جوزيفين..
أيتها المجنونة
بادر سيف /قالمة / الجزائر
خرجت من حوضها وردة حمراء
لملاقاة شجر العناب
كان القمر يودع شهر آذار
و كانت الشمس تنعش القندول
في ربيع حملته على كتفي حملا وديعا
سكنت – جوزيفين – أغصان الفجر
و غصات النبيذ
نهضت تسأل خيط دخان عن حب مضى و الندى
عن بيتها الأول
وانشطر اليوم، قرأت صفحة كفها
كتموج البحر
أغواها جمال الفجر، لترمي بنهديها إلى عرى الأمكنة
- جوزيفين –ألا تفتحين النوافذ
هنا مايشبه الزعتر على الشرفات
و ليكن يومك بني الجفون ، أملس الجسد
أو كقطة تداعب مفتاح شقتها
أيتها العارية إلا من بسمة الهشيم و شرر الانتظار
جئت إليك على زورق من ورق
صامت و في رئتي زهر و مهر و انكسار
أخبأ لك حلما و عالما من ضوء و وردة جورية
كالمــاء
أطبق الدنيا بأغنيات الفرح
***
أول اليوم تغير وجه المكان
جسدي زف إلى كوكب الذكريات
و أنا ما بين اليوم و الأمس متشرد في صدى الصولجان
رسمت بطبشور مشاغب شكل الثغر
و عمق الوجع
كالحب نسغه الأسماء
و أنهار الدموع
و دفاتر ملونة الصفحات
أما الليالي كنت أعدها كخطوط الجبين
دونت على صدري خطى لم تبدأ و عفوية الزنبق
و عناق الأحبة
غرست بقلبي تفاحة الأرض و خطة أزرارها لا تفتح
هي ذي – جوزيفين –
تتوقع الحزن و لا قرار لها ، منجمها من طمث الجرح
و خلخال الرنين
تقرأ الهباء جبلا من مسافات البحث
تجعل من تقاطيع الأحشاء رعشة فرح و قوس قزح
تسافر مع عودة البحر على شاطئ الهبوط في رحم الوردة
هي ساعة من يوم لا أول له ولا آخر
لكنها إنسية في حركاتها
و جن لحظة الدخول و الخروج
معسكر من شياطين الغابة
- جوزيفين – قاسية كشجر الزان
و لينة كخيزران البرك
غابة مدارية الرطوبة
قبل تاريخ إعلان الضياع في دربها العمودي
لم تكن إلا صبية خرداء
مجرد ظل أصفر اللون
ورقة في مهب التصاريف و الخلجات
نارها هابطة الحرارة
مشطت شعرها ثم صنعت ظفيرة شقراء.. وضعت أحمر شفاه
حملت حقيبتها اليدوية و بضعة نقود
طلبت الرحيل من المسمى إلى اللامسمى
لم تكن شيئا يؤرخ
أو قصة تنعش العيون
كانت كقطرة ماء خرجت من صلب الرمل
لتسكن سماء الشروخ
أمــا الآن
فجسد ممتلأ الوان
تارة ورد ية و تارة نيران
تنافس اللهب في احتضاره و تشنق الأشجان
فيا أيتها المرأة المتحدة و تسابيح الجموح
سأقرأ عليك آخر ما تبقى من موت المراكب بلغة – سومر – والهنود الحمر
لما يعاندهم جرجر الحظ و الطموح
أسافر مع خصلات شعرك إلى رسائل اللهب و المدى و البوح
أعطي لمخيلة الحب كل ما يلزم رحلة السندباد و هو يصارع الأرق
و الرضوخ ، فلا تتعجلي الإنتماء إلى – سافو – و – جان دارك –
إن الموت أيتها المترنحة من سكرة الطرب
ليس نهاية الرسائل
لكنه متعة تسبح صاعدة إلى أغصان الموج
أبجدية القص على أنغام – الجاز – و ذرى شمعدان
هكذا يختصر الفارق بين الحياة و نهاية الذات في يوم بارد جدا
فأنا.. أنا
لا أريد لك الوضوح في ساحة الطهر كالهوية
لا أريدك وحيدة في بؤبؤ الزهو و الأرق
لا أريد لك غروب الضباب و الشحارير تمضغ الورق
لا أريد منك سوى قاموس من آهات و رسائل مزركشة الحواف
