ارجع إلى اهلك
عادل العابر - الأحواز
جلس القرفصاء أمام مفسر الأحلام فقال:
إني أراني أساند الأعداء ضد اهلي!
ثم تابع وهو يلهث من شدة العطش وقد كان صائماً:
كابوس لا يفارقني ليلة!
حتى صرت اهرب من النوم كي لا أراه.
قال مفسر الأحلام وهو يتكأ على مخدته:
انقل لي رؤياك بالتفصيل كي اتمكن من تفسيرها.
قال وقد تسارعت انفاسه:
أرى اهلي وهم صائمون في شهر رمضان وقت الصيف،
يتلهفون لرشف قطرة ماء من شدة الظمأ ويئنون من شدة الجوع.
وعند مغيب الشمس تهتم والدتي لتهيئة مائدة الإفطار،
فتحلب البقرة الحلوب وتجهز ما طبخته من محصول أرضنا الخصباء ويحضر أبي الماء العذب من النهر، وعندما يؤذن المؤذن ونتهافت على المائدة كي نرتوي من الماء ونأكل الطعام الذي لم نذقه منذ سبع عشرة ساعة، يهجم لصوص لا نعرف لغتهم فيسرقون الطعام والماء من المائدة ويبقي أهلي جياع ينظرون في وجوه بعضهم من شدة الحيرة والغضب، ولا قوة لهم ليصدوا هجوم الأعداء.
فأرى تساقط دموع الحزن من عيني أختي الصغيرة التي لا تبلغ العاشرة من عمرها وقد صامت معنا سنتها الاولى، فأحزن لحزنها وأبكي وأنا أرى وجهها الأصفر وخديها الذابلين من شدة الجوع والعطش.
ثم يسرع بعضهم إلى النهر فيدس السم فيه كي لا يعود أبي فيحضر لنا الماء مرة ثانية.
ولا تشفق قلوبهم من عويل النساء وصراخ الأطفال!
ثم يتنهد وينظر في عيون المفسر مستـنجداً فيتابع:
والعجب يا شيخ، أني اساند اللصوص حين أراهم يهاجمون اهلي!
فاساعدهم على حمل الطعام الذي يسرقونه من بيتـنا إلى حيث يقطنون!
واعارض اهلي إن هموا بالدفاع عن مائدتهم وعن النهر!
وذات مرة بلغت اللصوص عن خطط أخي التي أعدها لتصدهم عن بيوتـنا!
فاعتقلوه وعدموه أمام أعين امي وابي! وكنت واقفاً كالتمثال لا أحرك ساكناً.
وها قد نقلت لك رؤياي بالتفصيل فافتني فيها وخلصني من كابوسها!
دفع مفسر الأحلام مخدته إلى جانب وجلس على ركبتيه فقال:
وهل تحصل على شئ مقابل خيانتك النكراء هذه يا شقي؟
قال وقد طأطأ رأسه شارداً من نظرات الشيخ اللائمة:
نعم، يرمون لي بعض الفتات عند مغادرتهم، فأفطر دون أن ادعو احداً من اهلي إلى الطعام!
قال المفسر وقد تربع في جلسته:
اسمع تفسير رؤياك يا شقي،
إما أن تكون قائم مقام نصبك المحتلون لبلدك فتساندهم ضد اهلك،
وإن كنت كذلك فانصحك أن تتوب وترجع إلى اهل بلدك عسى الله أن يتوب عليك.
وإما أن تكون عضواً في مجالس المحلية فتـنفذ خطط الأعداء الجهنمية ضد أبناء امتك،
فتب إلى الله والله غفور رحيم.
وإما أن تكون...
قاطعه وهو يبلع ريقه من شدة الخوف والإضطراب:
لا تكمل، لست هذا ولا ذاك. فمصيبتي اكبر بكثير!
أنا مندوب في مجلس الشورى الإسلامي!
تبسم المفسر ثم مد يده نحو لحيته البيضاء فمشطها بأنامله فقال:
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم،
ذنبك عظيم يا ولدي! لأنك أنت الذي رشحت نفسك لتخدم الأعداء ولم ترغم على ذلك،
ولولا رحمة الله الواسعة لأدخلك هذا الذنب جهنم!
تب يا بنيّ وكفر عن سيئاتك وعسى الله أن يغفر ما سلف.
فتاب إلى ربه واحتضنه الوطن بشوق ونام في حضنه تلك الليلة رقداً.