الحوتُ يبتلع القمر
جلال برجس
شاعر أردني
كزهرة نبتت جزافاً في ضفاف الملح
نذوي.
قال صديقي الشاعر وفي عينيه كآخر البرق تلمع دمعتانْ
قلت ُ:
يذوي الشعير في الحقل
والوردة
والبرتقال
والقمح يذوي
اذا ما علّق القروي منجله مزامير تذكار على الحيط
واعطى للصغار مذراة البيادر
على حجة اللهوحصاناً خشبياً تصير
تذوي النساء في غيبة الجُندِ
في أرض لا ترى في الموت غير الموت
يذوي الحمام على أهبة إعدامه بحجة أنفلونزا الطيور
تذوي الورود بيد امرأة في فضاء الحواسيب رَسمَ الكلام لروحها
حُبّاً
لايغادر رعشة الشاشاتِ وهي في مقهى غريبٍ في انتظار رجل غريب
تذوي البلاد
يذوي العِباد
لكن
كيف يذوي الشاعر ياصديقي ؟
نشيج ناي من ردهة في الريح كان يمنح غُرّة الوقت ملحَ الغروب
قال
علَّمني ابي البدوي
كيف تأخذني الحقيقة من مفازات السراب
فكيف ألهث للحقيقة
والمتاهات تأخذ غايةَ القمح لدرب خُطَّ في فوضى الضبابِ
وراح يسرد لي سيرة الجرح :
............................
على حبل الغسيل بعد الانفجار
تَبقّى قميص لدمية بنت يسميها الضوء
يارا
ومن وضح الركام غنى على الجرح عصفور المساء ِ:
( يارا الجدايلها شقر فيهن بيتمرجح عمر )
قلت وعلى حبل روحي يرقص عُمرٌ فسيفسائي الرعونة:
هكذا تذوي العصافير في عشها
هكذا تدنو سماء الشاعر من صدره المطعون بالماوراء؟
قال:
تذوي العصافير في أقفاصها
بينما يحْشر القادمون من مدن الدخان المدى في مزاج معلّبٍ
وباسم الحقيقة يحلجون في بوابة الريح عهن السماء
وباصبعه النحيل أشار إلى تلة لطّختها الشمس بالشفَق المموسَق
وهي ترفل بانسيابات العراء:
هناك في كانون
شهقتُ الريحَ من كف الغزالة
بينما امي تهدهد حبلنا السري وهي تجبّه
بمعول الحطب
هناك علمني ابن آوى روتشَ من سيرةٍ عن القهر
لم يدونها الباحثون في وجع البشر
هناك أفقتُ على لا سماء
لا شبابيك
فضاء فسيح فسيح
يكتب غايتَهُ للباحثين عن ريش الاساطير رقصُ المطر
هناك أعطتني الريح أول اللثغات
وقد رَدّدّتُ خلف اجدادي وهم يقرعون الطبول
ياحوت
ياحوت
اترك القمر
قلتُ
لكن المجرة يوم تنكسف الكواكب تسبح في السكوتِ
ناسيةً منسيّةْ
قال
أجدادي القدامى الكواكب
هم الكواكب
لَمْعَة الكون
ارتداد المجرّة في الاديم ِ
لافرق عند قبيلتي بين الحقيقة والقمر
لا فرق عند قبيلتي بين افتراءات الجديد
وبين حوت الغيب وهو يهزأ بالشجر
لا فرق بين عاشق بدوي يُقَدِّم للحبيبة عمره
نوّارةً
وبين الماء وهو يَرّشَح من نهود الغيم ويكتب على خد التراب
أنا عاشق من أول السطر
أنا المطر
تَنَهّدَ
وعضّ المدى بيديه وهو يركض في الأنينِ
وراح يَنشد
ياحوت
ياحوت
أترك القمر
لا سماء للشاعر
لامسافات
ولاحدّ يحدّ الروح التي عَمّدَتها النجوم بالاغنيات
قال
في ( بنغ تونغ) يُقطع الارسال لشاشة التلفاز ليخبرون الناسَ
أن كهلاً تذكر أن ميشيما عَبَر الطريق الى (بايوان)
وهو يبحث في انحناءات الاماسي
عن جملتين من روح الاساطير تعطشها الرواية
فماذا يحدث بينما يَعْبر شاعر هاهنا
يحمل في اليمنى رغيفاً ناحلاً وبالاخرى قصيدتين
قلت
ليس بالخبز وحده الشعراء يسرعون الخُطى للحقيقة
قال
بيني وبين الخبز آلاف القصائد لكنني الآن أذوي
بيني وبين سماء بلا سقف ألف حكاية
لكنني الان أذوي
بيني وبين آلهة الحروب فحوى الخروج على رجسها
لكنني الان أذوي
بيني وبين شعبي الذي استحال بين جرح وضحاه
الى لوحة عبثية في جدار الجديدِ
فاتحة البرقِ
لكنني الان أذوي
قلتُ الان_ وانا ارى حمرية تئن على شوكة البلان- أذوي
وهناك
تعرّى صديقي الشاعر هارعاً إلى تلة في العراء
وهو يعوي
ياحوت
ياحوت
أترك القمر