حلم في قوارب الموت
منير مزيد
بين أحلام مؤدة
وأخرى بلغت حد الكهولة
وأصابها عقم الخيال
تشتد وحشية الخريف..
ينطلق طائر الظلمة
تنين العدم الأعمى
من بيض القهر
يرفرف بجناحين مشرعين
فوق مراعي الخصب
ينفث الرماد في رئة الحياة...
أوّاه يا وطنا يتعلق بأذيال الريح
بين أنياب الظلم والفساد
يعاقر خمر البداوة
ليتقن دفن الأنوثة في الملح...
عبثا منح العمر المتهالك
المتلهف على الموت
كرز الأحلام..
ليت شعري يخصي كلاب الليل
يغتال هدهد النفاق
لأنزع أشواك المرارة
من جسد قصيدة بللها الخوف...
يصلبوه على أقبية الجوع
ويتركون الطير تأكل من رأسه...
يقتلعون سنابل الحرية
يحقنون الحب بأفيون الحقد
والتعصب
يحنطون الظلمة
ويُحرِّضون الزنابق على الأنتحار...
الحياة تنزلق في دوامات
ملوثة بالفجيعة والجنون
وفي الصحراء
يتكاثر جراد الفساد
الموبوءٍ بالجشع
الملوّثٍ بدمِ وعرق الفقراء ...
عبثا إضرام نار الصبا
في جسد الكهولة
عبثا ترويض مهرة القمع
وتذويب ثلج الخوف المتراكم
على صدر التمرد...
ينادي في السر
من يأخذني إلى شبق القصيدة
إلى صوفية الخصب
ويزرعني في تراب الحرية... ؟!
من يحررني من أغلال الجوع
ويسرقني من صقيع الوثنية
من جحيم القبلية
من غواية العتمة والصمت .... ؟!
أنا المنفي في وطني
غادرته نوارس الشعر
وفراشات الحب
غادره الوحي والأنبياء
وبقيت وحيدا
أشنق صرخات جوعي
بحبل ضعفي
واجفف دموع حبيبتي
بمناديل الوهم.... !
يهرب إلى البحر
حاملا أوجاع مرارة الخيبة
يطارده وجه الحبيبة
المهدد بالتصحر
وقرب حلول الخريف.... !
يتذكر كيف كان يتجاهل اغراءتها
حتى لا تثور شهوته
ترجم لاحقا بحجارة الجهل
تتعذب بيأس
وهي تمزق قلبها على صدره...
يرتل آيات الحلم
يندفع الموج إلى الشاطئ
معطرا
برائحة عطر أندلسي
يرى خيولَ الموج
تَحْملُه إلى الفردوس الموعود .....
يغفو على حلم يتلألأ بصفاء
في نور أقمار غجرية لا وطن لها
وبلا استأذن
يخترق جدران الروح...
صوت ينادي من المجهول
ما الذي تنتظره... ؟!
ألا ترى القوارب تشق عُباب البحر
تجري سكرانة
تروض وحشية الماء
آتية من مدن الأحلام
محملة بالذهب والأقحوان.. ... ؟!
سرعان ما تستيقظ الفكرة
من سبات التردد
توسوس في صدره
لست وحدك
تنشد الرحمة من الريح
إما أن نرحل من هنا
أو
لا نكون أبداً.. .. !
يركضُ لاهثاً إلى حضن أمه
متوسلا
أماه.. أمّاه
رأيت هاتفا في منامي
الجنة تنتظرك
اركب البحر....!!
ولدي.... لِمَ الرّحيل ؟!
البحر ، يا ولدي
في عمقه ظلمات خرساء
فاغرة اشداقها تنتظر....
أماه.. أمّاه
أبخرة الملح في عيوننا
المرارة في شفاهنا
والجوع ينمو في أجسادنا....
نولد في المقابر والمنافي
نقتات زبد الحجارة
وأعشاب الوهم
نستسلم بلا مقاومة
لدعاء الموت اللامتناهي...
الموت... الموت
هذا السؤال
لا يعرف أحد جوابه...
الموت آت .. أماه
إما أن أنتظره
أو أسير إليه ...
لا أريد أن أكون زيتا
أو حطبا
بل
كما كنت في البدء
معافى من كل نفايات الزمن....
غداً يا أماه..
سأهيئ حقلا من الأناشيد
أناشيد آلهة الخصب
أنسج شرفة للحلم
من خيوط الشمس
الملم لآلئ الضباب
إجمع عنب الغيم
وأعصره
في كأس التجلي
ارشف امبروسيا الشفاه
وهيروين النهد
لأروّضُ خيول اللذة
وأعتقُ عشقي
وجنوني
بقصائد الحب. ....
تنطلق القوارب الخشبية المهترئة
ببطء في المدى اللامتناهي
متلهفة
تجري بلا انقطاع
نحو العطر الأندلسي.....
من الظلمات الخرساء للبحر اللامتناهي
تنطلق صافرات
يحاولون الهرب
وسرعان ما يرون السماء تمطر ناراً.....
يشتعل الماء
يحترق صدر البحر
يصرخ
تندفع كتل الأمواج بجنون
تخمد الحريق.....
في النهاية ينتصر البحر
المياه الكثيفة تطمس كل شيء
وكل شيء يتبدد في المجهول
القوارب
الأحلام
العطر
الحرائق
الانسان ورغباته...
لكن
هل سينطق الماء يوما
ويروي ما حدث
في رحلة المعذبين السكارى....؟!