همسات القمر 132

خديجة وليد قاسم (إكليل الغار)

*تأسرني بعض أفكار نمت معي منذ الصغر

وحين تلحّ علي وتمعن في الطلب، ألبيها بشقاوة ومرح وكأنني لا زلت تلك الطفلة التي لا تثقلها قيود الزمان أو المكان.

لربما نحتاج بين الفينة والأخرى أن نعود لطفولتنا، نستقي منها زاد البراءة والنقاء، نستلهم منها قصة التأقلم العجيب مع متغيرات الحياة، نصالح الدنيا بقلبها دون طوية سيئة أو نية خبيثة، نهرع نحو عالمنا بفرح شفيف نديّ وكأنه الكنز حيز لنا..

وفي الطفولة نداوة وصفاء، وفي ظلالها الآسرة خير بلسم وشفاء

*وبعض الابتسام، تنهّد تخفي به النفس تباريح الكلام

وفي غورها العميق، تعالج فوضاها بالصمت حينا.. وحينا بطرق أبواب الأماني الغافية..

 ولعل في ضجيج الطرق صحوة فرح بعد طول منام!

*أيا قلمي ..

جعلتك نديم أحلامي وأنيسي ليل سهدي وآلامي

فما بالك اليوم تزورّ عني وتمعن في هجران ينال منّي؟

أما تقوى تطاوعني؟!

أما يكفي تعاندني؟!

أم أنه العجز ألمّ بك فآثرت السكينة والسلام، وانخت راحلتك بباب الصمت، وأسلمت جنبك للذيذ المنام؟!

أيا قلمي ..

كنت الطبيب الذي لا يغيب ..

فهل أغدو منك كمن هجره القريب والحبيب؟!

ظامئة أنا..

وما لغير معينك من ارتواء..

فهلا كنت السقاء والدواء؟

*يؤرقني انتظار على شواطئ ما غاب ذكرها ولا اندثرت ملامحها

أمدّ اليدين في محاولة لانتزاع نسيم الفرح من رياح مارقة طوتها تحت جناحيها..

تبتعد بخبث ومكر.. أركض خلفها بجزع وذعر

أأدركها، أم تختفي في مجاهل الغياب؟!

*حين يشتدّ صخب الحياة من حولي ويعلو صوتها بدويّ مزعج هادر

ألتزم الصمت ولا أشارك في مهرجان عبثها

من قال إنني أستطيع مواكبتها أو حتى ارتقاء أولى درجات فوضاها وجنونها..

ورغم ذلك، لست سالمة، ولو كان بعض أثر من دخان يعلق في أطراف ثوبي..

*بعض الصفحات نقف منها على بوابة حيرة وفكر..

لا نحن من يملك القوة على طرق بابها وتبتل الروح في محرابها

ولا نحن من يملك القدرة على إغلاق الباب بقفل ومفتاح لنولي ظهر خيبة آمالنا وأحلامنا ونمضي ..

وكأننا كمن يقف على أطلال كانت له الحياة كل الحياة 

وكأننا كمن يرتّل الذكر على رفات نزعت من دنياه معنى الحياة!

*تتبخّر الحروف وتصّاعد إلى أفق حالم بعيد ..

أتراها تمطر شعرا، أم تتلاشى كأوهام السراب؟

*حين ينفض الليل آخر ريشة سوداء في جناحه الكبير..

يفترّ ثغر الكون عن أهزوجة الضياء ترتلها طيور الأمل..

يمتد شعاع النور يروي القلوب الظامئة يخرجها من حدودها الضيقة إلى رحاب فسيحة تتسامى فيها المشاعر الإنسانية إلى أقصى حدود نشوتها ونقائها..

وكأننا نولد حقا من جديد ..

قلب دافئ.. روح طليقة تتردد في سماوات الأماني.. نفس مشحونة بحب العطاء والعمل ..

السعادة.. أن نحتفظ بهذه الطفولة البريئة حية في نفوسنا، وليت صروف الحياة تطاوعنا فلا تدعها تتسرب منا وتغادرنا.. ليت!

 

وسوم: العدد 707