ما أدراك ما الوطن بالنسبة للسوريين
د. محمد وليد اسكاف
مواطن عربي سوري
سورية هي تلك الرغبة التي تعتريك لتناول كأس شاي وأنت تأكل الجبنة البيضاء البلدية وذاك الخمول الذي يدفعك بعد وجبة الغذاء الدسمة إلى قيلولة غالية،هي ذاك المزيج الفوضوي الذي يجري في شوارع العاصمة، من آلاف السيارات والبشر المختلطة وفق منظومة معقدة ، لا تستطيع أن تدركها أو تفهم آلية عملها ، ولكنها في النهاية تعمل، تمتزج، تتحرك، وتنفصل وتتلاشى الحركة في الشوارع لتبدأ الحياة في المنازل التي تحب السهر، وتبقى البيوت المتراكمة المتسلقة جبل قاسيون مضاءة حتى يطفئها الفجر الذي يعلنه صوت الآذان .
سورية هي فيروز في الصباح.. و (سيرة الحب) في ليل دمشقي طويل ، أو موال شجي عتيق على أنغام قد حلبي .
سورية نشرة الأخبار بين عشق الرجال وكره النساء،هي خوف صبية عائدة إلى البيت في مساء متأخر ،هي حب مراهق لبنت الجيران ، وقصص البيوت التي تناقلناها ، هي وجوه الناس التي ألفناها ،هي النميمة بين قعدة رجالية في مقهى و ' نسوان ' في صبحية ، هي طاولة الزهر وعبق الدخان .
سورية هي جلسة حول أركيلة ،' بحرة ' في دار قديم تجمعنا ' قرقعة '، هي عدوى الضحك على طرفة ' بايخة ' تنتشر بين الأصحاب وتتمادى لتصبح قهقهة عالية لا تعبأ لا بالمكان والزمان .
سورية هي محجبة وسافرة تعيش في بيت واحد، وطبخة شاكرية على مائدة كريم دعا إليها كل الجيران، مسيحي ومسلم الكل يحمدون الله على النعمة ويدعون أن يحفظها من الزوال .
سورية هي نزعة طفل للتسرب إلى الشارع واللعب مع أولاد الجيران ، هي رائحة طبيخ تفوح عند باب كل دار وقت الغذاء ، وجلسة دافئة لأفراد العائلة حول مدفأة المازوت في ليلة باردة .
سورية هي الحارة والأصحاب، المدرسة والطريق الذي تسكعناه مئات المرات ، هي الطاولة التي درسنا عليها والغرفة التي تشاركنا بها إخوة وأخوات .
سورية هي الحب القديم، هي القلب الذي خفق في صدورنا أول مرة ، هي الغيرة التي اشتعلت على فتاتنا تضحك لرفيق لتترك في النفس حرق لذيذ ، هي حلاوة اللقاء الذي كان وربما لن يتكرر، هي الحياة التي انتزعناها من عمر مضى واحتفظنا بها مجرد ذكريات هي ضحك، بكاء، مئات الكلمات، أحاديث وصور تبعثرت في ذاكرتنا ، يستحضرها الحنين ويحفظها الشوق ونحن نعرف بأنه لا أمل لنا في اللقاء .
سورية هي أيام عشناها في وطن.. نخاف أن يضيع .
سورية هي الحبيب الذي هجرناه ولم نستطع أن نعشق سواه .
سورية هي الماضي الذي منه ولدنا وعلينا أن نحرص لكي يكون المستقبل الذي يحيا أولادنا فيه .
سورية كلمة عندما نسمعها، تشتعل قلوبنا بالمحبة، وتدمع عيوننا الحائرة فرحا وحزنا ، وتتلعثم ألسنتنا مثل مراهق يريد أن يبوح لفتاته بكلمة أحبك
و الله بحبك يا سورية ... الله يحميكي