ملحمةُ التوائِمِ اللازورديَّة
ملحمةُ التوائِمِ اللازورديَّة
منير مزيد / رومانيا
في البدءِ
كانَ الليلُ و الطيشُ عالقَينِ
على الحبلِ السُريِّ للكونِ
يتأرجحَانِ بين الظُلمةِ و الضياءِ ...
كانتِ السماءُ تُكابِدُ آلامَ مَخاضٍ عسيرٍ
تنـزِفُ نُجوماً
تتدحرَجُ ماسةً تِلوَ ماسةٍ
تُحدِّقُ في الأرضِ
تُشيرُ إلى بَحرٍ قلِقٍ ..
ينتظرُ البِشارةَ
ميلادَ الأشياءِ الخالدةْ
التوائمُ اللازورديَّةُ
الشِعرُ و أنا..
الحبُّ و الحُلمُ.. .
في أعماقِ القلبِ المُشتاقِ
نمضَغُ المرارةَ و الألـمَ عَسَلاً مُصَفّى
ونترُكُ الروحَ في جوهَرِها العاريْ
تُوَشْوِشُ للماءِ .. للعُشبِ الرضيعِ
تُنصِتُ لتسابيحِ الطيرِ و الشجرِ....
نُحدِّقُ طويلاً في وجهِ الأُمِّ الرؤُومِِ
عسى أن نُعيدَ الماضيَ
أو نَلمَسَ الذكرياتِ
أو نَطيرَ إليها....
ننامُ سُكارى فوقَ الموجِ المُشاكِسِ
لـ نغزوَ هواجِسَ جِنِّياتِ البحرِ
ينتظِرْنَ النوارسَ لـ تقُصَّ عليهنَّ
حكايانا....
المُدنُ الغارقةُ في الوَحلِ البربريِّ
وسْوَسَ غولُ الشرِّ في صدرِها
لا تدرِي كيفَ تستقبِلُنا
توَّجَتْنا بالحُزنِ و التشرُّدِ....!
قالتْ : لَيْسَ لكم وطنٌ أيُّها الغرباءُ
وأنتَ أيُّها الفتى اللازورديُّ
إيَّاكَ أنْ توزِّعَ القصائدَ على العابرينَ
أو شوكولا الحُلمِ على أطفالِ الشتاتِ
كي لا يُصبِحوا يوماً ثوَّاراً
وإيَّاكَ أن تَمُرَّ مِن أمامِ تلكَ النِسوةِ
حتى لا يقطَعْنَ أثداءَهُنَّ...!
مَن غيُركَ أيُّها الفتى اللازورديُّ
أسرَفَ على نفسِهِ بالهوى و الغرامِ
اِشرَبْ من نبيذِ الحُزنِ حتى الثُمالةِ
واسقِ كلَّ مَنْ جاءَ معكَ مِنَ العَراءِ....!
و حذارِ ...
حذارِ أن تفتحَ نوافذَ الحُلمِ
لـ يُطِلَّ الشِعرُ ...
وفي الهُدوءِ الصافِي
يبدأُ الحُبُّ بالهذيانِ....!
آهٍ يا حبيبتيْ
مأساتِي
مُدنٌ نبذَتْنِي .. كَرِهَتنِي
و مِن بينِ أصابِعي
ماءٌ كريستاليٌّ صافٍ
بِلونِ أشجارِكِ
يتدفَّقُ
لا يتوقَّفُ عن الجريانِ
يتساءَلُ عن ترابِكِ...
أتَّكِئُ على جِدارِ ريحٍ هشٍّ
والليلُ الباردُ يعُضًُّ خاصرَتِي
أقولُ مُواسياً نفسيْ :
أنا الفتى اللازورديُّ
عرَّافُ و قِدِّيسُ الشِعرِ الصافِي
أعُومُ في بحرِهِ
وفي بحرِ الحُبِّ و الحُلمِ
أغرِفُ ما أشاءُ من اللآلئِ
يا سادةَ القهرِ
أنا لا أنتظِرُ مغفرتَكُمْ
عطاياكمْ
ولا أتوقَّعُ مِن أحدٍ أن يرانيَ ...
يكفيْ أنْ يرانيَ صوتيْ
ذاك القمرُ الذي يُطلُّ
بين كلماتي
وتلكَ العصافيرُ البيضاءُ تزقزِقُ
في قصائِدي
وذاكَ البهاءُ ، بهاءُ الفقراءِ
بهاءُ المشرَّدِينَ
يقُصُّ على الندى المطرَّزِ بأفكاري
قضيَّتِي ....
وقضيَّتِي أيُّها العالَمُ المُشبَعُ بالزنا
أنا بِلا وطنٍ أو هُويَّةْ
عاشِقٌ
وحُبِّي العظيمُ .. أرضيْ
اغتُصِبَتْ
و الآنَ
كلُّ أحزانِ الكونِ تَحُجُّ إلى قلبي
تُعشعِشُ خلايا النحلِ في دمِيْ....
حسدُ أفَّاقينَ تُغطِّي قلوبَهم
خفافيشٌ و رِيحٌ
ظنُّوا أنَّهم شُعراءُ
خانونيْ
رجمُونِي بحجارةِ الكذِبِ
وتركُونِي وحيداً مع قَدرِي
مُثخَناً بالجِراحِ
بلا مأوىً ولا قطرةِ ماءٍ
لأرحَلَ لشتاتٍ آخرَ
أكثَرَ افتراساً و مرارةً ....
أُمَّاهُ .. ها أنا ذا أُغنِّي حُبِّيَ العظيمَ
أرضِي..
وبوخارستْ ..الغجريةُ العاشِقةُ
تستمِعُ مسحورةً
تشعُر بالغَيرةِ ...تتعرَّى
تُظهِرُ لي كلَّ مفاتِنِها
تُشعِلُ قناديلَ الغِوايةِ لـ أُغنِّي اسمَها....
عصافيرُها صامتةٌ
وعلى أشجارِ الحَوَرِ تَقْرأُ قصائدِيْ
تودُّ لو تُعشِّشُ وتُغرَّدُ
في أحضانِ حبيبتيْ.. ..