كلمات المغفل
عيسى ادريوشي
الصوت الأول:
*********
سأتكلم باختصار
لأن الثرثرة أصبحت
من شروط الإنسان العصري..
في زمن الجحود والنكران
**
هكذا تكلم وأوجز
وإذا أردت أن تعرف شيئا فلا تبحث عنه في ثنايا الكلام
إنك قد تسمعهم يتكلمون كثيرا
ولكن قلوبهم فارغة من أي أثر
للخير
لقد أصبحوا ذئابا في ثياب عصرية
ربطة العنق شرط ضروري
***
عندما تطل من الأعلى يبدو كل شيء رائعا وجميلا
الشكل الجميل والجوهر التافه
هو فلسفة العمارة الحديثة والعصرية ...
***
لقد عشت دائما أحترم القانون
ولكني اكتشفت أن الضعفاء والحقراء
يحترمون القانون رغم أنوفهم
فاحترام القانون مهنة كل فقير وحقير
***
عندما يريد حقير أن يُحتَرَم القانونُ
فإنه يصير فورا مشاغبا
***
الحقير المشاغبُ
ها هو الآن يمارس طقسا خاصا من طقوس احترام القانون
ليس طقسا خاصا..ولكنه سري
مكانه ليس المسجد ولا المدرسة..
احترام القانون يكون دائما في غرف التحقيق
***
الصوت الثاني
1- أيها المواطن الصالحُ
احترم القانون عندما يكون سيفا مسلطا على عنقك
ولكن لا تجعله سيفا موجها إلى رقابنا
***
2-عندما تحب القانون
فاجعل حبه فوق كل شيء
ولو أن حبه
أدى بك إلى الجوع والموت
***
3- جع أنت لنشبع نحن...ولا تغضب.
مت أنت لنعيش نحن...ولا تحزن.
ابن قصور المترفين...وعش أنت في العراءْ
كن حطبا يحترق ...
فهناك من يريد أن يستدفئ بنار حطبك
أما أنت فيكفيك أن تصير رمادا..
السعادة تختبئ في الأكواخ..
فاحرص على معيشة الأكواخ...
وتذكر دائما أن المال لا يصنع السعادة ...
ورنين الذهب أقل قيمة من مجاني الأدب ....
***
4- أيها المواطن الصالح
هكذا يجب أن تفكر
احذر أن تسمع للمشاغبين
من يخالفون القانون
***
5-لا تنزعج كثيرا ...لا تحتج ....اكظم غيظك
واصمت لكي تكافأ كثيرا على الصمت ....
المكافأة ملفوفة في ورق الخديعة:
قليل من الصمت يساوي كثيرا من النكران.
كثير من السكوت يساوي باب الطاحونة.
***
عودة الصوت الأول:
وعشت أصدق الخرافات.
***
أعظم خرافة صدقتها أن :
الناس سواسية أمام القانون
بينما اكتشفت عند باب الطاحونة
أن القانون الذي يسود هو الطحن.
اختر من تكون: الطاحن أم المطحون؟
الأقوى يأكل الضعيف
والغني يلتهم الفقير
والأعلى يطأ الحقير بقدميه
دون أن يشعر بأدنى حرج
***
وصدقت بأني يمكن أن أعيش وسط الذئاب
دون أن أثير شهية أحد منهم ليمزقني
وأنا الخروف الوديع
***
وصدقت بأني يمكن أن أغمض عيني
دون أن تنقض علي كارثة ...
تزعجني وتوقظني من نوم عميق مريح دافئ
في ليلة شتائية باردة
ويكون لها وقع الثلج على وجهي
***
وصدقت بأني يمكن أن أسير في طريق طويل مفروش بالورود
وأن أجد دائما ما أنتظره
دون أي عناء
ودون أن يعترض سبيلي ألف شيطان وشيطان
كلهم لهم أنياب كاسرة
وقلوب لا أثر فيها للرحمة
ولا منبع فيها للشفقة...
***
وصدقت بأني يمكن أن أنال نعمة من النعم
وأحمد الله على نواله الجزيل
دون أن تكون هناك ألف عين ترمقني بكل بغض
وتنثر في طريقي أشواك الحسد
وتريد أن تزلقني بكل ما لها من قوة وشدة
***
وصدقت بأني يمكن أن أضع يدي في يد الآخرين
مطمئنا إلى أن ميثاق الصداقة
أعظم المواثيق
بينما الصداقة
مجرد ثياب يمكن استبدالها في كل وقت
وفي كل مكان
***
وصدقت بأني يمكن أن أنام في بيتي
مطمئنا إلى أن روح العدالة لا تنام
***
آه
إن العدالة الجوفاء تفتح عينيها بحجم العالم
لكي تمنح من لا يحتاج مزيدا مما لا يحتاج
وتمنع من يحتاج كل ما يحتاج
***
آه.
ها أنذا أفيق على صوت الجرس المعلق
صوته كالمطرقة يصم أذني
ويجعلني أسير كالمجنون.
***
في داخلي تنبعث الأسئلة تماما كدوائر
تنبعث من بحيرة راكدة
بعد ضربة طائشة
دوائر الماء خطوط متساوية
تنطلق في اتجاهات متوازية
***
أسئلة بلا جواب؟
هل هناك أخلاق تكبح الذئاب؟
هل السلطة لها ضمير؟
متى يكتمل البناء على الماء ؟
قانون من؟
***
الصوت الثاني يجيب بلغة الرمز
أن تصير ذئبا أسهل من ترويض الذئاب
الحائط ملاذ من لا ملاذ له.
الأخلاق الفاضلة ثياب الضعفاء
اشرب من البحر
عودة الصوت الأول مرة ثانية:
إني أحب وطني وأحب أن أغادره بسرعة
لأشتاق إليه من جديد
***
أحب الذين صفعوني
وطعنوني في الظهر
لأنهم ذكروني بأني إنسان
***
أحب الذين جعلوني موطئ أقدام
لأنهم بكل بساطة
عاملوني بما استحق من احترام
***
البيت الذي أبى أن يكتمل
ها هو ذا يكتمل بحجم آهة حزينة من القلب
***
ثيابي التي لبستها
شبيهة بثياب الصعاليك
كانت من خيوط العنكبوت
بيد أنها كانت تلفني
تريد أن تقتلني بحنان
***
وها هو السيف الذي يحمله كل واحد منا في أعماق قلبه
يأبى أن يعود إلى غمده
****
والمسرحية التي طال صخبها
ها هي فصولها تكتمل
على بطل تراجيدي
يئن في موقف كوميدي
وها هو الستار ينزل..
***
صرخة أخيرة:
هل رأيتم كم كنت مغفلا؟