لذا سأحظى بقليل من النوم و قهوة بالكباتشينو
سأحظى بيوم كله نغم فيروزي يعيد لي الهوية و الدرب
و قطرة الإنتماء
- جوزيفين – أيتها الشاردة غزالا أبلقا في مرط مركل
لكي أتمادى في معراج الكلمات
أمزق ما تبقى من نسيج الوتر و اللحظات
أو أشتهي منك ملامسة الغصن للفنن
ردي إلي خريطة الوله المتثائب ، فأنا عائد إلى غابتي الفضية
***
أتذكر لما صنعت شمعة من زمانها الآسي
غنيت للقوام المضاء بأحلام الليل
غطيت تباريح الإنسداد بآخر قميص خطته خصيصا للقائنا الأول
و في فلك تسكنه فراشات النذر
أكداس من القبلات، بستان الورد وحده عبق من عطرها الصارخ
أيقظنا الليل ، فلا السواد سواد ولا البياض بياض يمزق السكينة
كنت أركض راقصا كريم يافع دون نوم
و دون غطاء
قلت هذا فراش الأرض و عشب القرار
لأخلع خاتمي و أهديه إلى من سكنت لحظة الإنتشاء
تنهدت لما ماج مركب البحر من صدى الإنتماء
قالت: إننا عاريان
و إني أرى سوءاتنا كأرانب الثلج
فهل الحب أفضل دون غطاء
و كان الوطن
الهوية
اللغة
لثغ اللسان
كان فارق الزمن
و خط قرينيتش يتهيأ ليفصل الجسدين
كان الرعد
كان البرق
و العندليب
جاءت وحوش الرغبة
حتى الهدهد رفض وصايا سليمان
قلم الحبر تجمدت الدماء في عروقه
ضاق الدرب
تشاجر الرمل و ملح البحر
عادت فيروز إلى مأواها
تنهد الصبح
أسدلت الستائر
أغلقت النوافذ
طلع البدر من زهرة شفتيها
و أهدابها نكست راياتها إفتتنت بشدة البرد
ضاع الشاي
تسرب الخلاف إلى علقتنا الخريفية
وابتدأ الغناء و لحن شجي من ناي ألفت سماعه في صباي
* * *
كان أبي يحفظ عن ظهر قلب تجاعيد الزمن
كانت زبدة الحنان فيه خلاصة تجارب مع نايه الشهي
و كانت حياتي تسير رويدا رويدا إلى منعطف الشمس
و غبار القمر
كان أبي أهداني مرة مكانا مضاءا
قرب شجرة الزعرور
يداه فسحة للغناء
تصنع من كل شيء مناسبة للبكاء
قال لي الوجود أسطورة و نحن الغرباء
في فراش الطفولة كان يرشقني بأكياس الحلوى
وتمر أتوهمه عسلا و كؤوس خمر
كان يتفقدني كشجر يافع في حقول الجسد
يسقي ضمئي بما تيسر من ماء الأيام
يبعد عني اضطراب القوافي
و يسكنني فتوحات الأمد
قال لي يا الفتى نوافذ تلك الفتاة حمراء حمراء
و عاداتنا من جد د
فلا تكسر الناي ناي الرجاء
و لا تأسر الروح صلب الغمد
قلت يا أبتي إني أرى
سهر حلو قرب بئرنا الصامدة
و إني أمزق حلمي و كل الصور
فهل يا ترى إذا ما صنعت بأوهامنا قبرة
أللحزن مكانا له ليشعل قنديله و الوتر؟
فإن البلاد بعــيدة
و الدروب تخون الدروب
كلانا غريب
كلانا في صبحه ذاهب
في شبح الذكرى
فالسلام عليـك
* * *
و تأتي – جوزيفين – بشكلها المبعثر
كقطة بللها المطر
أو كقبرة طلعت من مضرب قصي ضيق الممر
قالت: أمتيقن أن قوام الشوك يطهو من الرماد خبزا
على مكنسة الجمر
أمتيقن أن شموس الغد ستسطع بلا أحرف من خلل الرموز
و أنك ستنهض عاري الساقين تحت مظلة القدر
و أنه بوسعك امتلاك الآتي لما يطلع من سرب الأحجيات
من جبة السحر ؟
جاءت كطاووس يتبعها شرر
و أنا المتسلل إلى ربيع كله حرائق
