الدين بل ركز أيضا على فكرة زغزعة ثقة أتباعه به عن طريق طوابيره الخامسة من المستغربين المأجورين، فانطلقت سلسلة الكتابات المشبوهة المستهدفة للإسلام والمشككة في قيمه وحقائقه ، ولم يعرف عصر سابق ما عرفه هذا العصر من تناول لقضايا هذا الدين المختلفة التناول الذي يهدف إلى تقويضه خصوصا مع التطور الإعلامي والتكنولوجي الذي حول العالم إلى قرية صغيرة عن طريق تقريب المسافات تواصليا وتكنولوجيا بين سكانها من مختلف المشارب والمعتقدات والثقافات .ومع حلول كل يوم يعرض الإعلام بكل أنواعه كما هائلا من المواضيع التي تتناول قضايا هذا الدين بالتشكيك والتسفيه والنقد الهادف إلى إسقاط المصداقية عنه. ويقف وراء الهجمة الشرسة على الإسلام طابور ضخم من المستغربين المستأجرين المحسوبين على بلاد الإسلام، والذين يخوضون حربا فكرية شرسة عليه بالنيابة عن الغرب الذي استأجرهم لهذه المهمة . وعلى طريق وأسلوب المستشرقين يمضي المستغربون اليوم ،فيدعون أنهم يتناولون قضايا هذا الدين بطرق علمية وموضوعية وعقلية . وكما كانت الأفكار الاستشراقية مستفزة مع بداية اشتغالها على نقد الإسلام ، فإن المستغربين اليوم يعتمدون نفس الأسلوب حيث يعمدون إلى الراسخ والثابت من هذا الدين في قلوب وعقول المسلمين لزعزعة ثقتهم فيه ، وصارت تطرح قضايا دينية يزعم المستغربون أن القدماء لم يوفقوا في طرحها أو قصر فهمهم لها ، وأنهم هم وحدهم من يملك فهمها وطرحها الصحيحين . ومن أجل بلوغهم هذا الهدف، ركزوا على تشكيك المسلمين في علمائهم المعاصرين لصرفهم عنهم ، وكما نزعوا الثقة من العلماء القدماء وشككوا فيهم ، شككوا أيضا في المعاصرين منهم ،واعتبروهم مجرد مجترين لكلام القدماء ، وأن كلامهم مجرد تقليد لا بد أن يزول وينتهي وينسحب من الساحة ليفسح المجال لفهمهم هم الفهم الجديد والصائب والمساير للعصر أو بعبارة أصح وأدق العازف على وتر الغرب المسوق لحضارته التي يرجو أن يحقق تسويقها مبتغاه في بلاد الإسلام . وهكذا صرنا مع مطلع كل يوم جديد نقرأ ونسمع العديد من الجديد الصادر عن المستغربين، وقد صاروا جيشا عرمرما يهيمن على وسائل الإعلام المختلفة ، ويحاول بناء فهم جديد للإسلام يقوم أساسا على تعطيل ممنهج لنصوص القرآن ونصوص الحديث، وهما أساس هذا الدين . وترتفع دعواتهم لمراجعة هذه النصوص وإلغائها تدريجيا بذريعة مسايرة تطور العصر والحياة . وهكذا ارتفعت الأصوات لتغيير الأحوال الشخصية للمسلمين من زواج وطلاق وميراث ، ولتغيير أقضية الإسلام التي يجب حسب اعتقادهم أن تزول لتحل محلها أقضية العصر التي هي أقضية عالم الغرب العلماني . ويدفع المستغربون في اتجاه الانتقال بالمجتمع الإسلامي من مجتمع ديني إلى مجتمع مدني ينتهي في النهاية إلى طي صفحة الدين بالمرة تحت شعار مسايرة العصر التي ما هي سوى متابعة الغرب في نمط حياته العلمانية .
ومأساة المستغربين ومن يقف وراءهم في الغرب أن الإسلام سيبقى راسخا في أفئدة أتباعه ، وسيزداد انتشاره ويكثر أنصاره . وبقدر ما تحاك ضده المؤامرات سيزداد قوة ومناعة . ولا يخطر لهؤلاء على بال أنهم يقدمون خدمة كبرى لهذا الدين حين يحاولون صرف الناس عنه خصوصا وأن وطبيعة إنسان هذا العصر الفضول المعرفي والعلمي و حب الاستكشاف ، وهو إنسان ليس من السهل العبث به نظرا لقوته العقلية المتطورة بتطور العلوم والمعارف والتي صارت بإمكانياتها المادية المتنوعة والمتطورة تؤكد يوما بعد يوم صدقية رسالة الإسلام الخاتمة التي وجهها الله عز وجل للبشرية قاطبة مخاطبا عقولها ومشجعا لها لتتخطى حواجز الأهواء التي لا يحكمها منطق ولا حق بل أساسها الباطل الذي يزهقه الحق المدعوم بالعلم .
وسوم: العدد 755