أمي وجبل الشيخ
هايل عبد المولى طشطوش
في ذلك الزمن عندما كانت أمي تصحو على أنغام الطيور ،وتحزم وسطها قبل إن يصحو الخلائق وقبل إن تشرق الشمس وتنشر النور، كانت رائحة خبزها تفوح من داخل التنور، توقظني لصلاة الفجر فتزيدني حباً بها وعشقاً لها وتمنحني السرور ،حينها كنت انظر إلى الأفق البعيد في صباحات الوطن الزاهية فأرى من وراء الأفق بياضاً يعلو حتى ليكاد يطاول السماء بشموخ وكبرياء ،فأسألها عنه..... فتجيبني ، بأنه جبل الشيخ ،فعرفته وعشقت منظرة الآسر ،ونشأت وأنا أصحو كل يوم على منظرة الأبيض الجميل حتى ارتبطت صورته بذهني بصورة نقاء قلب أمي وطهرها فتزاوج وامتزج العشق في نفسي بين أمي وبين جبل الشيخ حتى صار جزءا من حياتي ،...........أما اليوم فلم يعد الأفق فسيح واعتلى البينان وحال بيني وبين أمي والجبل فلم اعد أراهما ،وغادرت أمي مكانها ولم تعد توقظني للصلاة وتغير كل شيء ، واستمر الحال إلى قبل أيام حتى رأيت _وبشكل مفاجئ – جبل الشيخ وقد اكتسى حلته البيضاء التي كنت أراها وأنا في حجر أمي فأثار في نفسي الشجون وحرك بداخلي السواكن منه فتناولت قلمي وفاضت نفسي بهذه الكلمات :
عندما كان الأفق رحيب
و كان بجانبي الحبيب
وعندما كانت الشمس لا تغيب
حينها كانت الدنيا بهية
وكانت النفوس نقية
وكانت رائحة المكان عذيه....
حينها كنت انظر في الأفق الفسيح
فأرى القمة البيضاء
تطاول بشموخها السماء
وكأنها نفس عزيزة شماء
أرى ذاك الجبل
وكأنه فارس بطل
فاعشقه من بعيد
وأكون برؤياه سعيد
بل انه صار لي صديق
أناجية وقت الضيق
أحس بروحة مني قريبة
وبان سواقيه لي حبيبة
...ولكن من غير إنذار
تغيرت الدار
وغادرها الكبار
وتغير كل شيء حتى ما صرت أرى الجبل
حجبه البنيان
وحرمني منه الزمان
واشغلني عنه غياب الخلان
ويبدو أنها عشر من السنين... بل ويزيد
وبلمحة رأيته وما زال على ذات الحال
فأثار في نفسي الكلام والمقال
وانحدر الدمع من عيوني
وقلت فيه هذه الأقوال
لعلها تطفئ شيئا من نار الشوق في نفسي
وتنقلني إلى ذاك الزمان البعيد
فأعيش في كنفه ولو لحظة فأكون سعيد