الأحبة و الأصدقاء
و أهل العشيرة كلهم
حتى – محمد الماغوط – نهض عنيفا يدخن ما تبقى من سيجارته العرجاء
أما متسع غابة الشرائط تحرر من برق الحرير
كشعرة الحياة ننشدها ساعة ينام ذئب البطن
و تمطر درر
و الماء مستقر خلاصة المجيئ بساقية ملتوية كثعبان الخريف
لم أجد ما أنظر إليه و أنا تحت شجر الدر دار
سوى ورقة تغني أغنية السفر
و البلاد هي البلاد لا شرقية و لا غربية
مجرد تحفة في متحف المستقبل
تنتظر من يقطفها و يلعق السكـر
* * *
يا صديقتي المغفلة، مطر ربيعي أنت
ضفيرة مدن هاجرت من غفلتها
فيا أنت أسائلك كيف أتوج قميص الملح بحواجز القبلات ؟
كيف أخاطب الحقول ؟ و مريم تحت النخلة بعيدة في ظلها المائي
يتساقط عليها الرطب متوجة بنصائح السماء
أما زرقة البحر و الرصيف الضيق و الوردة الحمراء
فإنني يا رفيقة العمر أراقبها من ثغر تهدم بفعل موسيقى الأنامل
المطرزة...
- جوزيفين – ترقص ، يرتعش الجسد ، يهتز جذع النخلة
يتبدد زهر لهفي و اشتياقي
غير أن الذي جئت من أجله سكن الطلقات الطائشة في زورق المسير
وحدها نبتة الصبار تشبهك في الطول
وحدها طيور البحر تهاجر كل موسم من الضفاف
خير ما أرتجيه من تباريح مدنك العطشى إشارة تذكرني و العشاق
السابقون و اللاحقون عهود النجم نحو أمواج الرسائل المبعثرة
- جوزيفين – تشرب خمرا، تشعل سيجارة
تجيئ مسرعة ، تشعل نيران الرغبةفي الرمل الباحث عن فلزاته الملتهبة
ظل يراود مشيتها، يغتال الصباح الآسن
و أنا أتصفح جريدة مسائية
باغتتني بقبلة
رأيت حرائق الطير تنقر كؤوس السلام
في براري العشق وبحيرات البراءة
باغتتني بلمسة
أدخلتني فضاءات الوحشة
* * *
يا صديقتي التائهة في ضباب الزناد
في أفق الأغاني
و سلسبيل السهاد
ما برحت عصافيري
فقط أرصد الذعر و حشرات ملت الحر
و أرصدك من مخابئ الكلمات و همهمات العباد
تدخلين مجلس الصياح طفلة ترسم بطبشور أخضر
دوائر الروح
تقفزين لاعبة بنرد الخصوبة
و ليكن ما يكن ، سأغرز في عيني تفاحة و أنام على قارعة
الذكرى في وقفة منتصف الأمنيات
ما بين الفاصل الزمني و خروبة القيامة
يا رفيقتي الباحثة عن هوية في تلا فيف الدم
تشبهين رسائل الرحيل
تشبهين صحراء أيامي
حجر زاوية في معبد مهجور
يحاصرني أحمر الشفاه و بؤبؤ النهر الصاعد إلى السيف المجروح
من قوام النخل يستمد الأمل زمانه الطلي
و منك أستمد الخيبة
فلما تفرجين عني بعدما كنت أسير رحابك
كأمس غائب حدد الناي شكل صخرته
و نهاية السر البخيل و الإحتمال
أعد لكي فطور الصباح و كلي خلاي فارغة من الضجر
أعد لكي شايا و زنجبيلا مريحا
في سفرنا العربي على سرج غيمتنا نستريح
أنادي المياه
و الهدهد الساحلي
إلى رخامك المعبئ في دنان الضمير
فيفتح الجرح مزاده الملعون
تهاجرني الخرائط و الصور
تحاصرني خطوط الطول و خطوط العرض
و أنا الواضح المسستر
أضع نقطة البداية مستهل الكلام عن الأرض و الذكريات
أراك كطعنة الورد ليس لها شفاء
همزة وصل بين جثة السيف و أوكسير النجاة
و أمشي وحيدا ..مهنتي الوقوف على مشارف الناي العتيق
و البلاد هي البلاد....