عروس على كتف أبي علي
ضحى عبد الرؤوف المل
وردة الضحى
في حِوار النفس التي تعوَدت أن تَعترف بمساوىء يَوم واعتِراف ذات!..
مِن عَذراء أتمَّت مَغفِرتها جلسَتْ والأشجار مِن حولها تُعلن الشموخ
والغفران !..
لقلعة رابضة على كتف أبي علي وهو يَعزف لها بصوت خَرير ممزوج
بصخب نهار وحَركة الأقمار والكواكِب من حَولها ...
مِن كل نافذة صغيرة تَرى المدافع القديمة التي أصابها الذهول، فصمتت
بعد أن كساها الصدأ لوناً أصفر شاهدتُ عَينيها وكأنهما تراقِبان مِن
حولها بحذر وهي التي أصبحَت بعمر الشيخوخة ولم يَزل جمالها الفتان
يذكِّرنا بماضي مدينتنا العريقة...
شُجَيرات النخيل تتمايل كأنها جاريات حِسان يرقصن على عَزف نسيمات
رقيقة تُداعب جفون السماء لِيبتسم ما بقي مِن أيامها وما زال بريق أمَل في
فَم السنين التي تأكل من أيامِها فتزداد نوراً على نور ....
ما تبقّى مِن يَومي بعث في ذاكرتي جمال طفولة أمضيتها وأنا أسير قُربها
والحياء ينبعِثُ مِنها وهي الجميلة الفاتنة عروس طرابلس الخالدة سان جيل
حبيبتي...
راهبٌ وقَفت على راحتيه، فأصبح جَبلاً مُطلاً على عرائش مدينة أرخت
جدائلها على كَتف الوادي ورسمَت على بابها الخشبي الكبيرتاريخ عراقتها
بعد أن أوهمتنا بتلاشي تاريخنا....
كُنت أسير على مقربة من القبور التي نامَت قُربها ولَم استأنس بعطر
الزهور التي فاحَت وهي تَفرشها على أرضها التي تملؤها الحجارة بعد أن
فَتحت لي بابا صغيراً في أسفل البرج الثاني المطِل على البيوت القديمة
المتناثرة التي تدلنا عَلى العراقة...
تُزينها المزاغل والمكاحل وكَأنها تبسط زينتها لنراها عَروس الشمال.
كُنت مُمسكة بزهرة النرجس وعطرها يَفوحُ مع رائحة حُجراتها المرصوصة
المبللة بالأمطار والتي جَعلتني أشعُر أنها مَلكة وملوكها غرفها الفسيحة
وشَعرتُ أنني لست وحدي في القلعه وكأنَّ أصحاب الكََهف والرقيم
استفاقوا..
الفنيقيون ..المماليك ،الرومان، والبيزنطيّيون، والعرب، والفرنجة، والمماليك،
والعثمانيون مروراً بالفرنسيين ....يلهثون وأطيافهم لا تزال كأشباح قابعه في
مَكان يَلفه الماضي الجميل وصوت بركة الملاحة التي ابتعدت عن حضن
القلعه إلى داخل الأسواق كأنّها بركة ماء مغناج مدللة بقطرات مياهِها العذبة
التي تُذكرك بعذوبة طرابلس بكاملها وأنت تتذوق مياهها!... كأنَّها عَزف
كمان مُنفرد كل هذا خيال له سحره ونحن نرى النقوش عليها إنَّها عروس
الفيحاء المتكاملة والتي تفتح باب أحيائها وأسواقها ودورها ومعالمها التاريخية
خاصة البيوت الصغيرة أميرات شرقيات عثمانيات تركيات...
عَبق التاريخ فيها كَبخور نَسنتنشقُ رائحته وأنت تَشعر بسحر الشرق
والهواء البارد يلامس الوجوه وكأن القلعه من صنع الجن والأنس وارتفاعها
عَن النهر كأنه يحملها من تكوين الأرض وخلق آدم وحواء فإن رأيت فقراء
كادحين يصنعون أشكالا حِرفية، فَهم سكان طرابلس الأصليون بقلوبهم
البيضاء الناصعه، وإن رأيت جامع البرطاسي فهو الباقي من عَهد اندثر
وترك لنا أثاراً نفتخر بأصالتها وإن سمعت ضجيج الباعة يوم الأحد!.. فذاك
سوق القلعه القديم وكأنّك فعلاً بين أشباح الماضي في حاضِر عجيب..